العدد : ١٧٠٣٦ - الأربعاء ١٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٣٦ - الأربعاء ١٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هل تعيد مجموعة البريكس تشكيل العلاقات الدولية؟

بقلم: أوليغ كاربوفيتش

الخميس ٠٧ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

لقد‭ ‬مثلت‭ ‬قمة‭ ‬مجموعة‭ ‬البريكس‭ ‬التي‭ ‬عقدت‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬كازان‭ ‬بجمهورية‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مبالغة،‭ ‬حدثاً‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬الحديث‭ ‬للعلاقات‭ ‬الدولية‭. ‬واليوم،‭ ‬وقد‭ ‬أصبح‭ ‬الربع‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القرن‭ ‬خلفنا‭ ‬تقريبًا،‭ ‬لا‭ ‬يسع‭ ‬المرء‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يلاحظ‭ ‬التغيرات‭ ‬الهائلة‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬البشرية‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭.‬

فمن‭ ‬نظام‭ ‬عالمي‭ ‬بدائي‭ ‬أحادي‭ ‬القطب‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬هيمنة‭ ‬قوة‭ ‬عظمى‭ ‬اغتصبت‭ ‬القيادة،‭ ‬انتقلنا‭ ‬بسلاسة‭ ‬وتدريجيا‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬مختلف‭ ‬تماما‭ ‬بدأت‭ ‬تتشكل‭ ‬ملامحه‭. ‬فقد‭ ‬أصبحت‭ ‬مجموعة‭ ‬البريكس‭ ‬تجسيدا‭ ‬لروح‭ ‬العصر،‭ ‬عندما‭ ‬أفسحت‭ ‬إملاءات‭ ‬المدافعين‭ ‬عن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الليبرالية‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬التعددية‭ ‬والشمولية‭ ‬والمساعدة‭ ‬المتبادلة‭.‬

وفي‭ ‬سياق‭ ‬تحول‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬منصة‭ ‬للمناقشة،‭ ‬يشغلها‭ ‬جزئياً‭ ‬الممثلون‭ ‬الغربيون،‭ ‬هناك‭ ‬مطلب‭ ‬ثابت‭ ‬لتوحيد‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬المحيط‭ ‬وبناء‭ ‬منظومة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭.‬

إن‭ ‬الاتحاد‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬كمشروع‭ ‬ثلاثي‭ ‬لروسيا‭ ‬والصين‭ ‬والهند‭ ‬يوحد‭ ‬اليوم‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭ ‬جزءًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬الأغلبية‭ ‬العالمية‭ ‬واقترب‭ ‬جدًا‭ ‬من‭ ‬مكانة‭ ‬القوة‭ ‬الأقوى‭ ‬في‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العالمي‭. ‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬يجب‭ ‬ألا‭ ‬نبالغ‭ ‬في‭ ‬التفاؤل‭ ‬أو‭ ‬ننغمس‭ ‬في‭ ‬الأوهام‭ ‬ونستعد‭ ‬لنزهة‭ ‬سهلة‭. ‬إن‭ ‬مجموعة‭ ‬البريكس‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الطريق‭ ‬نحو‭ ‬ضمان‭ ‬التغييرات‭ ‬التي‭ ‬طال‭ ‬انتظارها‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬عالمي‭.‬

وكما‭ ‬أظهرت‭ ‬قمة‭ ‬مجموعة‭ ‬البريكس‭ ‬في‭ ‬قازان،‭ ‬فإن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬تطرح‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بآفاق‭ ‬توسيع‭ ‬هذا‭ ‬الهيكل،‭ ‬الذي‭ ‬تشكلت‭ ‬فيه‭ ‬بالفعل‭ ‬قائمة‭ ‬انتظار‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬ذات‭ ‬النفوذ‭ ‬الكبير‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬مناطق‭ ‬العالم‭.‬

هل‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬توسيع‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬المساس‭ ‬بهويتها‭ ‬ومفهومها‭ ‬التنموي‭ ‬الأصلي؟‭ ‬سيتعين‭ ‬على‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬خلال‭ ‬المناقشات‭ ‬الصعبة‭ - ‬فليس‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الصدفة‭ ‬أن‭ ‬تقرر‭ ‬في‭ ‬قازان‭ ‬عدم‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬موجة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬التوسع،‭ ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬إنشاء‭ ‬وتعزيز‭ ‬وضع‭ ‬مجموعة‭ ‬البريكس‭ ‬والارتقاء‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الشراكة‭.‬

كما‭ ‬أظهر‭ ‬الاجتماع‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬صيغة‭ ‬‮«‬البريكس‭ ‬بلس‮»‬‭ ‬الإمكانات‭ ‬القوية‭ ‬لمناقشة‭ ‬المشاكل‭ ‬الدولية‭ ‬الأكثر‭ ‬إلحاحاً‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وعظ‭ ‬أو‭ ‬شعارات‭ ‬أخلاقية‭ ‬متطفلة‭ ‬من‭ ‬الغرب‭ ‬الجماعي‭.‬

وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الطبيعة‭ ‬البناءة‭ ‬للغاية‭ ‬للمجموعة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬أولوية‭ ‬القيم‭ ‬العالمية،‭ ‬فإن‭ ‬الغرب‭ ‬سوف‭ ‬يبذل‭ ‬محاولات‭ ‬مستمرة‭ ‬لتقويض‭ ‬أسس‭ ‬مجموعة‭ ‬البريكس‭ ‬ومنع‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬تطوير‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭.‬

لقد‭ ‬رأينا‭ ‬بالفعل‭ ‬بوضوح‭ ‬كيف‭ ‬اضطر‭ ‬الرئيس‭ ‬الصربي‭ ‬ألكسندر‭ ‬فوتشيتش،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬إلى‭ ‬إلغاء‭ ‬رحلته‭ ‬إلى‭ ‬قازان،‭ ‬وربط‭ ‬ذلك‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬رسمي‭ ‬امتثاله‭ ‬لآفاق‭ ‬التكامل‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬بلغراد‭.‬

كما‭ ‬يتم‭ ‬ممارسة‭ ‬ضغوط‭ ‬كبيرة‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬انضمت‭ ‬قبل‭ ‬عام‭. ‬وهكذا‭ ‬انسحبت‭ ‬الأرجنتين،‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬النخب‭ ‬العالمية‭ ‬الموجهة‭ ‬نحو‭ ‬واشنطن‭.‬

في‭ ‬المستقبل،‭ ‬سنرى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأمثلة‭ ‬المرتبطة‭ ‬بالمصالح‭ ‬والحسابات‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬خصومنا‭ ‬الغربيين،‭ ‬الذين‭ ‬يسعون‭ ‬جاهدين‭ ‬بأي‭ ‬ثمن‭ ‬لعرقلة‭ ‬التقارب‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬والجنوب‭ ‬العالمي‭ ‬والشرق‭.‬

لكن‭ ‬هزيمة‭ ‬المنتقدين‭ ‬محددة‭ ‬سلفا‭ ‬بالفعل،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬إنها‭ ‬حتمية‭. ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬دفنت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬أسطورة‭ ‬عزلة‭ ‬موسكو،‭ ‬قام‭ ‬الرئيس‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬وفريق‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬الروس‭ ‬بتحويل‭ ‬قازان‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬العالم‭ ‬لعدة‭ ‬أيام،‭ ‬حيث‭ ‬تخطو‭ ‬القوى‭ ‬الرائدة‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الجديد‭ ‬خطواتها‭ ‬الأولى‭ ‬نحو‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬كاملة‭ ‬لنموذج‭ ‬التنمية‭ ‬الدولية‭ ‬بأكمله‭.‬

إن‭ ‬الأوقات‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬فيها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وشركاؤها‭ ‬الحروب‭ ‬وفقاً‭ ‬لتقديرها‭ ‬الخاص،‭ ‬ونظمت‭ ‬الثورات‭ ‬وهددت‭ ‬كل‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬اختلفوا‭ ‬مع‭ ‬خطها‭ ‬بسيل‭ ‬من‭ ‬العقوبات،‭ ‬أصبحت‭ ‬شيئاً‭ ‬من‭ ‬الماضي‭. ‬الآن‭ ‬يتم‭ ‬تحديد‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬قاومت‭ ‬الاستعمار‭ ‬الغربي‭ ‬المنافق‭ ‬والجشع‭ ‬لعدة‭ ‬قرون،‭ ‬والتي‭ ‬اكتسبت‭ ‬الآن‭ ‬سمة‭ ‬‮«‬الجديدة‮»‬‭.‬

سوف‭ ‬تعمل‭ ‬روسيا‭ ‬وبقية‭ ‬الدول‭ ‬الصديقة‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬مناطق‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬السبل‭ ‬الفعّالة‭ ‬لحل‭ ‬الصراعات‭ ‬الجارية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الصراع‭ ‬الأوكراني،‭ ‬وتطوير‭ ‬خيارات‭ ‬للتغلب‭ ‬على‭ ‬الاعتماد‭ ‬المالي‭ ‬على‭ ‬الغرب‭.‬

سنواجه‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التحديات،‭ ‬لكننا‭ ‬سنتغلب‭ ‬بنجاح‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المشاكل‭ ‬ونكتب‭ ‬الفصول‭ ‬التالية‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الحضارة‭ ‬الجديد‭ ‬‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬القطب‭ ‬الواحد‭ ‬‭ ‬الذي‭ ‬يُعطى‭ ‬الدور‭ ‬الرئيسي‭ ‬فيه‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭ ‬للقوى‭ ‬العظمى‭ ‬الشرقية‭ ‬والجنوبية،‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬برؤية‭ ‬فريدة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭. ‬لمستقبل‭ ‬العمليات‭ ‬السياسية‭ ‬العالمية‭ ‬المشبعة‭ ‬بحكمة‭ ‬القرون‭.‬

{ نائب‭ ‬رئيس‭ ‬الأكاديمية‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الروسية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا