العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

نحو استعادة الدور الثقافي العراقي في الساحة الثقافية العربية

بقلم: د. فاضل البدراني {

الأربعاء ١٦ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

بعيدا‭ ‬عن‭ ‬متاهات‭ ‬السياسة‭ ‬ودهاليزها،‭ ‬ومنغصات‭ ‬الاقتصاد‭ ‬ومضارباته‭ ‬المالية،‭ ‬ومعاركه‭ ‬السياسية‭ ‬الناعمة‭ ‬أو‭ ‬الخطيرة‭ ‬على‭ ‬حالة‭ ‬الاستقرار‭ ‬والسلام،‭ ‬فإن‭ ‬للثقافة‭ ‬وجها‭ ‬حضاريا‭ ‬واضح‭ ‬المعالم‭ ‬جميل‭ ‬الأداء‭ ‬متنوعا‭ ‬بأشكاله‭ ‬الفنية‭ ‬والأدبية‭ ‬والثقافية‭ ‬والسياحية‭ ‬الإبداعية‭ ‬التي‭ ‬تتشكل‭ ‬منها،‭ ‬لا‭ ‬تتخفى‭ ‬وراء‭ ‬ستاره‭ ‬متناقضات‭ ‬مغايرة‭ ‬للواقع،‭ ‬بل‭ ‬وراء‭ ‬ستاره‭ ‬الجميل‭ ‬صور‭ ‬ولوحات‭ ‬واستعراضات‭ ‬جميلة‭ ‬لفنانين‭ ‬وعارضات‭ ‬وعارضين‭ ‬عندهم‭ ‬قصة‭ ‬ثقافة‭ ‬وطن‭.‬

ذلك‭ ‬أن‭ ‬مفهوم‭ ‬الثقافة‭ ‬يعني‭ ‬نظافة‭ ‬العقول‭ ‬والبيئة،‭ ‬وعمق‭ ‬الحضارة‭ ‬والتاريخ‭ ‬في‭ ‬القدم،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬رسالة‭ ‬السلام‭ ‬التي‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬تعصف‭ ‬بها‭ ‬رياح‭ ‬السياسة‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬وتبدد‭ ‬جمالها‭ ‬وتلوث‭ ‬نقاوة‭ ‬النفوس‭.‬

في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الثقافي‭ ‬العراقي‭ ‬الذي‭ ‬احتضنته‭ ‬قاعة‭ ‬المنظمة‭ ‬العربية‭ ‬للتربية‭ ‬والثقافة‭ ‬والعلوم‭ ‬‮«‬الألكسو‮»‬‭ ‬بتونس‭ ‬مؤخرا،‭ ‬تنوعت‭ ‬فقراته‭ ‬بين‭ ‬اللقاءات‭ ‬الرسمية‭ ‬وتوقيع‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الثقافية‭ ‬والسياحية‭ ‬واللقاءات‭ ‬بمختلف‭ ‬القطاعات‭ ‬التي‭ ‬تتشكل‭ ‬منها‭ ‬المنظمة‭ ‬العربية‭ ‬المذكورة،‭ ‬وهي‭ ‬بمثابة‭ ‬اليونسكو‭ ‬العربية،‭ ‬وكانت‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬والسياحة‭ ‬والآثار‭ ‬العراقية‭ ‬حاضرة‭ ‬بوزيرها‭ ‬الأستاذ‭ ‬الدكتور‭ ‬احمد‭ ‬فكاك‭ ‬البدراني،‭ ‬والوكيل‭ ‬الثقافي‭ ‬للوزارة‭ ‬ومدير‭ ‬عام‭ ‬العلاقات‭ ‬الثقافية‭ ‬ورئيس‭ ‬هيئة‭ ‬الآثار‭ ‬والتراث،‭ ‬ومدير‭ ‬عام‭ ‬الفنون‭ ‬العامة،‭ ‬ووفد‭ ‬يتجاوز‭ ‬80‭ ‬شخصا،‭ ‬وفرق‭ ‬فنية‭ ‬تنتمي‭ ‬الى‭ ‬الدار‭ ‬العراقية‭ ‬للأزياء،‭ ‬والفنون‭ ‬العامة،‭ ‬وفرق‭ ‬تراثية‭ ‬ضمن‭ ‬وعاء‭ ‬دائرة‭ ‬الفنون‭ ‬الموسيقية‭.‬

وبالمقابل،‭ ‬فإن‭ ‬المدير‭ ‬العام‭ ‬لمنظمة‭ ‬الألكسو‭ ‬د‭. ‬محمد‭ ‬ولد‭ ‬أعمر‭ ‬ومسؤولي‭ ‬القطاعات‭ ‬التابعة‭ ‬لها‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬تواصل‭ ‬تام،‭ ‬ومواكبة‭ ‬لكل‭ ‬الفعاليات‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬الفرق‭ ‬الفنية‭ ‬والثقافية‭ ‬العراقية،‭ ‬ويقينا‭ ‬كانت‭ ‬إدارة‭ ‬الدكتور‭ ‬ولد‭ ‬أعمر‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬النجاح‭ ‬والشعور‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬للمنظمة‭ ‬العربية‭ ‬‮«‬ألكسو‮»‬‭ ‬التي‭ ‬جعلتها‭ ‬تستحق‭ ‬وصف‭ ‬‮«‬بيت‭ ‬العرب،‭ ‬تربويا،‭ ‬ثقافيا،‭ ‬وعلميا‮»‬‭.‬

العراق‭ ‬أثبت‭ ‬عبر‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬والسياحة‭ ‬والآثار‭ ‬أنه‭ ‬القادم‭ ‬بقوة‭ ‬لممارسة‭ ‬دوره‭ ‬الثقافي‭ ‬والسياحي‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية،‭ ‬وجسد‭ ‬بالملموس‭ ‬أن‭ ‬ثقافته‭ ‬جسر‭ ‬إنساني‭ ‬بركائز‭ ‬متينة‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬غيرها،‭ ‬كونها‭ ‬ثقافة‭ ‬موغلة‭ ‬بالقدم،‭ ‬تتقاسم‭ ‬فيه‭ ‬أشكال‭ ‬التنوع‭ ‬الثقافي‭ ‬مساحات‭ ‬من‭ ‬الإبداع‭ ‬والانجاز‭ ‬الحضاري‭ ‬وعلى‭ ‬امتداد‭ ‬جغرافيته،‭ ‬ثقافة‭ ‬تنتمي‭ ‬الى‭ ‬حضارات‭ ‬منحت‭ ‬البشرية‭ ‬أصول‭ ‬النظام‭ ‬والعمل‭ ‬بالقانون،‭ ‬واستخدام‭ ‬العجلة،‭ ‬والتعامل‭ ‬الفكري‭ ‬عبر‭ ‬الحرف‭.‬

هذه‭ ‬الثقافة‭ ‬العريقة‭ ‬احتضنتها‭ ‬قاعات‭ ‬وجنبات‭ ‬بناية‭ ‬منظمة‭ ‬الألكسو‭ ‬بتونس‭ ‬وأظهرتها‭ ‬لوحات‭ ‬الدار‭ ‬العراقية‭ ‬للأزياء‭ ‬في‭ ‬عروض‭ ‬سومرية،‭ ‬وأكدية‭ ‬وبابلية‭ ‬وآشورية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬حضارة‭ ‬الحضر‭ ‬بنينوى،‭ ‬بعروض‭ ‬مبهرة‭ ‬بجمالها‭ ‬وذوقها‭ ‬عن‭ ‬التراث‭ ‬غير‭ ‬المادي‭ ‬لبلاد‭ ‬وادي‭ ‬الرافدين‭ ‬ولحقب‭ ‬زمنية‭ ‬لاحقة‭ ‬منها‭ ‬القباب‭ ‬البغدادية‭ ‬والمآذن‭ ‬والطقوس‭ ‬وعصور‭ ‬بغداد‭ ‬الثقافية‭ ‬المختلفة‭. ‬

وليس‭ ‬ببعيد‭ ‬عن‭ ‬الأزياء‭ ‬التي‭ ‬أنعشت‭ ‬أذواق‭ ‬الجمهور‭ ‬التونسي‭ ‬والعربي‭ ‬المتنوع‭ ‬والمثقف‭ ‬الذي‭ ‬غصت‭ ‬به‭ ‬قاعة‭ ‬‮«‬الالكسو‮»‬‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬فقرة‭ ‬الفنان‭ ‬الكبير‭ ‬لطفي‭ ‬بوشناق‭ ‬الذي‭ ‬ألقى‭ ‬قصائد‭ ‬استحضرت‭ ‬هيبة‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬تاريخه‭ ‬وحاضره،‭ ‬وعظمة‭ ‬فلسطين‭ ‬ونبذ‭ ‬مجازر‭ ‬الصهاينة‭ ‬تجاه‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الأصيل‭.‬

كلامٌ‭ ‬سمعناه‭ ‬كثيرا‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬العراق‭ ‬أن‭ ‬ينهض‭ ‬ثقافيا‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬بعظمته‭ ‬وفنه‭ ‬وثقافته‭ ‬وقيمته‭ ‬المعروف‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬إرثه‭ ‬الحضاري‭ ‬العميق‭ ‬بإنسانيته،‭ ‬ولكن‭ ‬قبل‭ ‬رغبة‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬من‭ ‬عشاق‭ ‬الثقافة،‭ ‬فإن‭ ‬البشرية‭ ‬عامة‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬العراق‭ ‬كونه‭ ‬بلد‭ ‬العجائب‭ ‬والغرائب،‭ ‬بلد‭ ‬ألف‭ ‬ليلة‭ ‬وليلة،‭ ‬مهد‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الديانات‭ ‬والرسالات‭ ‬السماوية،‭ ‬بلد‭ ‬فيه‭ ‬بغداد‭ ‬كانت‭ ‬حاضرة‭ ‬الدولة‭ ‬العباسية،‭ ‬قصدها‭ ‬طلاب‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬لطلب‭ ‬العلم‭ ‬والثقافة،‭ ‬ونيل‭ ‬الوعي‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬يتم‭ ‬بناء‭ ‬الانسان‭ ‬والمجتمع،‭ ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬نيلسون‭ ‬مانديلا‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬بلد‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتطور‭ ‬حقا،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تثقيف‭ ‬مواطنيه‮»‬‭.‬

في‭ ‬حفل‭ ‬ختام‭ ‬الأسبوع‭ ‬الثقافي‭ ‬العراقي‭ ‬كان‭ ‬الحضور‭ ‬مميزا‭ ‬بأنه‭ ‬عربي‭ ‬دولي‭ ‬بامتياز،‭ ‬فالسلك‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬غالبيه‭ ‬كان‭ ‬حاضرا،‭ ‬وأيضا‭ ‬سفراء‭ ‬أجانب‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬يجلس‭ ‬بجانبي‭ ‬وهو‭ ‬السفير‭ ‬التركي‭ ‬بتونس،‭ ‬كبار‭ ‬المثقفين‭ ‬والأدباء‭ ‬والشعراء‭ ‬والفنانين‭ ‬العرب‭ ‬كانوا‭ ‬ضمن‭ ‬متذوقي‭ ‬الثقافة‭ ‬بنكهتها‭ ‬العراقية‭.‬

لقد‭ ‬صفق‭ ‬الجميع‭ ‬مرارا‭ ‬بحرارة‭ ‬للعراق‭ ‬وبغداد،‭ ‬وبعضهم‭ ‬عندما‭ ‬حضر‭ ‬ملوك‭ ‬السومريين‭ ‬والبابليين‭ ‬والآشوريين‭ ‬والحضر‭ ‬بهيبة‭ ‬شخصياتهم‭ ‬وبأزيائهم‭ ‬الجميلة‭ ‬وأصواتهم‭ ‬المضخمة،‭ ‬ذرفت‭ ‬دموعه‭ ‬متذوقا‭ ‬معنى‭ ‬الحضارة‭ ‬والتاريخ،‭ ‬وبعض‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬صاح‭ (‬هذا‭ ‬العراق،‭ ‬هذا‭ ‬العراق‭ ‬العظيم‭).‬

 

{ أكاديمي‭ ‬إعلامي‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا