لا ينفك هذا السؤال يطرح نفسه على موائد الخبراء العسكريين ووزراء الدفاع في أوروبا وأمريكا منذ وقوع الأزمة الأوكرانية.
وبقدر ما تفاقمت هذه الأزمة، قويت التوقعات لديهم بوقوع حرب عالمية ثالثة.
وفي هذا السياق، قال الأميرال الأمريكي رول باور، رئيس اللجنة العسكرية لحلف الأطلنطي: «علينا أن نعي تمامًا أن السلام ليس أمرًا مكتسبًا ومسلمًا به»، وتتابعت بعده تصريحات لوزير الدفاع السويدي وأركان حربه يحذران فيها: «على الشعب السويدي أن يستعد لاحتمال نشوب حرب عالمية بسبب الأزمة الأوكرانية»، ثم خرج تصريح لوزير الدفاع الألماني يقول فيه: «إن روسيا سيكون بإمكانها حتمًا الانقضاض على دولة من دول الحلف خلال خمس سنوات من الآن».
وفي الآونة الأخيرة ظهرت في الأفق بوادر تكاد ترجح في ذهنية الخبراء العسكريين الأوروبيين وقوع الحرب العالمية الثالثة في المستقبل القريب.
ذلك أن فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية مثلًا سيؤثر بالسلب في نفوذ وقوة حلف الأطلنطي. إن دول الحلف لا تنسى لترامب أنه استن خلال فترة رئاسته الأولى سياسة تهدف إلى أن تخفف الولايات المتحدة من تعهداتها والتزاماتها المادية إزاء الحلف، وهي سياسة قمينة بأن تحمل أعضاء الحلف الأوروبيين بأعباء لا قبل لهم بها، كما أنها ستُضعف كثيرًا من قوته.
ومن ناحية أخرى أعلن بوتين في بداية هذا العام أن بلاده قررت زيادة النفقات العسكرية بنسبة 70 بالمائة.
وما كادت تمضي بضعة أشهر حتى شاهدنا جيوش الحلف تشرع في تنفيذ برنامج تدريبي عسكري مكثف لقواتها تأهبًا لحرب باتت أمرًا مرجحًا وفقًا لمؤشرات الواقع.
وبالنسبة إلى أزمة الشرق الأوسط واستمرار العمليات الإسرائيلية المدمرة في غزة والضفة الغربية ولبنان ليس فحسب من أجل القضاء النهائي على المقاومة الفلسطينية و«حزب الله»، وإنما أيضًا للتفرغ لمواجهة إيران، فمما لاشك فيه أن هذه الأزمة سيكون لها آثارها الوخيمة في اشتداد حدة الصراع بين القوي العظمي في ضوء التحالفات والمصالح المتعارضة، خاصة إذا وضعنا في الحسبان ما سينجم عنها من آثار خطيرة علي الاقتصاد العالمي، والمتمثلة في المقام الأول في ارتفاع السعر العالمي للبترول.
وبخلاف التحالف بين روسيا وكوريا الشمالية والصين فقد أعلن سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي في مؤتمر صحفي مؤخرا ،أن روسيا وإيران بسبيلهما لتوقيع اتفاقية دفاع بين البلدين.
ومما يزيد الأمر تعقيدًا أن الحكومة اليمينية الإسرائيلية تطمح إلى تحقيق حلمها التوراتي بتأسيس «إسرائيل الكبرى». فوفقًا لبعض المصادر خرجت تجمعات لحزب الليكود وأنصاره تدعو إلى احتلال غزة كلها والاستيلاء على الضفة الغربية وجنوب لبنان.
وفي خطابات وزيري المالية والحرب الإسرائيليين نجد أنهما لم يتحرجا من الإفصاح عن تأييدهما لفكرة التوسع في احتلال الأراضي المجاورة في لبنان وسوريا والعراق. ولم يعد غريبًا أن نرى صورًا للجنود الإسرائيليين في غزة يظهرون وعلى أكتافهم شعار مرسوم عليه خريطة جغرافية جديدة لـ«دولة إسرائيل الكبرى» التي يحلم بتحقيقها اليمين الإسرائيلي الأصولي.
كما أن خطابات نتنياهو تذكرنا بما يذهب إليه أغلب المستشرقين الإسرائيليين في تصورهم للعالم العربي وردود فعله المحتملة في الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي. ففي كتاب «أساطير سياسية عربية» للمستشرق الإسرائيلي «إيمانويل سيفان» يذهب مؤلفه إلى أن العالم العربي أسير بضع أساطير سياسية يكذبها الواقع.
فحلم الوحدة العربية وتأسيس دولة قومية واحدة استنادًا إلى عناصر مثل وحدة اللغة والتاريخ حلت محله في الواقع الدول القُطرية، كما أن فكرة «الحدود المصطنعة» التي اصطنعتها الإمبريالية لتثبيت أنظمة عربية ثبت خطؤها لأن الواقع في رأيه يؤكد أن في كل دولة عربية ثمة نزعة قومية محلية خاصة بها أكدتها المواجهات العسكرية التي حدثت فيها مثل المواجهة بين الأردن وفلسطين عام 1970، والمواجهة العراقية -الكويتية خلال حكم صدام حسين.
ويضيف إيمانويل سيفان ما يسميه «أسطورة المصالح المشتركة» التي يدحضها في رأيه انتفاء التكامل في قطاعات النفط والسياحة وصناعة الأنسجة، وهو ما جعل الاقتصادات العربية اقتصادات متزاحمة.
هكذا يفكر اليمين الإسرائيلي في العالم العربي، ولن يتراجع نتنياهو عن مخططه التوراتي الذي تحلم به حكومته.
{ أستاذ فلسفة اللغة والأدب
الفرنسي بآداب حلوان
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك