يقول تعالى: (والنجم إذا هوى (ا) ما ضل صاحبكم وما غوى (2) وما ينطق عن الهوى(3) إن هو إلا وحي يوحى(4)) سورة النجم.
ويقول تعالى: (ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيمًا) (النساء / 113) إذًاً، فللقرآن تنزلان الأول: هو تنزله كاملًا من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم يتنزل تنزلًا ثانيًا منجمًا حسب الحوادث طوال ثلاثة وعشرين عامًا، فتنزل سورة كاملة تتضمن العديد من الأحكام مثل: سورة النور كقوله تعالى: (سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون) سورة النور / 7.
وقد تنزل بعض آيات إجابة عن سؤال، أو عن حكم في قضية معينة، كسورة المجادلة في قوله تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير). المجادلة / 1.
هذا تنزل بالقرآن الكريم الذي تحدى به الله تعالى خصوم الإسلام أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله مفتريات، أو بسورة واحدة مفتراة، قال تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) الإسراء / 88.
هذا القرآن نزل بمعناه ومبناه من الله تعالى وهو محفوظ بحفظه سبحانه له قال تعالى: (إنَّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر / 9.
وقال جل جلاله: (.. وإنه لكتاب عزيز(41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42)) سورة فصلت.
وقال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا) النساء / 82.
إذًا، فالقرآن الكريم بمعناه ومبناه من عند الله تعالى، وهو المعجزة الوحيدة الباقية من معجزات الرسل السابقين، ولولا القرآن، وما تضمنه من أنباء عن الأمم الذين سبقوا أمة الإسلام، وما دار للأنبياء والرسل الكرام مع أقوامهم ما علمت البشرية شيئًا من قصص هؤلاء الرسل وأقوامهم، ولقد ذكر القرآن أنه بالإضافة إلى كونه معجزة وتشريعا، فإنه كذلك تاريخ موثق يسجل فيه الأحداث والوقائع.
أما الوحي الثاني، فهو الحديث القدسي، والوحي فيه من الله تعالى، هذا عن معناه أما عن مبناه، فمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والفرق بينه وبين الحديث النبوي أن الرسول فيه يعزوه إلى رب العزة سبحانه وتعالى كقوله صلى الله عليه سلم، يقول الله تعالى: (أنا عند ظن عبدي، وأنا معه فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خير منهم) متفق عليه.
والفارق كبير جدًا، بل عظيم ولا حد لعظمته بين القرآن العظيم الذي نتعبد يتلاوته في الصلوات، وخارج الصلوات، والأحاديث القدسية، والأحاديث النبوية التي نعرف بها الأحكام الشرعية، والتي تنظم حياتنا، وترسم لنا معالم الطريق في ظل رعاية القرآن، وفهم مقاصد الشريعة وبلوغ الغاية منها.
ونلاحظ أن من الأدلة على أن القرآن والحديث القدسي والحديث النبوي يشتركون جميعهم بأنهم وحي من الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، دليل ذلك قول الحق سبحانه: (وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحي يوحى (4)) (سورة النجم) إلا أنهم يختلفون في الدرجة والمرتبة والغاية.
فقد يُسأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمرٍ ليس لدى الرسول(صلى الله عليه وسلم) جواب حاضر عنه فيعد القوم بأنه سوف يخبرهم في الغد، فيحتجب الوحي عنه، لما سأله أحد الصحابة عن الساعة، وكان في جمع، فلم يجبه حتى مر وقت على السؤال، ثم قال: أين السائل عن الساعة ثم أخبره الجواب، فكان الجواب من خلال حديث نبوي شريف، وهكذا كثير من الأسئلة والحوادث، وهذا دليل على أن معنى الحديث سواء كان حديثًا قدسيا أو حديثًا نبويًا من عند الله إلا أنه لا يتعبد بتلاوتهما بل بالاسترشاد بهما، وخاصة حين لا تجد في القرآن من الآيات القرآنية المحكمة كحكم شرعي لمسألة من المسائل، فقد يسأل الرسول صلى الله عليه سؤالًا ليس لديه الإجابة عنه حاضرة، فينتظر الوحي يأتيه بالإجابة عنه مثال على ذلك عندما سأله كفار قريش عن ثلاثة أسئلة ليتبين لهم صدقه في ما ادعاه بأنه نبي مرسل من الله تعالى، فوعدهم بذلك دون أن يستثني الله تعالى، فاحتجب الوحي عنه صلى الله عليه وسلم خمسة عشر يوما، وأشاع الكفار عنه أن رب محمد قد قلاه حتى نزل قوله تعالى: (والضحى والليل إذا سجى (1) ما ودعك ربك وما قلا (2) وللآخرة خير لك من الأولى (3) ولسوف يعطيك ربك فترضى (4) سورة الضحى، تنزل بعد ذلك قوله تعالى: (ولا تقولن لشيء إني فاعلٌ ذلك غدًا (23) إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا (24)) سورة الكهف.
والخلاصة التي ننتهي إليها، وتطمئن النفس إليها هي أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وأن هناك درجات، ومراتب والدرجة الكاملة والتامة هي في تنزل القرآن معنى ومبنى، وهو الكتاب المعجزة، وهو الكتاب المتحدى به، والذي عجز الإنس والجن على أن يأتوا بمثله، ثم تحداهم بعشر سور مفتريات، ثم بسورة واحدة من مثله مفتراة، فعجزوا عن ذلك كله رُغم السماح لهم بالاستعانة بالجن، وهم أصحاب إمكانات هائلة، وعجزوا عن ذلك كله.
هذا هو القرآن معنى ومبنى، وتلك هي الأحاديث القدسية، والأحاديث النبوية معنى دون مبنى، وهذا هو الإسلام، وهذه هي معجزته الباقية الخالدة، المحفوظة بحفظ الله تعالى لها، وصدق الله العظيم: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) سورة الحجر / 9. وهو معجزة عزيزة على التحريف والتزوير والوضع كما قال الله تعالى: (وإنه لكتاب عزيز(41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد(42)) سورة فصلت.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك