العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الأمن البحري وضرورات تطوير الصناعات والخدمات البحرية

بقلم: د. أسعد حمود السعدون

الاثنين ٠٩ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

يوما‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬الظروف‭ ‬الإقليمية‭ ‬والعالمية‭ ‬الراهنة‭ ‬تتعاظم‭ ‬أهمية‭ ‬قطاع‭ ‬الصناعات‭ ‬والخدمات‭ ‬البحرية‭ ‬بشقيه‭ ‬العسكري‭ ‬والمدني،‭ ‬والذي‭ ‬يعنى‭ ‬بتصميم‭ ‬وإنشاء‭ ‬وبناء‭ ‬السفن،‭ ‬القوارب،‭ ‬ومختلف‭ ‬أنماط‭ ‬الهياكل‭ ‬العائمة،‭ ‬والمحركات‭ ‬البحرية،‭ ‬وتصميم‭ ‬وإنشاء‭ ‬المنصات‭ ‬البحرية‭ ‬والجزر‭ ‬الصناعية‭ ‬ومحطات‭ ‬تزويد‭ ‬السفن‭ ‬بالوقود،‭ ‬وصناعة‭ ‬إصلاح‭ ‬السفن‭ ‬وصيانتها‭ ‬والخدمات‭ ‬اللوجستية‭ ‬التي‭ ‬يتطلبها‭ ‬النقل‭ ‬البحري‭.‬

وعلى‭ ‬صعيد‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬تُعد‭ ‬الصناعات‭ ‬والخدمات‭ ‬البحرية‭ ‬من‭ ‬القطاعات‭ ‬التي‭ ‬يتوفر‭ ‬لها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المقومات‭ ‬كالموقع‭ ‬الجغرافي‭ ‬المتميز،‭ ‬والموروث‭ ‬التاريخي‭ ‬الحافز،‭ ‬والدعم‭ ‬الحكومي‭ ‬متعدد‭ ‬الأوجه،‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬المتكاملة،‭ ‬والموارد‭ ‬البشرية‭ ‬الذكية‭ ‬والمؤهلة،‭ ‬والطلب‭ ‬الإقليمي‭ ‬المتنامي،‭ ‬وتوفر‭ ‬المواد‭ ‬الأولية‭ ‬والصناعات‭ ‬المغذية‭ ‬والطاقة،‭ ‬والخبرات‭ ‬الطويلة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأعمال‭ ‬البحرية‭ ‬وإصلاح‭ ‬وصيانة‭ ‬وتشغيل‭ ‬السفن‭. ‬فقد‭ ‬تميزت‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬منذ‭ ‬أقدم‭ ‬الأزمنة‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬السفن‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بمراحل‭ ‬تطورية‭ ‬عديدة،‭ ‬كما‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الدراسات‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬تتبعت‭ ‬تطور‭ ‬صناعة‭ ‬السفن‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬فكانت‭ ‬الزوارق‭ ‬البدائية‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬طافيات‭ (‬قرب‭) ‬مصنوعة‭ ‬من‭ ‬جلد‭ ‬الحيوانات‭ ‬تلا‭ ‬ذلك‭ ‬ظهور‭ ‬الأطواف‭ ‬أو‭ ‬الرماثين‭ ‬ثم‭ ‬الزوارق‭ ‬الشجرية‭ ‬ثم‭ ‬الزوارق‭ ‬المصنوعة‭ ‬من‭ ‬القصب‭ ‬أو‭ ‬جريد‭ ‬النخيل‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬القوارب‭ ‬والسفن‭ ‬الخشبية‭ ‬ثم‭ ‬الزوارق‭ ‬المعدنية‭ ‬وزوارق‭ ‬الفايبر‭ ‬غلاس‭ ‬وزوارق‭ ‬الحديد‭ ‬والصلب‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المواد‭ ‬التي‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬بدن‭ ‬السفينة‭. ‬ومما‭ ‬ينبغي‭ ‬ذكره‭ ‬أن‭ ‬جلجامش‭ ‬قد‭ ‬ضمن‭ ‬في‭ ‬ملحمته‭ ‬التاريخية‭ ‬فصلا‭ ‬عن‭ ‬صناعة‭ ‬السفن‭ ‬آنذاك‭. ‬وفي‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬تمتلك‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬الريادة‭ ‬الإقليمية‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬وتجميع‭ ‬السفن،‭ ‬حيث‭ ‬أنشئت‭ ‬فيها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الورش‭ ‬والمصانع‭ ‬لتصنيع‭ ‬وصيانة‭ ‬سفن‭ ‬الصيد‭ ‬منذ‭ ‬عقد‭ ‬الخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ثم‭ ‬توجهت‭ ‬نحو‭ ‬صناعة‭ ‬السفن‭ ‬والزوارق‭ ‬الحربية‭ ‬منذ‭ ‬عقد‭ ‬الثمانينيات‭ ‬وبالتعاون‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬والشركات‭ ‬ذات‭ ‬القدم‭ ‬الراسخة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصناعة‭ ‬البحرية‭ ‬بغية‭ ‬تدعيم‭ ‬قواتها‭ ‬البحرية،‭ ‬فمثلا‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬دشن‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬المعظم‭ ‬أول‭ ‬سفينة‭ ‬حربية‭ ‬في‭ ‬20‭ ‬مارس‭ ‬1979م،‭ ‬وهي‭ ‬سفينة‭ (‬الزبارة‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1982‭ ‬دشن‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الراحل‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬سفينة‭ (‬حوار‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1983‭ ‬دشن‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬المعظم‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬السفن‭ ‬البحرية‭ (‬الجارم،‭ ‬والجسرة،‭ ‬وعجيرة‭) ‬وبما‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬إمكانات‭ ‬سلاح‭ ‬البحرية‭ ‬الملكي‭ ‬البحريني‭. ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬1984‭ ‬دشن‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬المعظم‭ ‬أمير‭ ‬البلاد‭ ‬الراحل‭ ‬السفينة‭ ‬الصاروخية‭ (‬أحمد‭ ‬الفاتح‭). ‬وبمرور‭ ‬الزمن‭ ‬توافرت‭ ‬فيها‭ ‬أغلب‭ ‬متطلبات‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬للصناعة‭ ‬البحرية‭ ‬كالمراسي‭ ‬والموانئ‭ ‬الحديثة‭ ‬المزودة‭ ‬بخدمات‭ ‬متكاملة‭.‬

وفي‭ ‬مجال‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬البحرية‭ ‬نجحت‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬مبكر‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬الأحواض‭ ‬الجافة‭ ‬لإصلاح‭ ‬السفن‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬تملكه‭ ‬الشركة‭ ‬العربية‭ ‬لبناء‭ ‬وإصلاح‭ ‬السفن‭ (‬أسري‭) ‬وتمتلك‭ ‬فيه‭ ‬البحرين‭ ‬الحصة‭ ‬الأكبر،‭ ‬والذي‭ ‬شهد‭ ‬تحديثات‭ ‬وتطورات‭ ‬متلاحقة‭ ‬جعلت‭ ‬منه‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬أرقى‭ ‬الخيارات‭ ‬تنافسية‭ ‬لدى‭ ‬شركات‭ ‬النقل‭ ‬البحري‭ ‬إقليميا‭ ‬وعالميا،‭ ‬حيث‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬خدمات‭ ‬رئيسية‭ ‬هي‭ ‬إصلاح‭ ‬وتحويل‭ ‬سفن‭ ‬النقل‭ ‬والشحن،‭ ‬وإصلاح‭ ‬وتحويل‭ ‬السفن‭ ‬الحربية،‭ ‬وإصلاح‭ ‬وتحويل‭ ‬المنصات‭ ‬البحرية،‭ ‬والتصنيع‭ ‬والهندسة،‭ ‬فيما‭ ‬تمكنت‭ ‬الشركة‭ ‬العالمية‭ ‬للصناعات‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬أكبر‭ ‬حوض‭ ‬بحري‭ ‬متكامل‭ ‬الخدمات‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬تبلغ‭ ‬مساحته‭ ‬12‭ ‬مليون‭ ‬متر‭ ‬مربع‭ ‬تقريباً،‭ ‬مع‭ ‬مخطط‭ ‬طموح‭ ‬لتحقيق‭ ‬التوسّع‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توفير‭ ‬خدمات‭ ‬بحرية‭ ‬متقدمة‭ ‬ومستدامة،‭ ‬والأمر‭ ‬ذاته‭ ‬لبقية‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬نشاطا‭ ‬صناعيا‭ ‬ولوجستيا‭ ‬متميزا‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التصنيع‭ ‬والخدمات‭ ‬البحرية،‭ ‬مستفيدة‭ ‬من‭ ‬توفر‭ ‬الفرص‭ ‬الاستثمارية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع،‭ ‬وما‭ ‬يتيحه‭ ‬الموقع‭ ‬الجغرافي‭ ‬لدولها‭ ‬الممتد‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬بحار‭ ‬هي‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬والبحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وبحر‭ ‬العرب،‭ ‬واتساع‭ ‬سهولها‭ ‬الساحلية‭ ‬لآلاف‭ ‬الكيلومترات،‭ ‬وتوفر‭ ‬البيئة‭ ‬البحرية‭ ‬الجيدة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الحوافز‭ ‬الاستثمارية‭ ‬المتاحة‭ ‬للقطاع‭ ‬الصناعي،‭ ‬ومحاولات‭ ‬بعض‭ ‬رواد‭ ‬الصناعة‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬إلحاقها‭ ‬بمثيلاتها‭ ‬العالمية‭ ‬وتمكينها‭ ‬لتحتل‭ ‬مساحة‭ ‬واسعة‭ ‬في‭ ‬حلبة‭ ‬السباق‭ ‬والمنافسة‭ ‬الدولية‭ ‬وذلك‭ ‬بتطبيق‭ ‬المواصفات‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬الجودة‭ ‬ونقل‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬وتطوير‭ ‬صناعة‭ ‬المواد‭ ‬المغذية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الظروف‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬الراهنة‭ ‬واشتداد‭ ‬الاختلال‭ ‬في‭ ‬الأمن‭ ‬البحري‭ ‬الإقليمي‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬والبحر‭ ‬العربي‭ ‬المطلة‭ ‬على‭ ‬اليمن،‭ ‬وما‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬السفن‭ ‬من‭ ‬هجمات‭ ‬ممنهجة،‭ ‬تعزز‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالقوة‭ ‬البحرية‭ ‬والقطاع‭ ‬الصناعي‭ ‬البحري،‭ ‬وملاحقة‭ ‬التطورات‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬صناعة‭ ‬السفن‭ ‬والزوارق‭ ‬العائمة‭ ‬تحت‭ ‬الماء،‭ ‬والزوارق‭ ‬ذاتية‭ ‬الحركة،‭ ‬والطائرات‭ ‬البحرية‭ ‬العائمة‭ ‬تحت‭ ‬الماء‭ ‬دون‭ ‬طيار،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬التقنيات‭ ‬البحرية‭ ‬التي‭ ‬تعزز‭ ‬القدرة‭ ‬البحرية‭ ‬الخليجية‭ ‬والأمن‭ ‬البحري‭ ‬الخليجي،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬القاعدة‭ ‬الأساسية‭ ‬لتنمية‭ ‬الصناعات‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬بعدها‭ ‬الصناعي‭ ‬الفني‭ ‬والفلسفي‭ ‬والمالي‭ ‬والبشري‭ ‬متاحة‭ ‬وميسرة‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭. ‬

 

{‭ ‬أكاديمي‭ ‬وخبير‭ ‬اقتصادي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا