العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أهمية الجهود العربية لإنقاذ السودان

بقلم: د. حسن نافعة { 

الخميس ١١ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

سادت‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬خلال‭ ‬الشهور‭ ‬الأخيرة‭ ‬أجواء‭ ‬من‭ ‬التفاؤل‭ ‬باحتمال‭ ‬دخول‭ ‬المنطقة‭ ‬مرحلة‭ ‬تهدئة‭ ‬للصراعات‭ ‬المحتدمة‭ ‬بين‭ ‬دولها‭ ‬وشعوبها؛‭ ‬توطئة‭ ‬لمعالجة‭ ‬هذه‭ ‬الصراعات‭ ‬من‭ ‬جذورها،‭ ‬وتهيئة‭ ‬المنطقة‭ ‬للتمتع‭ ‬بحالة‭ ‬من‭ ‬الاستقرار‭ ‬القابل‭ ‬للدوام‭. ‬عاملان‭ ‬رئيسيان‭ ‬بررا‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬التفاؤلية‭ ‬وساعدا‭ ‬على‭ ‬انتشارها‭:‬

أولاً‭: ‬الجهود‭ ‬الناجحة‭ ‬التي‭ ‬بذلت‭ ‬لتهدئة‭ ‬الصراعات‭ ‬العربية‭-‬العربية،‭ ‬وهي‭ ‬جهود‭ ‬حظيت‭ ‬بقوة‭ ‬دفع‭ ‬كبيرة‭ ‬عقب‭ ‬نجاح‭ ‬قمة‭ ‬العلا‭ ‬الخليجية‭ ‬التي‭ ‬انعقدت‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬2021،‭ ‬ما‭ ‬أعاد‭ ‬قدراً‭ ‬من‭ ‬التماسك‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬أولاً،‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬أجواء‭ ‬العمل‭ ‬فيها‭ ‬مهيأة‭ ‬أكثر‭ ‬لانعقاد‭ ‬القمم‭ ‬العربية‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬توقف‭ ‬كاد‭ ‬أن‭ ‬يصيبها‭ ‬بالشلل‭. ‬ثم،‭ ‬تواصلت‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وصلت‭ ‬ذروتها‭ ‬بانفتاح‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬عديدة‭ ‬على‭ ‬سوريا‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬صدور‭ ‬قرار‭ ‬عودتها‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬بعد‭ ‬غياب‭ ‬12‭ ‬عاما،‭ ‬وأصبح‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬دعوتها‭ ‬إلى‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬المقرر‭ ‬عقدها‭ ‬في‭ ‬الرياض‭ ‬خلال‭ ‬مايو‭ ‬الجاري،‭ ‬ما‭ ‬أعاد‭ ‬إحياء‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬إمكانية‭ ‬إعادة‭ ‬تنشيط‭ ‬العمل‭ ‬العربي‭ ‬المشترك‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬المحور‭ ‬السعودي‭ ‬‭ ‬المصري،‭ ‬المؤهل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيره‭ ‬لقيادة‭ ‬النظام‭ ‬الإقليمي‭ ‬العربي‭ ‬الرسمي‭ ‬وتفعيله،‭ ‬بات‭ ‬أكثر‭ ‬استعداداً‭ ‬وقابلية‭ ‬للحركة‭.‬

ثانياً‭: ‬الجهود‭ ‬الناجحة‭ ‬التي‭ ‬بذلت‭ ‬لتهدئة‭ ‬الصراعات‭ ‬العربية‭-‬الإيرانية،‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬والصراعات‭ ‬العربية‭-‬التركية،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭. ‬فالجهود‭ ‬التي‭ ‬بذلت‭ ‬لتهدئة‭ ‬الصراعات‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬حظيت‭ ‬بقوة‭ ‬دفع‭ ‬كبيرة‭ ‬عقب‭ ‬قرار‭ ‬الصين‭ ‬الدخول‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬الأزمة‭ ‬بينهما‭ ‬ونجحت‭ ‬في‭ ‬استضافة‭ ‬مؤتمر‭ ‬في‭ ‬بكين،‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬10‭ ‬أبريل‭ ‬الماضي،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬خلق‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬أجواء‭ ‬مواتية‭ ‬لتهدئة‭ ‬حدة‭ ‬الصراعات‭ ‬المشتعلة‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬شملت‭ ‬اليمن‭ ‬وسوريا‭ ‬والعراق‭ ‬ولبنان‭ ‬وغيرها‭.‬

أما‭ ‬الجهود‭ ‬التي‭ ‬بذلت‭ ‬لتهدئة‭ ‬الصراعات‭ ‬مع‭ ‬تركيا‭ ‬فقد‭ ‬حظيت‭ ‬بقوة‭ ‬دفع‭ ‬كبيرة‭ ‬عقب‭ ‬نجاح‭ ‬الجهود‭ ‬التركية‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬تصفير‭ ‬صراعاتها‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬المنطقة،‭ ‬خاصة‭ ‬حين‭ ‬أسفرت‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬عن‭ ‬تبادل‭ ‬الزيارات‭ ‬بين‭ ‬وزيري‭ ‬خارجية‭ ‬مصر‭ ‬وتركيا،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أثمر‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬عن‭ ‬تهدئة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الصراعات‭ ‬الأخرى‭ ‬المشتعلة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬وليبيا‭ ‬وسوريا‭ ‬وغيرها‭.‬

هذه‭ ‬الأجواء‭ ‬التصالحية،‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬قد‭ ‬أتت‭ ‬كل‭ ‬أكلها‭ ‬بعد،‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬مهددة‭ ‬بالتوقف‭ ‬في‭ ‬محطة‭ ‬السودان؛‭ ‬بسبب‭ ‬اشتعال‭ ‬صراع‭ ‬مسلح‭ ‬خطير‭ ‬بين‭ ‬القائد‭ ‬العام‭ ‬للجيش‭ ‬السوداني،‭ ‬الفريق‭ ‬أول‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬البرهان،‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وقائد‭ ‬قوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع،‭ ‬الفريق‭ ‬أول‭ ‬محمد‭ ‬حمدان‭ ‬دقلو‭ (‬حميدتي‭)‬،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬كارثة‭ ‬كبرى‭ ‬ليس‭ ‬لشعب‭ ‬السودان‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬للعالم‭ ‬العربي‭ ‬بأسره،‭ ‬وخاصة‭ ‬أنه‭ ‬صراع‭ ‬مرشح‭ ‬للتصعيد‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬قد‭ ‬يفضي‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬إلى‭ ‬تفكك‭ ‬السودان‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬دويلات‭ ‬أخرى،‭ ‬بعد‭ ‬انفصال‭ ‬الجنوب‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬سابقة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يستطيع‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬أن‭ ‬يحتمله‭ ‬في‭ ‬ظروفه‭ ‬الهشة‭ ‬الراهنة‭.‬

فهذا‭ ‬الصراع‭ ‬المستحدث،‭ ‬والذي‭ ‬يبدو‭ ‬في‭ ‬ظاهره‭ ‬صراعاً‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬بين‭ ‬قيادتين‭ ‬عسكريتين‭ ‬تحركهما‭ ‬طموحات‭ ‬ومطامع‭ ‬شخصية،‭ ‬يخفي‭ ‬وراءه‭ ‬صراعات‭ ‬تاريخية‭ ‬أكثر‭ ‬عمقاً‭ ‬بين‭ ‬قوى‭ ‬السودان‭ ‬المدنية‭ ‬وقواته‭ ‬العسكرية‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وداخل‭ ‬صفوف‭ ‬القوى‭ ‬المدنية‭ ‬نفسها،‭ ‬وبين‭ ‬القوى‭ ‬العلمانية‭ ‬وقوى‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي‭ ‬خاصة‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬التقليدية‭ ‬والقوى‭ ‬الحداثية‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬جهوي‭ ‬وقبلي‭ ‬بين‭ ‬قوى‭ ‬انفصالية‭ ‬تحمل‭ ‬السلاح‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الدولة‭ ‬وقوى‭ ‬وحدوية‭ ‬يجسدها‭ ‬الجيش‭ ‬الوطني‭ ‬السوداني‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ثالثة‭.‬

ولأن‭ ‬السودان‭ ‬دولة‭ ‬متعددة‭ ‬الأعراق‭ ‬والقوميات‭ ‬والثقافات‭ ‬والطوائف‭ ‬والأديان،‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬مدنية‭ ‬ديمقراطية‭ ‬حديثة‭ ‬تتناوب‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬حكمها‭ ‬بطريقة‭ ‬سلمية،‭ ‬فقد‭ ‬اختلطت‭ ‬فيها‭ ‬الصراعات‭ ‬ذات‭ ‬الطبيعة‭ ‬السياسية‭ ‬والأيديولوجية‭ ‬بالصراعات‭ ‬ذات‭ ‬الطبيعة‭ ‬العرقية‭ ‬والقبلية‭ ‬والطائفية‭ ‬والدينية،‭ ‬وتعاقبت‭ ‬عليها‭ ‬انقلابات‭ ‬عسكرية‭ ‬وثورات‭ ‬شعبية‭ ‬عديدة،‭ ‬وانتشرت‭ ‬في‭ ‬أرجائها‭ ‬حركات‭ ‬انفصالية‭ ‬مسلحة‭ ‬كثيرة،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬دارفور‭ ‬وكردفان‭ ‬والنيل‭ ‬الأبيض‭ ‬وغيرها،‭ ‬بل‭ ‬نجحت‭ ‬إحداها‭ ‬في‭ ‬فصل‭ ‬جنوب‭ ‬السودان‭ ‬فعلا‭ ‬منذ‭ ‬عدة‭ ‬سنوات،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تكاد‭ ‬الأبعاد‭ ‬المعقدة‭ ‬والمتشابكة‭ ‬لهذه‭ ‬الصراعات‭ ‬المتداخلة‭ ‬تحيل‭ ‬السودان‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬فاشلة‭.‬

فالحكم‭ ‬العسكري‭ ‬الذي‭ ‬هيمن‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬لما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬6‭ ‬عقود،‭ ‬فشل‭ ‬رغم‭ ‬استبداده‭ ‬الواضح‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬أو‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬ترابه‭ ‬الوطني‭. ‬أما‭ ‬الحكم‭ ‬المدني‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بالسلطة‭ ‬إلا‭ ‬فترة‭ ‬تقل‭ ‬عن‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمان،‭ ‬فقد‭ ‬فشل‭ ‬بدوره‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬نظام‭ ‬ديمقراطي‭ ‬مستدام،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬والأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬هي‭ ‬القوة‭ ‬الأكثر‭ ‬ثقلاً‭ ‬وتأثيراً‭ ‬في‭ ‬معادلته‭ ‬السياسية‭.‬

ولأن‭ ‬السودان‭ ‬دولة‭ ‬مهمة‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬فإن‭ ‬الصراع‭ ‬المسلح‭ ‬الذي‭ ‬يدور‭ ‬فيها‭ ‬حاليا‭ ‬لا‭ ‬يهدد‭ ‬شعب‭ ‬السودان‭ ‬وحده‭ ‬وإنما‭ ‬يهدد‭ ‬مستقبل‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬كله‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬مبالغة‭.‬

كان‭ ‬السودان،‭ ‬وخاصة‭ ‬قبل‭ ‬انفصال‭ ‬الجنوب‭ ‬عنه،‭ ‬يعد‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإفريقية‭ ‬مساحة‭ ‬وما‭ ‬زال،‭ ‬رغم‭ ‬انفصال‭ ‬الجنوب،‭ ‬دولة‭ ‬كبيرة‭ ‬وغنية‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬ملايين‭ ‬الأفدنة‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬القابلة‭ ‬للزراعة‭ ‬والأكثر‭ ‬خصوبة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬بل‭ ‬وينظر‭ ‬إليه‭ ‬باعتباره‭ ‬الدولة‭ ‬العربية‭ ‬الوحيدة‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬احتياجات‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬كله‭ ‬من‭ ‬الغذاء،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬احتوائه‭ ‬على‭ ‬ثروات‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬المعادن‭ ‬والمواد‭ ‬الأولية‭ ‬المهمة،‭ ‬كالذهب‭ ‬والفضة‭ ‬والكروم‭ ‬والنحاس‭ ‬والحديد،‭ ‬والتي‭ ‬لاتزال‭ ‬غير‭ ‬مستغلة‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭.‬

وللسودان‭ ‬أيضاً‭ ‬أهمية‭ ‬استراتيجية‭ ‬كبرى‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الجيوسياسي،‭ ‬بحكم‭ ‬إطلالته‭ ‬الواسعة‭ ‬على‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وقربه‭ ‬من‭ ‬قناة‭ ‬السويس‭ ‬والقرن‭ ‬الإفريقي‭ ‬ومنطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬وباب‭ ‬المندب،‭ ‬وهي‭ ‬طرق‭ ‬رئيسية‭ ‬للتجارة‭ ‬والمواصلات‭ ‬العالمية،‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬سهولة‭ ‬تحوّله‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬للصراع‭ ‬على‭ ‬النفوذ‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬العالمية‭ ‬والإقليمية‭ ‬الكبرى‭.‬

فإذا‭ ‬أضفنا‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تقدم‭ ‬أن‭ ‬السودان،‭ ‬الدولة‭ ‬العضو‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬هو‭ ‬الجسر‭ ‬الأكثر‭ ‬امتداداً‭ ‬داخل‭ ‬العمق‭ ‬الإفريقي،‭ ‬وخاصة‭ ‬دول‭ ‬شرق‭ ‬إفريقيا،‭ ‬لاتضح‭ ‬لنا‭ ‬بصورة‭ ‬أكبر‭ ‬حجم‭ ‬الأهمية‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬للسودان‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬ككل‭. ‬وهنا،‭ ‬تتجلى‭ ‬خطورة‭ ‬الصراع‭ ‬الدائر‭ ‬حالياً،‭ ‬والذي‭ ‬يهدد‭ ‬السودان‭ ‬فعليا‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬التفكك‭.‬

فهذا‭ ‬الصراع،‭ ‬بجذوره‭ ‬التاريخية‭ ‬المتشعبة‭ ‬الأكثر‭ ‬عمقاً،‭ ‬له‭ ‬امتدادات‭ ‬إقليمية‭ ‬مؤثرة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭. ‬فمن‭ ‬شأن‭ ‬تفكك‭ ‬السودان،‭ ‬لا‭ ‬قدر‭ ‬الله،‭ ‬أن‭ ‬يتيح‭ ‬لإثيوبيا‭ ‬الواقعة‭ ‬عند‭ ‬منابع‭ ‬نهر‭ ‬النيل‭ ‬حرية‭ ‬أوسع‭ ‬للتحكم‭ ‬في‭ ‬تدفق‭ ‬مياه‭ ‬النهر،‭ ‬ما‭ ‬سيشكل‭ ‬تهديداً‭ ‬مباشراً‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬المصري،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬القائم‭ ‬حاليا‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬الجناح‭ ‬الغربي‭ ‬لأمن‭ ‬مصر‭ ‬القومي،‭ ‬وسيمكن‭ ‬تأزم‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭ ‬من‭ ‬مواصلة‭ ‬اختراقها‭ ‬للعمقين‭ ‬العربي‭ ‬والإفريقي‭ ‬بسهولة‭ ‬أكبر،‭ ‬وبالتالي‭ ‬الالتفاف‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬تواجهه‭ ‬حالياً‭ ‬من‭ ‬صعوبات‭ ‬أمنية‭ ‬مستحدثة،‭ ‬ما‭ ‬سيتيح‭ ‬لها‭ ‬حضوراً‭ ‬أكبر‭ ‬وأقوى‭ ‬تأثيراً‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬المتاخمة‭ ‬لباب‭ ‬المندب‭.‬

فإذا‭ ‬أضفنا‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كل‭ ‬تقدم‭ ‬أن‭ ‬التفكك‭ ‬المحتمل‭ ‬للسودان‭ ‬سيعرض‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخليجية‭ ‬الكبيرة‭ ‬هناك‭ ‬لمخاطر‭ ‬مؤكدة،‭ ‬لتبين‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬بأسره‭ ‬سيكون‭ ‬الخاسر‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬استمرار‭ ‬الصراع‭ ‬الحالي‭ ‬وتفاقمه،‭ ‬والذي‭ ‬يهدد‭ ‬وحدة‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬القدر‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭.‬

ولذلك‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬مصلحة‭ ‬أي‭ ‬عربي‭ ‬استمرار‭ ‬الصراع‭ ‬المسلح‭ ‬الراهن‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬والذي‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬تفاقمه‭ ‬إلى‭ ‬تهديد‭ ‬السودان‭ ‬بالتفكك‭ ‬الفعلي‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬دويلات‭ ‬متصارعة‭. ‬لذا،‭ ‬على‭ ‬القادة‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬يسارعوا‭ ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬اجتماع‭ ‬قمة‭ ‬عاجل‭ ‬بهدف‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬أرضية‭ ‬مشتركة‭ ‬تسمح‭ ‬ببلورة‭ ‬سياسة‭ ‬موحدة‭ ‬تجاه‭ ‬الأزمة‭ ‬الراهنة‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬وتوليد‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬آليات‭ ‬الضغط‭ ‬لإقناع‭ ‬طرفي‭ ‬الصراع‭ ‬بوقف‭ ‬فوري‭ ‬للقتال‭ ‬المشتعل‭ ‬حالياً،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬جمع‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬السودانية‭ ‬المعنية‭ ‬حول‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬واقعية‭ ‬تفضي‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬هدفين‭ ‬رئيسيين‭:‬

الأول‭: ‬التوحيد‭ ‬الفوري‭ ‬لقوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬داخل‭ ‬الجيش‭ ‬السوداني‭ ‬تحت‭ ‬قيادة‭ ‬موحدة‭.‬

الثاني‭: ‬بدء‭ ‬مرحلة‭ ‬انتقالية‭ ‬تديرها‭ ‬حكومة‭ ‬تكنوقراط‭ ‬متوافق‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف‭ ‬تناط‭ ‬بها‭ ‬مسؤولية‭ ‬إعداد‭ ‬دستور‭ ‬تجرى‭ ‬على‭ ‬أساسه‭ ‬انتخابات‭ ‬رئاسية‭ ‬وبرلمانية‭ ‬متزامنة‭ ‬في‭ ‬أسرع‭ ‬وقت‭ ‬ممكن،‭ ‬باعتبارها‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬لتمكين‭ ‬الجيش‭ ‬السوداني‭ ‬الموحد‭ ‬من‭ ‬التفرغ‭ ‬لأداء‭ ‬مهمته‭ ‬الوحيدة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الأخطار‭ ‬الخارجية‭ ‬الكبيرة‭ ‬المحدقة‭ ‬بها‭.‬

قد‭ ‬يرى‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الأطروحات‭ ‬مجرد‭ ‬أحلام‭ ‬طوباوية‭ ‬بعيدة‭ ‬المنال‭ ‬وغير‭ ‬قابلة‭ ‬للتحقيق،‭ ‬لكني‭ ‬أعتقد‭ ‬أنها‭ ‬الطريق‭ ‬الوحيد‭ ‬لتجنب‭ ‬أخطار‭ ‬كبرى‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تحاصر‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي،‭ ‬وتصر‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬حالة‭ ‬الفوضى‭ ‬التي‭ ‬تسوده‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقد‭ ‬من‭ ‬الزمان‭.‬

وفي‭ ‬تقديري‭ ‬إن‭ ‬السودان‭ ‬وشعبه‭ ‬يستحقان‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬يبذلوا‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬وسعهم‭ ‬لوقف‭ ‬القتال‭ ‬الدائر‭ ‬حالياً،‭ ‬وفتح‭ ‬الطريق‭ ‬نحو‭ ‬تسوية‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬دونها‭ ‬أن‭ ‬يواصل‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬تهدئة‭ ‬الصراعات‭ ‬المشتعلة‭ ‬حالياً‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬وعلى‭ ‬أطرافه‭.‬

 

{ أستاذ‭ ‬العلوم‭ ‬السياسية‭ ‬

بجامعة‭ ‬القاهرة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا