العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

ثمن السلام المفقود في الشرق الأوسط

بقلم: د. عبدالمنعم سعيد

الأربعاء ٢٥ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

في‭ ‬دراسة‭ ‬تم‭ ‬التكليف‭ ‬بالقيام‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬‮«‬المنتدى‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬في‭ ‬دبي‭ ‬بدولة‭ ‬الإمارات‭ ‬للمؤسسة‭ ‬الاستشارية‭ ‬‮«‬مجموعة‭ ‬يورو‭ ‬آسيا‮»‬‭ ‬eurasiagroup‭  ‬وموقعها‭ ‬نيويورك‭ ‬لحساب‭ ‬‮«‬كلفة‭ ‬غياب‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي‮»‬؛‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬الكلفة‭ ‬تُقدر‭ ‬بمقدار‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬خلال‭ ‬السبعين‭ ‬عامًا‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬الإنفاق‭ ‬المباشر‭.‬

في‭ ‬غياب‭ ‬الحرب،‭ ‬فإن‭ ‬كلفة‭ ‬الفرصة‭ ‬البديلة‭ ‬من‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاستثمارات‭ ‬تساوي‭ ‬نفس‭ ‬القدر‭ ‬من‭ ‬الإنفاق‭. ‬وقبل‭ ‬الحرب‭ ‬الحالية‭ ‬أي‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬الخامسة،‭ ‬فإن‭ ‬عدد‭ ‬الضحايا‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬والفلسطينيين‭ ‬منذ‭ ‬1948‭ ‬كان‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬105‭ ‬آلاف،‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬25‭ ‬ألفًا‭ ‬تقريبًا‭.‬

ثمن‭ ‬السلام‭ ‬المفقود‭ ‬مُعْتَبر‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬1‭.‬7‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭ ‬خلال‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الفوائد‭ ‬المباشرة‭ ‬من‭ ‬زيادة‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الذي‭ ‬ينتجه‭ ‬التكامل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الإقليمي‭. ‬خارج‭ ‬الدراسة‭ ‬فإن‭ ‬الخسائر‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬وغير‭ ‬الاقتصادية‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للحساب‭. ‬

الواضح‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬السلام‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬بعيدًا‭ ‬منذ‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023؛‭ ‬وتوسع‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وانتشارها‭ ‬الإقليمي‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬اللبنانية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وكما‭ ‬تسمى‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬الحروب‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬ومشاركة‭ ‬قوات‭ ‬حشد‭ ‬الشعب‭ ‬العراقية‭ ‬والحوثيين‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬الأحمر‭ ‬والمتوسط‭. ‬وخلف‭ ‬هذه‭ ‬الجبهات‭ ‬توجد‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬مواجهات‭ ‬مباشرة‭ ‬وغير‭ ‬مباشرة‭ ‬ومحسوبة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭.‬

ورغم‭ ‬الأهوال‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬الحروب‭ ‬الجارية،‭ ‬فإن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نلحظ‭ ‬أن‭ ‬السلام‭ ‬أيضًا‭ ‬تطور‭ ‬منذ‭ ‬التحول‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬من‭ ‬كونه‭ ‬وجوديًّا‭ ‬تسود‭ ‬فيه‭ ‬المعادلة‭ ‬الصفرية‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬العربية‭ ‬وإسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬غير‭ ‬وجودي‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973‭.‬

وبعد‭ ‬توقيع‭ ‬معاهدة‭ ‬السلام‭ ‬المصرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬1979،‭ ‬وقّعت‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬1993،‭ ‬وتبعتها‭ ‬الأردن‭ ‬في‭ ‬وادي‭ ‬عربة‭ ‬على‭ ‬اتفاقية‭ ‬سلام‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬1994‭. ‬هنا‭ ‬ينبغي‭ ‬الملاحظة‭ ‬أن‭ ‬خمسة‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬الذين‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬حصلوا‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل‭ ‬للسلام‭: ‬محمد‭ ‬أنور‭ ‬السادات،‭ ‬ومناحيم‭ ‬بيجين،‭ ‬وياسر‭ ‬عرفات،‭ ‬وإسحق‭ ‬رابين،‭ ‬وشيمون‭ ‬بيريز‭. ‬وبين‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬وما‭ ‬اعتراها‭ ‬من‭ ‬نجاح‭ ‬أو‭ ‬فشل،‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬كثرة‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬والمحاولات‭ ‬للتوصل‭ ‬إلى‭ ‬سلام‭ ‬نهائي‭ ‬وشامل‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬والإسرائيليين‭ ‬مثل‭: ‬مباحثات‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي،‭ ‬مبادرة‭ ‬الملك‭ ‬فهد،‭ ‬ومبادرة‭ ‬السلام‭ ‬العربية،‭ ‬ومفاوضات‭ ‬كامب‭ ‬ديفيد‭ ‬وطابا،‭ ‬وإعلان‭ ‬جنيف،‭ ‬وخريطة‭ ‬الطريق،‭ ‬وجهود‭ ‬اللجنة‭ ‬الرباعية‭ ‬للسلام‭ ‬التي‭ ‬ضمت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وروسيا‭ ‬والأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬فالحقيقة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬البحث‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السلام‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أقل‭ ‬إصرارًا‭ ‬ولا‭ ‬أقل‭ ‬جهدًا‭ ‬من‭ ‬الحرب‭.‬

ولكن،‭ ‬للأسف،‭ ‬فإن‭ ‬الدراسات‭ ‬عن‭ ‬الحروب‭ ‬العربية‭ - ‬الفلسطينية‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬كانت‭ ‬أشد‭ ‬غزارة‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬بحوث‭ ‬السلام،‭ ‬ما‭ ‬ولّد‭ ‬شعورًا‭ ‬مستمرًّا‭ ‬بالإحباط‭ ‬لدى‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الإقليمي‭ ‬والدولي‭ ‬من‭ ‬إمكانيات‭ ‬حل‭ ‬الصراع‭. ‬كان‭ ‬اليأس‭ ‬دائمًا‭ ‬يتغلب‭ ‬على‭ ‬الفرص‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬السلام‭ ‬ممكنًا‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬حروب‭ ‬مدمرة‭ ‬ودامية‭. ‬

الحرب‭ ‬الراهنة‭ ‬ليست‭ ‬استثناء،‭ ‬حيث‭ ‬تتنازعها‭ ‬شدة‭ ‬القتال،‭ ‬وكثرة‭ ‬الخسائر،‭ ‬بينما‭ ‬جهود‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬الممهدة‭ ‬للسلام‭ ‬تبدو‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬النظر،‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬جوهره‭ ‬يتطلب‭ ‬نظرة‭ ‬جديدة‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬تكرارية‭ ‬الحروب‭ ‬وتتابعها‭ ‬وشدة‭ ‬قسوتها،‭ ‬وإنما‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬أساليب‭ ‬السلام‭ ‬وتوجهاته‭.‬

الثابت‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تجارب‭ ‬السلام‭ ‬المستقرة‭ ‬السابقة‭ ‬قد‭ ‬جرت‭ ‬أولًا‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬وطنية‭ ‬ملتفة‭ ‬حول‭ ‬قيادتها‭ ‬دون‭ ‬انقسام‭ ‬أو‭ ‬تشتت؛‭ ‬وثانيًا‭ ‬أنها‭ ‬جرت‭ ‬مباشرة‭ ‬ووجهًا‭ ‬لوجه؛‭ ‬وثالثًا‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وإن‭ ‬أيدت‭ ‬جهود‭ ‬السلام‭ ‬من‭ ‬قِبَل‭ ‬طرفيها،‭ ‬فإنها‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬جوهري،‭ ‬وإنما‭ ‬كانت‭ ‬المصالح‭ ‬القومية‭ ‬للدول‭ ‬هي‭ ‬الحاكمة‭. ‬

في‭ ‬الحالة‭ ‬المقابلة،‭ ‬فإن‭ ‬الانقسام‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬لإسرائيل‭ ‬فيه‭ ‬دور‭ ‬كبير،‭ ‬وأعلنها‭ ‬نتنياهو‭ ‬بصراحة‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬يقدم‭ ‬كل‭ ‬التأييد‭ ‬لحماس‭ ‬في‭ ‬انفصالها‭ ‬عن‭ ‬السلطة‭ ‬الوطنية‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬فإنه‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬منع‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬الوجود‭. ‬

وفيما‭ ‬عدا‭ ‬عقد‭ ‬اتفاق‭ ‬تخطيط‭ ‬استغلال‭ ‬حقل‭ ‬الغاز‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬ولبنان‭ ‬مع‭ ‬مباركة‭ ‬من‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬فإنه‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬حافظ‭ ‬على‭ ‬الانقسام‭ ‬اللبناني‭ ‬والثلث‭ ‬المعطل‭ ‬لكل‭ ‬قرارات‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬في‭ ‬اختيار‭ ‬رئيس‭ ‬للدولة‭ ‬واختيار‭ ‬حكومة‭ ‬وعقد‭ ‬انتخابات‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬حينما‭ ‬يحل‭ ‬وقتها‭.‬

الأمر‭ ‬يصدق‭ ‬على‭ ‬الحوثيين‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬والحشد‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬والحرس‭ ‬الثوري‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬فلا‭ ‬تعود‭ ‬هناك‭ ‬دولة‭ ‬ولا‭ ‬سلام‭ ‬ولا‭ ‬تنمية‭ ‬ولا‭ ‬رخاء‭. ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬هو‭ ‬العكس‭ ‬تمامًا‭ ‬أن‭ ‬تصبح‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬مقسمة‭ ‬عمليًّا‭ ‬بين‭ ‬الشمال‭ ‬والجنوب،‭ ‬والشرق‭ ‬والغرب،‭ ‬والساحل‭ ‬والداخل،‭ ‬وتكتفي‭ ‬فقط‭ ‬بنضال‭ ‬لا‭ ‬يحرر‭ ‬أرضًا‭ ‬ولا‭ ‬ينهي‭ ‬صراعا‭. ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا