العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

محبة البحرين وعشق ترابها

بقلم: عبدالهادي الخلاقي

السبت ١٦ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

العم‭ ‬أحمد‭ ‬مواطن‭ ‬عربي‭ ‬هاجر‭ ‬إلى‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬ريعان‭ ‬شبابه،‭ ‬حطت‭ ‬به‭ ‬رحال‭ ‬الغربة‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬المنامة‭ ‬الطيبة‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬السبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬عاش‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬أشهرا‭ ‬قليلة‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يكتب‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬الرزق‭ ‬والعيش‭ ‬فيها،‭ ‬فكان‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يشد‭ ‬الرحال‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬بلد‭ ‬آخر‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬الرزق‭ ‬وهذه‭ ‬سنة‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬خلقه‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬هو‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬لكم‭ ‬الأرض‭ ‬ذلولا‭ ‬فامشوا‭ ‬في‮ ‬مناكبها‭ ‬وكلوا من‭ ‬رزقه‭) ‬ولولا‭ ‬ارتحال‭ ‬البشر‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬لقمة‭ ‬العيش‭ ‬الكريم‭ ‬والاستقرار‭ ‬لعاشت‭ ‬البشرية‭ ‬جميعها‭ ‬متزاحمة‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬واحد‭. ‬

الأشهر‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬العم‭ ‬أحمد‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬أزقة‭ ‬المنامة‭ ‬وضواحيها،‭ ‬كانت‭ ‬كفيلة‭ ‬بأن‭ ‬تركت‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬حبا‭ ‬عظيما‭ ‬لهذا‭ ‬البلد‭ ‬ولشعبها‭ ‬ولهوائها‭ ‬ورمالها‭ ‬وشطآنها‭ ‬رافقه‭ ‬هذا‭ ‬الحب‭ ‬طيلة‭ ‬حياته،‭ ‬انتقل‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬فعاش‭ ‬واستقر‭ ‬فيها‭ ‬قرابة‭ ‬40‭ ‬عاماً‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬المدة‭ ‬سنحت‭ ‬له‭ ‬الظروف‭ ‬بزيارة‭ ‬البحرين‭ ‬بضع‭ ‬زيارات‭ ‬قصيرة‭ ‬لكن‭ ‬طيلة‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يمتدح‭ ‬البحرين‭ ‬وشعبها‭ ‬بل‭ ‬وكان‭ ‬يرى‭ ‬أنها‭ ‬أفضل‭ ‬البلاد‭ ‬العربية‭ ‬وأكثرها‭ ‬سماحة‭ ‬وبهجة‭ ‬للقلب،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬كلام‭ ‬العم‭ ‬أحمد‭ ‬فقط‭ ‬بل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يزور‭ ‬المنامة‭ ‬يجد‭ ‬فيها‭ ‬ملامح‭ ‬وسمات‭ ‬وبساطة‭ ‬كالتي‭ ‬عايشها‭ ‬في‭ ‬بلده‭ ‬الأم،‭ ‬فينشأ‭ ‬حب‭ ‬تلقائي‭ ‬لهذه‭ ‬الديار‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬كل‭ ‬زائر،‭ ‬يقول‭ ‬الكاتب‭ ‬صلاح‭ ‬الجودر؛‭ ‬المنامة‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬أحيائها‭ ‬وأسواقها‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬العائلات‭ ‬العربية‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬نجد‭ ‬والإحساء‭ ‬وعمان‭ ‬واليمن‭ ‬والعراق،‭ ‬وبجوارهم‭ ‬العجم‭ ‬والهنود‭ ‬والباكستانيون،‭ ‬وهناك‭ ‬أتباع‭ ‬الأديان‭ ‬من‭ ‬مسلمين‭ (‬سنة‭ ‬وشيعة‭)‬،‭ ‬ومسيحيين‭ ‬ويهود‭ ‬وهندوس‭ (‬بونيان‭) ‬وبهائيين‭ ‬وبوذا‭ ‬وبهرة‭ ‬وسيخ،‭ ‬وصابئة‭ ‬ممن‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬الفضة،‭ ‬وجاء‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬الإنجليز‭ ‬والأمريكان‭ ‬والفرنسيين‭ ‬والفلبينيين،‭ ‬وغيرهم‭ ‬كثير‭ ‬عاشوا‭ ‬جميعهم‭ ‬متحابين‭ ‬متسامحين‭ ‬لا‭ ‬أحقاد‭ ‬ولا‭ ‬ضغائن‭ ‬بينهم‭ ‬فكانت‭ ‬السكينة‭ ‬والطمأنينة‭ ‬تحف‭ ‬البحرين‭ ‬وشعبها‭ ‬ومن‭ ‬يعش‭ ‬على‭ ‬أرضها‭ ‬وتحت‭ ‬سمائها‭. ‬

العم‭ ‬أحمد‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬به‭ ‬العمر‭ ‬ونحل‭ ‬جسده‭ ‬ووهن‭ ‬عظمه‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬بلده‭ ‬الأم‭ ‬ليعيش‭ ‬بها‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬وبعد‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬كتب‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬العودة‭ ‬وزيارة‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬فجاء‭ ‬ومكث‭ ‬بها‭ ‬عاما‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬حياته‭ ‬ليعيد‭ ‬ذكريات‭ ‬شبابه‭ ‬وبداياته‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬المباركة،‭ ‬ربما‭ ‬تغيرت‭ ‬ملامح‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬معالمها‭ ‬وازداد‭ ‬أعداد‭ ‬الناس‭ ‬وتوسعت‭ ‬طرقاتها‭ ‬وارتفعت‭ ‬مبانيها‭ ‬وتطور‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬ملامحها‭ ‬القديمة‭ ‬ولكنه‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يجد‭ ‬سمات‭ ‬الأصالة‭ ‬والتسامح‭ ‬والبساطة‭ ‬والمحبة‭ ‬والبشاشة‭ ‬والتعايش‭ ‬في‭ ‬وجوه‭ ‬شعبها‭ ‬لم‭ ‬تتغير،‭ ‬وربما‭ ‬تغير‭ ‬بعضها‭ ‬ولكن‭ ‬انطباعه‭ ‬الأول‭ ‬الذي‭ ‬غُرس‭ ‬في‭ ‬ذاكرته‭ ‬منذ‭ ‬قرابة‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يُسيطر‭ ‬على‭ ‬مشاعره‭ ‬وأحاسيسه‭ ‬ونظرته‭ ‬تجاه‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬المباركة‭ ‬وتجاه‭ ‬شعبها‭ ‬وقيادتها‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الطمأنينة‭ ‬والراحة‭ ‬النفسية‭ ‬التي‭ ‬يشعر‭ ‬بها‭ ‬العم‭ ‬أحمد‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬البحرين‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬مضطراً‭ ‬للرحيل‭ ‬عنها‭ ‬مجدداً‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬وطنه‭ ‬الأم‮»‬‭ ‬ولم‭ ‬يمكث‭ ‬على‭ ‬رحيله‭ ‬سوى‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬حتى‭ ‬وافته‭ ‬المنية‭ ‬وانتقل‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬ربه‭ ‬حاملاً‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬مشاعر‭ ‬فياضة‭ ‬لأرض‭ ‬البحرين‭ ‬ولشعبها،‭ ‬ولعلي‭ ‬أستخلص‭ ‬من‭ ‬قصة‭ ‬العم‭ ‬أحمد‭ ‬وعشقه‭ ‬ومحبته‭ ‬للبحرين‭ ‬ولشعبها‭ ‬ولقيادتها‭ ‬بأن‭ ‬كتب‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يختم‭ ‬حياته‭ ‬كما‭ ‬بدأها‭ ‬في‭ ‬شبابه‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬البحرين،‭ ‬هذه‭ ‬السجايا‭ ‬الطيبة‭ ‬والخصال‭ ‬الحميدة‭ ‬التي‭ ‬يتمتع‭ ‬بها‭ ‬شعب‭ ‬البحرين‭ ‬كانت‭ ‬سمة‭ ‬من‭ ‬السمات‭ ‬المميزة‭ ‬التي‭ ‬حرص‭ ‬قادة‭ ‬البحرين‭ ‬منذ‭ ‬مئات‭ ‬السنين‭ ‬على‭ ‬رعايتها‭ ‬وتنميتها‭ ‬والمحافظة‭ ‬عليها‭ ‬بل‭ ‬والاستثمار‭ ‬فيها،‭ ‬فهي‭ ‬منارة‭ ‬للمحبة‭ ‬والتسامح‭ ‬والتعايش‭ ‬والسلام،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة عاهل‭ ‬البلاد‭ ‬المعظم‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مناسبة‭ ‬يلتقي‭ ‬فيها‭ ‬الأعيان‭ ‬والوجهاء‭ ‬ورجالات‭ ‬البحرين‭ ‬ويؤكده‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬منذ‭ ‬القدم‭ ‬والبحرين‭ ‬وشعبها‭ ‬يجسدون‭ ‬مبادئ‭ ‬الصداقة‭ ‬والتسامح‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬والانفتاح‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬وكلنا‭ ‬فخر‭ ‬بتنوعنا‭ ‬وتعددنا،‭ ‬وإيماننا‭ ‬الراسخ‭ ‬بأن‭ ‬لكل‭ ‬فرد‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬التمتع‭ ‬بحياة‭ ‬آمنة‭ ‬وكريمة،‭ ‬واليوم‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تلك‭ ‬القيم‭ ‬نبراساً‭ ‬ومصدر‭ ‬إلهام‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نقوم‭ ‬به،‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬بالأمس‭ ‬القريب‭ ‬أساساً‭ ‬لميثاق‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬والدستور‭ ‬وستستمر‭ ‬لتكون‭ ‬إطاراً‭ ‬للإنجازات‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬المستقبل‮»‬،‭ ‬يقول‭ ‬الشاعر‭: ‬

 

هل‭ ‬البحرين‭ ‬يا‭ ‬طيبٍ‭ ‬توارث‭ ‬

‭ ‬شهادة‭ ‬غيرنا‭ ‬والكل‭ ‬حكابه‭. ‬

ولي‭ ‬قلنا‭ ‬من‭ ‬البحرين‭ ‬يعني‭ ‬

‭ ‬تشوف‭ ‬الطيب‭ ‬فينا‭ ‬لا‭ ‬غرابه‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا