العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مستقبل النفط وتحولات الطاقة في النظام العالمي

مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية

الجمعة ٠١ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

يظل‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬النفط‭ ‬وتحولات‭ ‬الطاقة‭ ‬موضوعًا‭ ‬متجددًا‭. ‬ففي‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬يُنظر‭ ‬إليه‭ ‬كمورد‭ ‬طبيعي‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬النفاد،‭ ‬ما‭ ‬يستدعي‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬بدائل‭ ‬توفر‭ ‬احتياجات‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬الطاقة،‭ ‬فيما‭ ‬يرتبط‭ ‬أيضا‭ ‬بالعوامل‭ ‬الجيوسياسية،‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬في‭ ‬إمداداته‭ ‬واستدامة‭ ‬تدفقها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬التداعيات‭ ‬السلبية‭ ‬لاستهلاكه،‭ ‬مثل‭ ‬تزايد‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية‭ ‬والغازات‭ ‬الدفيئة؛‭ ‬تُعزز‭ ‬من‭ ‬دعوات‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مصادر‭ ‬طاقة‭ ‬نظيفة‭ ‬وموثوقة‭.‬

وفي‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الوضع،‭ ‬تزايدت‭ ‬جهود‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مصادر‭ ‬طاقة‭ ‬نظيفة‭ ‬وموثوقة،‭ ‬حيث‭ ‬تسارعت‭ ‬خطوات‭ ‬الدول‭ ‬نحو‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الطاقة‭ ‬الشمسية،‭ ‬وطاقة‭ ‬الرياح‭ ‬والطاقة‭ ‬الكهرومائية،‭ ‬مع‭ ‬تخصيص‭ ‬ميزانيات‭ ‬ضخمة‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬النفط‭ ‬يحتفظ‭ ‬بمكانته‭ ‬كأهم‭ ‬مصدر‭ ‬للطاقة‭ ‬عالميًّا،‭ ‬بينما‭ ‬تبقى‭ ‬المصادر‭ ‬المتجددة،‭ ‬محدودة‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القريب‭.‬

وفي‭ ‬خمسينيات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬طرح‭ ‬عالم‭ ‬الجيولوجيا‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬ماريون‭ ‬هوبرت‮»‬،‭ ‬نظرية‭ ‬‮«‬قمة‭ ‬الإنتاج‭ ‬النفطي‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬بلوغ‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬العالمي‭ ‬أعلى‭ ‬مستوياته‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬تدريجيًا‭ ‬في‭ ‬الانخفاض‭ ‬حتى‭ ‬نفاد‭ ‬الحقول‭. ‬وطُبقت‭ ‬نظريته‭ ‬على‭ ‬حقل‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭ ‬وفقًا‭ ‬لدورة‭ ‬تبدأ‭ ‬بالارتفاع،‭ ‬تليها‭ ‬مرحلة‭ ‬القمة،‭ ‬ثم‭ ‬التراجع‭ ‬نحو‭ ‬النضوب‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1956،‭ ‬توقع‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬‮«‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬ذروة‭ ‬إنتاجها‭ ‬النفطي‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬1965،‭ ‬ثم‭ ‬يبدأ‭ ‬في‭ ‬التراجع‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬1970،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تحقق‭ ‬بالفعل؛‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬اكتشاف‭ ‬النفط‭ ‬الصخري‭ ‬وتطور‭ ‬تقنيات‭ ‬استخراجه‭ ‬وانخفاض‭ ‬تكاليفها،‭ ‬قد‭ ‬غيّر‭ ‬المعادلة‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2009،‭ ‬مع‭ ‬بلوغ‭ ‬إنتاجها‭ ‬نحو‭ ‬5‭ ‬ملايين‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا؛‭ ‬قفز‭ ‬إنتاجها‭ ‬بفضل‭ ‬النفط‭ ‬الصخري‭ ‬إلى‭ ‬12‭.‬23‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا،‭ ‬محققة‭ ‬زيادة‭ ‬بنسبة‭ ‬144‭.‬6%‭ ‬خلال‭ ‬عقد،‭ ‬لتصبح‭ ‬بذلك‭ ‬أكبر‭ ‬منتج‭ ‬للنفط‭ ‬عالميًا،‭ ‬ما‭ ‬شكّل‭ ‬تناقضًا‭ ‬واضحًا‭ ‬مع‭ ‬توقعات‭ ‬‮«‬هوبرت‮»‬‭.‬

‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬واصلت‭ ‬شركات‭ ‬النفط‭ ‬عمليات‭ ‬التنقيب‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬وبرزت‭ ‬دول‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط،‭ ‬وانضمت‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬قائمة‭ ‬المنتجين‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى؛‭ ‬مما‭ ‬زاد‭ ‬من‭ ‬تنوع‭ ‬خريطة‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬تم‭ ‬اكتشاف‭ ‬حقل‭ ‬نفطي‭ ‬عملاق‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬العميقة‭ ‬قبالة‭ ‬سواحل‭ ‬‮«‬ناميبيا‮»‬‭ -‬وهو‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬نوعه‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭- ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬منظمة‭ ‬‮«‬أوبك‮»‬،‭ ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬ضمها،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬رابع‭ ‬أكبر‭ ‬منتج‭ ‬للنفط‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭. ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬التطور،‭ ‬ارتفع‭ ‬إنتاج‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬النفطية‭ ‬إلى‭ ‬6‭.‬77‭ ‬ملايين‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا،‭ ‬حيث‭ ‬شكلت‭ ‬نحو‭ ‬8%‭ ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬العالمي‭ ‬واحتياطياته‭. ‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬أصبحت‭ ‬مياه‭ ‬غرب‭ ‬إفريقيا‭ ‬بؤرة‭ ‬اهتمام‭ ‬لشركات‭ ‬الحفر،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬اكتشافات‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬كوت‭ ‬ديفوار،‭ ‬بينما‭ ‬تعد‭ ‬الاكتشافات‭ ‬أمام‭ ‬سواحل‭ ‬‮«‬أرض‭ ‬الصومال‮»‬،‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬التنافس‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬تضم‭ ‬القارة‭ ‬الإفريقية‭ ‬10‭ ‬دول‭ ‬منتجة‭ ‬للنفط،‭ ‬وقد‭ ‬ساهمت‭ ‬هذه‭ ‬الاكتشافات‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬الظروف‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬لهذه‭ ‬البلدان‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭.‬

وفي‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬برزت‭ ‬‮«‬غيانا‮»‬‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬كأحد‭ ‬أكبر‭ ‬المنتجين‭ ‬الجدد‭ ‬للنفط،‭ ‬محققةً‭ ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬فقيرة‭ ‬إلى‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أغنى‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬حيث‭ ‬يقدر‭ ‬إنتاجها‭ ‬المستقبلي‭ ‬بنحو‭ ‬1‭.‬8‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬800‭ ‬ألف‭ ‬نسمة‭. ‬ويعود‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬توتر‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬‮«‬الولايات‭ ‬المتحدة‮»‬،‭ ‬و«فنزويلا‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬النزاع‭ ‬على‭ ‬منطقة‭ ‬غنية‭ ‬بالنفط‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬‮«‬فنزويلا‮»‬،‭ ‬و‮«‬غيانا‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬تدعم‭ ‬واشنطن‮»‬،‭ ‬غيانا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الخلاف‭. ‬

وتشير‭ ‬تقديرات‭ ‬الخبراء‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬‮«‬سورينام‮»‬،‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬غيانا،‭ ‬تملك‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬فرصًا‭ ‬واعدة‭ ‬لاكتشافات‭ ‬نفطية‭ ‬مماثلة،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬مكانة‭ ‬منطقة‭ ‬البحر‭ ‬الكاريبي‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬كمنطقة‭ ‬ذات‭ ‬أغلبية‭ ‬في‭ ‬الاكتشافات‭ ‬النفطية‭ ‬الجديدة‭. ‬ووفقًا‭ ‬لبيانات‭ ‬‮«‬وحدة‭ ‬أبحاث‭ ‬الطاقة‮»‬،‭ ‬ارتفعت‭ ‬كميات‭ ‬الغاز‭ ‬والسوائل‭ ‬النفطية‭ ‬المكتشفة‭ ‬عالميًا‭ ‬بنسبة‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬130%‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬شهري،‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬310‭ ‬ملايين‭ ‬برميل‭ ‬نفط‭ ‬مكافئ‭ ‬في‭ ‬فبراير،‭ ‬مقارنةً‭ ‬بـ134‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬في‭ ‬يناير‭. ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬الرقم،‭ ‬تشكل‭ ‬السوائل‭ ‬النفطية‭ ‬نحو‭ ‬97%،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬استمرارية‭ ‬هيمنة‭ ‬النفط‭ ‬على‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة،‭ ‬ويؤكد‭ ‬أن‭ ‬الموارد‭ ‬النفطية‭ ‬لم‭ ‬تُستنفد‭ ‬بعد‭ ‬كما‭ ‬توقعت‭ ‬نظرية‭ ‬‮«‬هوبرت‮»‬‭.‬

نتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬قلصت‭ ‬كبرى‭ ‬شركات‭ ‬النفط‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬التزاماتها‭ ‬بخفض‭ ‬إنتاج‭ ‬النفط‭ ‬والغاز،‭ ‬مؤكدةً‭ ‬استعدادها‭ ‬لمواصلة‭ ‬إمداد‭ ‬العالم‭ ‬بهذين‭ ‬الموردين‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬الحاجة‭ ‬إليهما‭ ‬قائمة‭. ‬وبينما‭ ‬تزيد‭ ‬هذه‭ ‬الشركات‭ ‬استثماراتها‭ ‬في‭ ‬استخراج‭ ‬كميات‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬النفط،‭ ‬يبقى‭ ‬الوقود‭ ‬التقليدي‭ ‬مسيطرًا‭ ‬على‭ ‬نسبة‭ ‬82%‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬الأولية‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬وصول‭ ‬حجم‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬قطاع‭ ‬الطاقة‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬34‭ ‬مليار‭ ‬طن‭ ‬سنويًا؛‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬واقع‭ ‬أمن‭ ‬الطاقة‭ ‬العالمي‭ ‬يستدعي‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬إمدادات‭ ‬النفط‭ ‬والغاز،‭ ‬باعتبارهما‭ ‬عنصرين‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنهما‭ ‬لضمان‭ ‬استقرار‭ ‬أسواق‭ ‬الطاقة‭ ‬الحالية‭.‬

ويظل‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬تأمين‭ ‬إمدادات‭ ‬الطاقة،‭ ‬خاصة‭ ‬النفط،‭ ‬وبين‭ ‬تحمل‭ ‬تكاليف‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬مصادر‭ ‬بديلة،‭ ‬‮«‬ضرورة‭ ‬حيوية‮»‬،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تتزايد‭ ‬فيه‭ ‬التحديات‭ ‬البيئية،‭ ‬والحاجة‭ ‬إلى‭ ‬كفاءة‭ ‬استهلاك‭ ‬الطاقة‭. ‬ورغم‭ ‬الجهود‭ ‬المبذولة‭ ‬للتحول‭ ‬إلى‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬أولوية‭ ‬قصوى‭ ‬بعد،‭ ‬مع‭ ‬بقاء‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬الصدارة‭ ‬كوقود‭ ‬رئيسي،‭ ‬إذ‭ ‬يُتوقع‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬الطلب‭ ‬العالمي‭ ‬عليه‭ ‬إلى‭ ‬103‭.‬5‭ ‬ملايين‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا‭ ‬خلال‭ ‬العام‭ ‬الحالي،‭ ‬ما‭ ‬يرسخ‭ ‬مكانته‭ ‬كمصدر‭ ‬أساسي‭ ‬لتلبية‭ ‬احتياجات‭ ‬النقل‭ ‬والصناعة‭ ‬لعقود‭ ‬قادمة‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬تُظهر‭ ‬الاستثمارات‭ ‬المتواضعة‭ ‬لشركات‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬في‭ ‬الطاقة‭ ‬المتجددة‭ (‬أقل‭ ‬من‭ ‬1%‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الإنفاق‭ ‬العالمي‭)‬،‭ ‬قصورًا‭ ‬عن‭ ‬التوقعات‭. ‬وبينما‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يرتفع‭ ‬إنفاقها‭ ‬من‭ ‬2‭.‬5%‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬إلى‭ ‬50%‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2030،‭ ‬وفقًا‭ ‬لـ«وكالة‭ ‬الطاقة‭ ‬الدولية؛‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬الحالي،‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬هيمنة‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬على‭ ‬مشهد‭ ‬الطاقة‭ ‬العالمي‭. ‬وفيما‭ ‬تتوقع‭ ‬منظمة‭ ‬‮«‬أوبك‮»‬،‭ ‬زيادة‭ ‬الطلب‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬الطاقة‭ ‬بنسبة‭ ‬24%‭ ‬بحلول‭ ‬عام‭ ‬2050؛‭ ‬سيظل‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬يلعبان‭ ‬دورًا‭ ‬محوريًا‭ ‬في‭ ‬تلبية‭ ‬هذا‭ ‬الطلب‭.‬

وتُعد‭ ‬التكلفة‭ ‬المرتفعة‭ ‬لتحول‭ ‬الطاقة‭ ‬من‭ ‬أبرز‭ ‬العقبات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬الحكومات‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬التقديرات‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التحول‭ ‬للطاقة‭ ‬النظيفة‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2021‭ ‬و2050،‭ ‬سيحتاج‭ ‬إلى‭ ‬استثمارات‭ ‬هائلة‭ ‬تقدر‭ ‬بحوالي‭ ‬275‭ ‬تريليون‭ ‬دولار،‭ ‬وفقًا‭ ‬لمعهد‭ ‬‮«‬ماكنزي‮»‬‭ ‬العالمي‭. ‬ويعادل‭ ‬هذا‭ ‬المبلغ‭ ‬نحو‭ ‬10%‭ ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬العالمي‭ ‬مدة‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود،‭ ‬ويعكس‭ ‬صعوبة‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عدم‭ ‬استعداد‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬الدخل‭ ‬المنخفض‭ ‬لتحمل‭ ‬هذه‭ ‬التكاليف؛‭ ‬بسبب‭ ‬محدودية‭ ‬مواردها،‭ ‬مما‭ ‬يحمّل‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬الدخل‭ ‬المرتفع‭ ‬عبئًا‭ ‬أكبر،‭ ‬حيث‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تخصص‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬15%‭ ‬و20%‭ ‬من‭ ‬ناتجها‭ ‬المحلي‭ ‬الإجمالي‭ ‬لتمويل‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭.‬

وخلال‭ ‬‮«‬أسبوع‭ ‬الطاقة‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬نظمته‭ ‬‮«‬سنغافورة‮»‬‭ ‬مؤخرًا،‭ ‬أوضح‭ ‬رئيس‭ ‬‮«‬أرامكو‮»‬‭ ‬السعودية،‭ ‬‮«‬أمين‭ ‬بن‭ ‬حسين‭ ‬الناصر‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬تكلفة‭ ‬تحول‭ ‬الطاقة‭ ‬عالميًا‭ ‬ستتراوح‭ ‬بين‭ ‬100‭ ‬و200‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2050،‭ ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬سيضع‭ ‬عبئًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬النامية،‭ ‬التي‭ ‬ستحتاج‭ ‬إلى‭ ‬استثمارات‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬6‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار‭ ‬سنويًا،‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭. ‬ويعكس‭ ‬هذا‭ ‬التحدي‭ ‬الصعوبة‭ ‬العملية‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭.‬

وأمام‭ ‬هذا‭ ‬الواقع،‭ ‬يُعتبر‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬تقنيات‭ ‬تقليل‭ ‬انبعاثات‭ ‬الكربون‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬إنتاج‭ ‬واستهلاك‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري،‭ ‬‮«‬خيارًا‭ ‬عمليًا‮»‬،‭ ‬وأكثر‭ ‬تحقيقًا‭ ‬للبيئة‭ ‬المستدامة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تعزيز‭ ‬كفاءة‭ ‬الاستهلاك‭ ‬وترشيده‭. ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬بلغ‭ ‬إجمالي‭ ‬الإنفاق‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬تحول‭ ‬الطاقة‭ ‬منذ‭ ‬2013‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬حوالي‭ ‬9‭.‬5‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار‭ ‬فقط‭. ‬وفي‭ ‬مقابل‭ ‬التكلفة‭ ‬الكبيرة‭ ‬لتحول‭ ‬الطاقة‭ ‬حتى‭ ‬2050،‭ ‬فإن‭ ‬قطاع‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬يحتاج‭ ‬فقط‭ ‬استثمارات‭ ‬بقيمة‭ ‬نحو‭ ‬14‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬بحلول‭ ‬2045‭. ‬ويظل‭ ‬تحول‭ ‬الطاقة‭ ‬بهذه‭ ‬التكلفة‭ ‬العالية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تأثيره‭ ‬السلبي‭ ‬في‭ ‬اقتصادات‭ ‬ورفاهية‭ ‬الدول‭ ‬المنتجة‭ ‬للنفط‭ ‬والغاز،‭ ‬تحديًا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬الخطط‭ ‬الحالية،‭ ‬واستبدالها‭ ‬بخطة‭ ‬جديدة‭ ‬أكثر‭ ‬واقعية‭ ‬وتلائم‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬خاصة‭. ‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬يظل‭ ‬النفط‭ ‬حجر‭ ‬الزاوية‭ ‬في‭ ‬أمن‭ ‬الطاقة‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬المدى‭ ‬القريب،‭ ‬وتظل‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬هي‭ ‬مفتاح‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الأمن،‭ ‬باعتبارها‭ ‬كمجموعة‭ ‬أكبر‭ ‬مورد‭ ‬للنفط‭ ‬عالميًا،‭ ‬وتستأثر‭ ‬‮«‬السعودية‮»‬،‭ ‬وحدها‭ ‬بنحو‭ ‬16‭.‬2%‭ ‬من‭ ‬صادراته‭ ‬عالميا،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬امتلاكها‭ ‬لما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬13%‭ ‬من‭ ‬احتياطياته‭. ‬وبينما‭ ‬تواصل‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬تقنيات‭ ‬خفض‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية‭ ‬والطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬وتلتزم‭ ‬بأهداف‭ ‬الحياد‭ ‬الكربوني‭ ‬ومداها‭ ‬الزمني؛‭ ‬فإنها‭ ‬تدرك‭ ‬أيضًا‭ ‬أهمية‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬في‭ ‬اقتصادها‭ ‬وفي‭ ‬أمن‭ ‬الطاقة‭ ‬العالمي‭. ‬

وعليه،‭ ‬تدفع‭ ‬الأرباح‭ ‬المستقرة‭ ‬والنمو‭ ‬المستمر‭ ‬في‭ ‬الطلب‭ ‬العالمي،‭ ‬‮«‬السعودية‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬طاقتها‭ ‬الإنتاجية‭ ‬إلى‭ ‬13‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬يوميًا‭ ‬بحلول‭ ‬2027،‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬توجهًا‭ ‬عالميًا‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬استثمارات‭ ‬النفط‭ ‬والغاز،‭ ‬كخيار‭ ‬أكثر‭ ‬واقعية‭ ‬واستدامة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التكاليف‭ ‬المرتفعة‭ ‬لتحولات‭ ‬الطاقة‭. ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬تتخلى‭ ‬فيه‭ ‬بعض‭ ‬الجهات‭ ‬عن‭ ‬استثمارات‭ ‬الطاقة‭ ‬البديلة،‭ ‬يظل‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬خيارًا‭ ‬حيويًا‭ ‬لأمن‭ ‬الطاقة‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬حتى‭ ‬منتصف‭ ‬القرن‭ ‬الحالي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا