العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

كلمات في وداع الشاعرة الفلسطينية المبـدعة سـلـمـى الخضراء الجيوسي

بقلم: عادل الأسطة {

الخميس ١١ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

رحلت‭ ‬في‭ ‬20‭/‬4‭/‬2023‭ ‬الدكتورة‭ ‬سلمى‭ ‬الخضراء‭ ‬الجيوسي‭ ‬الشاعرة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الشهيرة‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬يقارب‭ ‬الـ‭ ‬95‭ ‬عاما،‭ ‬وآخر‭ ‬مرة‭ ‬التقيت‭ ‬فيها‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2016‭. ‬وكنت‭ ‬التقيتها‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬2012،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬لقاء‭ ‬لها‭ ‬موسع‭ ‬مع‭ ‬أدباء‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬في‭ ‬قاعة‭ ‬بلدية‭ ‬البيرة،‭ ‬عقدته‭ ‬لها‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬بطلب‭ ‬منها‭ ‬لتناقش‭ ‬معهم‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬عن‭ ‬الأدب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

عممت‭ ‬الدكتورة‭ ‬على‭ ‬الحاضرين‭ ‬ورقة‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬أسئلة‭ ‬قالت‭ ‬إنها‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬مستشرق‭ ‬اسمه‭ (‬إستيفان‭) ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬الأدب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ولم‭ ‬يسألها‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬الحاضرين‭ ‬عن‭ ‬هويته‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬آرائه‭ ‬ومواقفه‭ ‬من‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬سجلت‭ ‬الدكتورة‭ ‬النقاش‭ ‬على‭ ‬أشرطة‭ ‬ثم‭ ‬افترق‭ ‬الحضور‭.‬

بعد‭ ‬أعوام‭ ‬من‭ ‬اللقاء‭ ‬وعلى‭ ‬هامش‭ ‬معرض‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬رام‭ ‬الله‭ ‬اتصلت‭ ‬بي‭ ‬الدكتورة‭ ‬سلمى‭ ‬ودعتني‭ ‬إلى‭ ‬العشاء،‭ ‬ولما‭ ‬سألتها‭ ‬عما‭ ‬آل‭ ‬إليه‭ ‬مشروع‭ ‬المستشرق‭ ‬أجابتني‭ ‬بأنها‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أنجزت‭ ‬الكتابة،‭ ‬وللأسف‭ ‬فلم‭ ‬أطلب‭ ‬منها‭ ‬نسخة،‭ ‬وحتى‭ ‬الآن‭ ‬لم‭ ‬أقرأ‭ ‬دراستها‭.‬

كانت‭ ‬الدكتورة‭ ‬يومها‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬الثمانين،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬متاعب‭ ‬جسدها،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬حركاتها‭ ‬محسوبة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ذهنها‭ ‬كان‭ ‬صافياً‭ ‬تماما،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬تركيزها‭ ‬عاليا‭ ‬وكلامها‭ ‬موزونا‭.‬

أول‭ ‬رسالة‭ ‬وصلتني‭ ‬منها‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬صيف‭ ‬1987،‭ ‬وكان‭ ‬دافعها‭ ‬إلى‭ ‬الكتابة‭ ‬هو‭ ‬شروعها‭ ‬في‭ ‬إنجاز‭ ‬مشروع‭ (‬بروتا‭) ‬‭ ‬ترجمة‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬الحديث‭ ‬إلى‭ ‬الإنجليزية‭ ‬‭ ‬المشروع‭ ‬الذي‭ ‬أسفر‭ ‬عن‭ ‬ترجمة‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬40‭ ‬عملا‭ ‬أدبيا،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬موسوعات‭ ‬منها‭ ‬موسوعة‭ ‬الأدب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وموسوعة‭ ‬أدب‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭.‬

كانت‭ ‬الدكتورة‭ ‬سلمى‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬فريق‭ ‬عمل‭ ‬وأشخاص‭ ‬تستشيرهم‭ ‬فيما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يترجم‭ ‬من‭ ‬أعمال،‭ ‬فمهما‭ ‬كانت‭ ‬ثقافتها‭ ‬من‭ ‬السعة‭ ‬والشمول،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحيط‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬وما‭ ‬يستحق‭ ‬الترجمة‭ ‬منه،‭ ‬ولما‭ ‬كنت‭ ‬أنجزت‭ ‬رسالة‭ ‬ماجستير‭ ‬عن‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة،‭ ‬فقد‭ ‬كتبت‭ ‬إلي‭ ‬كي‭ ‬أرشح‭ ‬لها‭ ‬قصصا‭ ‬أرى‭ ‬أنها‭ ‬تصلح‭ ‬للترجمة‭.‬

يعد‭ ‬مشروع‭ (‬بروتا‭) ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬المهمة‭ ‬الناجحة‭ ‬لخدمة‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬والفلسطيني‭.‬

بدأت‭ ‬سلمى‭ ‬حياتها‭ ‬شاعرة،‭ ‬ولكنها‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تواصل‭ ‬كتابة‭ ‬الشعر‭ ‬أخذت‭ ‬تدرسه،‭ ‬فأنجزت‭ ‬فيه‭ ‬رسالة‭ ‬الدكتوراة،‭ ‬وواصلت‭ ‬دراسته‭ ‬وتدريسه‭ ‬في‭ ‬الجامعة،‭ ‬ثم‭ ‬عكفت‭ ‬على‭ ‬ترجمته،‭ ‬وكانت‭ ‬تنطلق‭ ‬في‭ ‬دراستها‭ ‬من‭ ‬ربط‭ ‬الشعر‭ ‬بالمجتمع‭ ‬والتاريخ،‭ ‬مستفيدة‭ ‬من‭ ‬منهج‭ ‬الفرنسيين‭ (‬هيوبوليت‭ ‬تين‭) ‬و‭(‬برونتير‭)‬،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاءت‭ ‬دراستها‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬‮«‬الاتجاهات‭ ‬والحركات‮»‬‭ ‬في‭ ‬الشعر‭ ‬العربي،‭ ‬وعلى‭ ‬تطور‭ ‬بنية‭ ‬القصيدة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬عصورها‭ ‬المختلفة،‭ ‬واهتمت‭ ‬فوق‭ ‬هذا‭ ‬بحركة‭ ‬الحداثة‭ ‬والشعر‭ ‬الحداثي،‭ ‬فدرست‭ ‬قصيدة‭ ‬النثر‭ ‬وقصيدة‭ ‬التفعيلة‭. ‬لقد‭ ‬أغفلت‭ ‬دراسة‭ ‬شعراء‭ ‬مهمين‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬أهم‭ ‬منهم‭ ‬في‭ ‬تيارهم‭ ‬الشعري،‭ ‬وحجتها‭ ‬أن‭ ‬مهمة‭ ‬الناقد‭ ‬الأدبي‭ ‬غير‭ ‬مهمة‭ ‬المؤرخ‭ ‬الأدبي،‭ ‬فالأول‭ ‬يصنف‭ ‬ويميز‭ ‬والثاني‭ ‬يؤرخ‭ ‬ويعدد‭ ‬ويحصي،‭ ‬وما‭ ‬كتبته‭ ‬يندرج‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬النقد‭ ‬لا‭ ‬التأريخ‭.‬

ولأنها‭ ‬عاشت‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬فلم‭ ‬تهمل‭ ‬قضية‭ ‬التأثر‭ ‬والتأثير،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬ركزت‭ ‬على‭ ‬العوامل‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬نشأة‭ ‬الشعر‭ ‬وتطوره،‭ ‬فإنها‭ ‬رأت‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬عاملاً‭ ‬آخر‭ ‬مهماً‭ ‬هو‭ ‬تأثير‭ ‬الشعر‭ ‬الغربي‭ ‬على‭ ‬الشعر‭ ‬العربي،‭ ‬وقد‭ ‬بدا‭ ‬هذا‭ ‬واضحاً‭ ‬في‭ ‬دراستها‭ ‬‮«‬بنية‭ ‬القصيدة‭ ‬العربية‭ ‬عبر‭ ‬القرون؛‭ ‬المقاومة‭ ‬والتجريب‮»‬‭.‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬جهودها‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬دراستها‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬لا‭ ‬مع‭ ‬مشروع‭ ‬ترجمته،‭ ‬وكانت‭ ‬فيها‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬المنجز‭ ‬الحضاري‭ ‬الإنساني‭ ‬للعرب‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬وتقديمه‭ ‬للعالم،‭ ‬لتغيير‭ ‬تصوراته‭ ‬عن‭ ‬العرب‭ ‬بأنهم‭ ‬شعب‭ ‬بلا‭ ‬ثقافة‭.‬

وقد‭ ‬دحضت‭ ‬الدكتورة‭ ‬سلمى‭ ‬في‭ ‬دراستها‭ ‬‮«‬بنية‭ ‬القصيدة‭ ‬العربية‮»‬‭ ‬نظرية‭ ‬العرق‭ ‬التي‭ ‬هاجم‭ ‬أنصارها‭ ‬الشعر‭ ‬العربي‭ ‬ولم‭ ‬يعتبروه،‭ ‬فهو‭ ‬في‭ ‬نظرهم‭ ‬‮«‬شعر‭ ‬أبيات‭ ‬لا‭ ‬شعر‭ ‬قصائد،‭ ‬مخلع،‭ ‬متجزئ‭ ‬تجزؤ‭ ‬العقل‭ ‬العربي‭ ‬نفسه،‭ ‬خطابي،‭ ‬عاطفي،‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬رتابة‭ ‬كبيرة‭ ‬مملة‭ ‬بسبب‭ ‬أوزانه‭ ‬وشكله‭ ‬الشعري‭ ‬ذي‭ ‬القافية‭ ‬الواحدة‮»‬‭.‬

وبقي‭ ‬مشروعها‭ ‬الثاني‭ ‬وهو‭ ‬دراسة‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الأندلس،‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬تحدثت‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬المقابلات‭ ‬التي‭ ‬أجريت‭ ‬معها‭. ‬تحدثت‭ ‬عنه‭ ‬وعن‭ ‬معاناتها‭ ‬في‭ ‬إنجازه،‭ ‬إذ‭ ‬خذلها‭ ‬بعض‭ ‬الدارسين‭ ‬العرب‭ ‬بخلاف‭ ‬الدارسين‭ ‬الغربيين‭ ‬الذين‭ ‬قدموا‭ ‬إسهامات‭ ‬قيمة‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬عن‭ ‬الحضارة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الأندلس‭.‬

في‭ ‬رحيل‭ ‬سلمى‭ ‬الخضراء‭ ‬الجيوسي‭ ‬خسر‭ ‬الأدب‭ ‬العربي‭ ‬والفلسطيني‭ ‬رافعة‭ ‬مهمة‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬إيصاله‭ ‬إلى‭ ‬العالمية،‭ ‬وهنا‭ ‬يجدر‭ ‬التذكير‭ ‬بدورها‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬إلى‭ ‬الأكاديمية‭ ‬السويدية‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬جائزة‭ ‬نوبل،‭ ‬وقد‭ ‬تحقق‭ ‬ذلك‭.. ‬وقد‭ ‬اتضح‭ ‬لي‭ ‬لاحقا‭ ‬أن‭ ‬استيفان‭ ‬سبيرل‭ ‬هو‭ ‬مستشرق‭ ‬إنجليزي‭ ‬وهو‭ ‬يدرس‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬في‭ ‬لندن‭.‬

 

{‭ ‬كاتب‭ ‬وناقد‭ ‬فلسطيني

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا