العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

نحو ثورة لتغيير خريطة هيئة الأمم

بقلم: عمر حلمي

الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

هيئة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬تأسست‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬1945‭ ‬مع‭ ‬انقشاع‭ ‬غبار‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬1939‭ / ‬1945،‭ ‬وكوريثة‭ ‬لعصبة‭ ‬الأمم‭ ‬التي‭ ‬انفرط‭ ‬عقدها‭ ‬عام‭ ‬1938،‭ ‬وكانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬صاحبة‭ ‬المبادرة‭ ‬في‭ ‬تأسيسها،‭ ‬باعتبارها‭ ‬إحدى‭ ‬ركائز‭ ‬سياساتها‭ ‬للهيمنة‭ ‬على‭ ‬العالم،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تأسيسها‭ ‬البنك‭ ‬وصندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدوليين‭ ‬مع‭ ‬اتفاقية‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة،‭ ‬بعد‭ ‬توليها‭ ‬زعامة‭ ‬المعسكر‭ ‬الإمبريالي‭.‬

ولكن‭ ‬سيرورة‭ ‬تطور‭ ‬الهيئة‭ ‬الدولية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لم‭ ‬تسر‭ ‬وفق‭ ‬أهداف‭ ‬واشنطن،‭ ‬بعد‭ ‬انضمام‭ ‬عشرات‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬القارات‭ ‬المختلفة‭ ‬إلى‭ ‬عضوية‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬حتى‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬الدول‭ ‬المنضوية‭ ‬تحت‭ ‬لوائها‭ ‬193‭ ‬دولة‭ ‬عاملة‭ ‬وعددا‭ ‬محدودا‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المراقبة،‭ ‬منها‭ ‬دولة‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة‭ ‬ودولة‭ ‬الفاتيكان‭. ‬لأن‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬توزعت‭ ‬بين‭ ‬القطبين‭ ‬الدوليين،‭ ‬منظومة‭ ‬الدول‭ ‬الرأسمالية‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ومنظومة‭ ‬الدول‭ ‬الاشتراكية‭ ‬بقيادة‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي،‭ ‬اللذين‭ ‬تبلورا‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬ومع‭ ‬مطلع‭ ‬تسعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬انهارت‭ ‬المنظومة‭ ‬الاشتراكية،‭ ‬وبات‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬وحيد‭ ‬القرن‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭. ‬ما‭ ‬أخل‭ ‬بمعايير‭ ‬المنظومة‭ ‬الأممية،‭ ‬نتاج‭ ‬استباحة‭ ‬واشنطن‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والقوانين‭ ‬الدولية‭ ‬والإنسانية‭ ‬الدولية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬عموما‭.‬

وكان‭ ‬من‭ ‬النتائج‭ ‬المعيبة‭ ‬والمخيبة‭ ‬للآمال‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬هيئة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬اللقيطة‭ ‬وفقا‭ ‬لقرار‭ ‬التقسيم‭ ‬الدولي‭ ‬181‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬29‭ ‬نوفمبر‭ ‬1947،‭ ‬الذي‭ ‬أقر‭ ‬بإقامة‭ ‬دولتين‭ ‬فلسطينية‭ ‬عربية‭ ‬والدولة‭ ‬العبرية،‭ ‬وأهملت‭ ‬الاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين‭ ‬العربية‭ ‬الأصلية‭ ‬بسبب‭ ‬تجاهل‭ ‬القطبين‭ ‬الدوليين‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬سواء‭ ‬لمصالح‭ ‬وحقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬حيث‭ ‬سعت‭ ‬الدوائر‭ ‬الإمبريالية‭ ‬لطمس‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق‭ ‬كليا،‭ ‬وتحويل‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬إنسانية‭ ‬تتعلق‭ ‬بتقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬كمرحلة‭ ‬انتقالية‭ ‬حتى‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬مؤامرة‭ ‬التوطين‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬المحيطة‭ ‬بفلسطين،‭ ‬أو‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭.‬

ونجم‭ ‬عن‭ ‬التحولات‭ ‬العديدة‭ ‬في‭ ‬صيرورة‭ ‬الهيئة‭ ‬الدولية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬إرهاصات‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬بنيتها،‭ ‬وتغيرت‭ ‬ملامحها‭ ‬مع‭ ‬صعود‭ ‬أقطاب‭ ‬دولية‭ ‬جديدة،‭ ‬وتنامي‭ ‬مكانتها‭ ‬الدولية،‭ ‬وأيضا‭ ‬مع‭ ‬توسع‭ ‬قاعدتها‭ ‬بانخراط‭ ‬دول‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬الثالث،‭ ‬وعلى‭ ‬مدار‭ ‬العقود‭ ‬الثمانية‭ ‬الماضية‭ ‬تصاعدت‭ ‬المطالبات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬بضرورة‭ ‬تغيير‭ ‬مركبات‭ ‬هيئاتها‭ ‬الدولية،‭ ‬وعدم‭ ‬القبول‭ ‬بحصر‭ ‬حق‭ ‬النقض‭/ ‬الفيتو‭ ‬بالدول‭ ‬الخمس‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬النواقص‭ ‬والمثالب،‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬الميثاق‭ ‬والنظم‭ ‬واللوائح‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬على‭ ‬أساسها‭ ‬المنظمة‭ ‬الأممية‭.‬

ويوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬24‭ ‬سبتمبر‭ ‬الحالي‭ ‬افتتحت‭ ‬أعمال‭ ‬الدورة‭ ‬الـ79‭ ‬للجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وتحدث‭ ‬فيها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬زعماء‭ ‬الدول،‭ ‬بينهم‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن،‭ ‬والعاهل‭ ‬الأردني‭ ‬الملك‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬الحسين،‭ ‬والرئيس‭ ‬التركي‭ ‬رجب‭ ‬طيب‭ ‬أردوجان،‭ ‬وثلاثتهم‭ ‬طالبوا‭ ‬بضرورة‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تعديل‭ ‬الأنظمة‭ ‬الناظمة‭ ‬لعمل‭ ‬الهيئة‭ ‬الدولية،‭ ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬كلمات‭ ‬رؤساء‭ ‬الدول‭ ‬وممثلي‭ ‬الوفود‭ ‬المشاركة‭ ‬ستحمل‭ ‬في‭ ‬ثناياها‭ ‬المطالبة‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬التغيير،‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬موقعه‭ ‬ورؤيته‭ ‬وخلفيته‭ ‬بتغيير‭ ‬تلك‭ ‬القواعد‭ ‬والمرتكزات‭ ‬الأممية‭ ‬لعملها‭. ‬لأن‭ ‬بقاء‭ ‬الآليات‭ ‬ذاتها،‭ ‬العاكسة‭ ‬لهيمنة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مقبولة‭ ‬من‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬وأيضا‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تريد‭ ‬تغييرها‭ ‬بما‭ ‬يسمح‭ ‬لها‭ ‬بالوصاية‭ ‬على‭ ‬الهيئة‭ ‬الدولية،‭ ‬وتحقيق‭ ‬مآربها‭ ‬وأهدافها،‭ ‬التي‭ ‬سعت‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬لإنشائها،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬شعرت‭ ‬خلال‭ ‬الدورات‭ ‬السابقة‭ ‬بتراجع‭ ‬قدرتها‭ ‬ونفوذها‭ ‬في‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬منظمات‭ ‬هيئة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬المختلفة‭ ‬وخاصة‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭.‬

وأظهرت‭ ‬الهيئات‭ ‬الأممية‭ ‬المختلفة‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬محكمتا‭ ‬العدل‭ ‬والجنائية‭ ‬الدوليتان‭ ‬عدم‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬تمثل‭ ‬دورها‭ ‬الأممي‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬قراراتها‭ ‬الأممية‭ ‬نتيجة‭ ‬بلطجة‭ ‬وهيمنة‭ ‬ونفوذ‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬مقاليد‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قرارات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭. ‬كما‭ ‬القرار‭ ‬الدولي‭ ‬الأخير‭ ‬2735‭ ‬الصادر‭ ‬في‭ ‬10‭ ‬يونيو‭ ‬الماضي‭ ‬لوقف‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬والحرب‭ ‬التي‭ ‬أشعلتها‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬المارقة‭ ‬والخارجة‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬الجبهة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬وسعيها‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬الحرب‭ ‬الإقليمية‭ ‬لإعادة‭ ‬تشكل‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وفق‭ ‬مشيئتها‭ ‬ومصالح‭ ‬رعاتها‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬الرأسمالي‭ ‬بقيادة‭ ‬واشنطن‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬التحولات‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬العالمية،‭ ‬وانفتاح‭ ‬الأفق‭ ‬لإعادة‭ ‬تشكل‭ ‬المنظومة‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬عالم‭ ‬متعدد‭ ‬الأقطاب،‭ ‬يملي‭ ‬على‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬الهيئة‭ ‬التشريعية‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لإحداث‭ ‬ثورة‭ ‬في‭ ‬خارطة‭ ‬الهيئة‭ ‬الدولية‭ ‬بما‭ ‬يستجيب‭ ‬لمصالح‭ ‬العالم‭ ‬الجديد،‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬نفق‭ ‬الاستحواذ‭ ‬الأمريكي‭ ‬ومن‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬فلكه،‭ ‬وضبط‭ ‬إيقاع‭ ‬أداة‭ ‬الغرب‭ ‬الرأسمالي‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وإلزامها‭ ‬بتنفيذ‭ ‬القرارات‭ ‬الأممية،‭ ‬والكف‭ ‬عن‭ ‬الكيل‭ ‬بمكيالين،‭ ‬والابتعاد‭ ‬كليا‭ ‬عن‭ ‬المعايير‭ ‬المزدوجة‭.‬

إذن‭ ‬هل‭ ‬يشهد‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬الدورة‭ ‬الجديدة‭ ‬الـ‭(‬79‭) ‬ثورة‭ ‬حقيقية‭ ‬لتغيير‭ ‬آليات‭ ‬العمل،‭ ‬ورفع‭ ‬الظلم‭ ‬عن‭ ‬القوانين‭ ‬الدولية‭ ‬والقوانين‭ ‬الإنسانية‭ ‬الدولية،‭ ‬وإعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬ومساواة‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬مؤسسات‭ ‬هيئة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬ومنح‭ ‬الشعوب‭ ‬المنكوبة‭ ‬وفي‭ ‬طليعتها‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬حقوقه‭ ‬الوطنية،‭ ‬واستقلاله‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬وطنه‭ ‬الأم‭ ‬فلسطين؟‭ ‬السؤال‭ ‬برسم‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬كافة،‭ ‬وخاصة‭ ‬الأقطاب‭ ‬الدولية‭ ‬النافذة،‭ ‬وصاحبة‭ ‬المصلحة‭ ‬الحقيقة‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬الثورة‭ ‬المطلوبة‭. ‬لعل‭ ‬الأيام‭ ‬القليلة‭ ‬القادمة‭ ‬تجيب‭ ‬عن‭ ‬السؤال،‭ ‬حيث‭ ‬ستنتهي‭ ‬أعمال‭ ‬الدورة‭ ‬الحالية‭ ‬في‭ ‬30‭ ‬سبتمبر‭ ‬الحالي‭.‬

{ كاتب‭ ‬من‭ ‬فلسطين

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا