العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الآلاء.. حقوق وواجبات!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٣٠ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

لكل‭ ‬نعمة‭ ‬أنعم‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬العباد‭ ‬عطاء،‭ ‬فللمال‭ ‬عطاء،‭ ‬وللعلم‭ ‬عطاء،‭ ‬وللعقل‭ ‬الراشد‭ ‬عطاء،‭ ‬وللوجاهة‭ ‬عطاء،‭ ‬بل‭ ‬للقبول‭ ‬الذي‭ ‬ينزله‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬عطاء‭!‬

من‭ ‬عطاء‭ ‬المال‭ ‬قبل‭ ‬التصدق‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يحرص‭ ‬العبد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كسبه‭ ‬حلالًا،‭ ‬أي‭ ‬عن‭ ‬الطرق‭ ‬المشروعة‭ ‬التي‭ ‬شرعها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لعباده‭ ‬المؤمنين،‭ ‬وذلك‭ ‬أن‭ ‬العبد‭ ‬حين‭ ‬ينوي‭ ‬إخراج‭ ‬زكاة‭ ‬ماله،‭ ‬فعليه‭ ‬أن‭ ‬يتحرى‭ ‬المال‭ ‬الحلال‭ ‬لأن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬طيب‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬إلا‭ ‬طيبا،‭ ‬ونحن‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬العبد‭ ‬سوف‭ ‬يُسأل‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬عن‭ ‬ماله‭ ‬سؤالين‭ ‬إجباريين،‭ ‬الأول‭: ‬من‭ ‬أين‭ ‬اكتسبه،‭ ‬والسؤال‭ ‬الثاني‭: ‬وفيم‭ ‬أنفقه،‭ ‬يقول‭ ‬صلوات‭ ‬ربي‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه‭: ‬‮«‬لن‭ ‬تزول‭ ‬قدما‭ ‬عبد‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬حتى‭ ‬يُسأل‭ ‬عن‭ ‬عمره‭ ‬فيم‭ ‬أفناه؟‭ ‬وعن‭ ‬علمه‭ ‬فيم‭ ‬فعل‭ ‬فيه؟‭ ‬وعن‭ ‬ماله‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬اكتسبه‭ ‬وفيم‭ ‬أنفقه؟‭ ‬وعن‭ ‬جسمه‭ ‬فيم‭ ‬أبلاه؟‮»‬‭ ‬الحديث‭ ‬صحيح‭ ‬فًي‭ ‬الترغيب‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬علمه،‭ ‬فسوف‭ ‬يُسأل‭ ‬سؤالًا‭ ‬واحدًا‭ ‬وهو‭: ‬ماذا‭ ‬عمل‭ ‬به‭!‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬سوف‭ ‬يُسأل‭ ‬عن‭ ‬عمره،‭ ‬وعن‭ ‬جسمه‭ ‬سؤالا‭ ‬واحدا‭ ‬لكل‭ ‬منهما‭.‬

وللعقل‭ ‬الراشد‭ ‬عطاء،‭ ‬فلا‭ ‬يستعمله‭ ‬ابتداءً‭ ‬في‭ ‬الشر،‭ ‬بل‭ ‬يحرص‭ ‬أشد‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬توجيهه‭ ‬إلى‭ ‬الخير،‭ ‬ويجنبه‭ ‬مزالق‭ ‬الشر‭ ‬والتعدي‭. ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬يتحرى‭ ‬به‭ ‬مواطن‭ ‬النفع‭ ‬العام،‭ ‬فلا‭ ‬خير‭ ‬في‭ ‬عقل‭ ‬يزعم‭ ‬الرشاد‭ ‬ثم‭ ‬يقود‭ ‬صاحبه‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يشين‭ ‬من‭ ‬الأقوال‭ ‬والأفعال‭.‬

والجاه‭ ‬عطاء،‭ ‬ومن‭ ‬عطاء‭ ‬الجاه‭ ‬والسلطان‭ ‬ألا‭ ‬يتوسل‭ ‬به‭ ‬صاحبه‭ ‬ومن‭ ‬وهبه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬شيئًا‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬الوقوف‭ ‬مع‭ ‬الظالمين‭ ‬ضد‭ ‬أصحاب‭ ‬الحقوق،‭ ‬وألا‭ ‬يشفع‭ ‬به‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يسيء‭ ‬إلى‭ ‬دينه‭ ‬وأمته،‭ ‬بل‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يسارع‭ ‬ودون‭ ‬توانٍ‭ ‬إلى‭ ‬نجدة‭ ‬المظلومين‭ ‬وإنصاف‭ ‬أصحاب‭ ‬الحقوق‭.‬

أما‭ ‬عن‭ ‬عطاء‭ ‬العلم،‭ ‬فله‭ ‬أن‭ ‬يحصله‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وعاء‭ ‬يخرج‭ ‬منه،‭ ‬لأن‭ ‬الحكمة‭- ‬وهي‭ ‬جماع‭ ‬كل‭ ‬خير‭- ‬ضالة‭ ‬المؤمن‭ ‬أنى‭ ‬وجدها،‭ ‬فهو‭ ‬أحق‭ ‬الناس‭ ‬بها‭ ‬لأنه‭ ‬يملك‭ ‬من‭ ‬موازين‭ ‬العدل‭ ‬والإنصاف‭ ‬ما‭ ‬يسدد‭ ‬خطاه،‭ ‬ويصحح‭ ‬توجهاته،‭ ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬فله‭ ‬أن‭ ‬يجمع‭ ‬رحيق‭ ‬العلم‭ ‬من‭ ‬بساتين‭ ‬المعرفة‭.‬

إذًا،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬لصاحب‭ ‬النعم‭ ‬حقوق،‭ ‬فإن‭ ‬عليه‭ ‬واجبات‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يؤديها‭ ‬من‭ ‬زكاة‭ ‬مشروعة،‭ ‬وحقوق‭ ‬أخرى‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬الزكاة‭ ‬تجبر‭ ‬النقص‭ ‬أو‭ ‬العجز‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تف‭ ‬الزكاة‭ ‬بحاجات‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬ذكرتهم‭ ‬آية‭ ‬الصدقات،‭ (‬60‭) ‬في‭ ‬سورة‭ ‬التوبة،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬وفي‭ ‬أموالهم‭ ‬حق‭ ‬للسائل‭ ‬والمحروم‭) ‬الذاريات‭ / ‬19‭. ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬بأنه‭ ‬معلوم،‭ ‬بل‭ ‬ترك‭ ‬فضاءه‭ ‬مفتوحًا‭ ‬ليلبي‭ ‬حاجة‭ ‬ولاة‭ ‬الأمر‭ ‬عند‭ ‬الحاجة‭ ‬إليه‭. ‬أما‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬المعارج‭: (‬وفي‭ ‬أموالهم‭ ‬حق‭ ‬معلوم‭ (‬24‭) ‬للسائل‭ ‬والمحروم‭ (‬25‭)) ‬وهذا‭ ‬وصف‭ ‬آخر،‭ ‬أو‭ ‬اسم‭ ‬آخر‭ ‬للزكاة‭ ‬المشروعة‭.‬

والعجيب‭ ‬أن‭ ‬الواجبات‭ ‬تسبق‭ ‬الحقوق‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬أعطى‭ ‬بعض‭ ‬الحقوق‭ ‬للمزكي‭ ‬تشجيعًا‭ ‬له،‭ ‬واستنهاضًا‭ ‬لهمته‭ ‬ليعزم‭ ‬على‭ ‬الوفاء‭ ‬بما‭ ‬عقد‭ ‬عليه‭ ‬العزم،‭ ‬وأن‭ ‬يحرص‭ ‬أشد‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يفي‭ ‬بما‭ ‬عاهد‭ ‬الله‭ ‬عليه،‭ ‬فأعطاه‭ ‬نعمة‭ ‬الكسب‭ ‬الحلال،‭ ‬ونعمة‭ ‬البركة‭ ‬في‭ ‬ماله‭ ‬وفي‭ ‬صحته،‭ ‬وفي‭ ‬راحة‭ ‬باله،‭ ‬وله‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يوفي‭ ‬بعهده‭ ‬مع‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عطاء‭ ‬آخر‭ ‬أعظم‭ ‬أمرًا،‭ ‬وأوفى‭ ‬قدرًا،‭ ‬وسوف‭ ‬يجد‭ ‬سعادة‭ ‬في‭ ‬شعوره‭ ‬أنه‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬تخفيف‭ ‬بعض‭ ‬معاناة‭ ‬أصحاب‭ ‬الحقوق‭ ‬الذين‭ ‬ذكرتهم‭ ‬آية‭ (‬60‭) ‬من‭ ‬سورة‭ ‬التوبة‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬إنما‭ ‬الصدقات‭ ‬للفقراء‭ ‬والمساكين‭ ‬والعاملين‭ ‬عليها‭ ‬والمؤلفة‭ ‬قلوبهم‭ ‬وفي‭ ‬الرقاب‭ ‬والغارمين‭ ‬وفي‭ ‬سبيل‭ ‬الله‭ ‬وابن‭ ‬السبيل‭ ‬فريضة‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬والله‭ ‬عليم‭ ‬حكيم‭).‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬ذكرتهم‭ ‬سورة‭ ‬التوبة‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الحقوق‭ (‬التوبة‭ / ‬60‭) ‬في‭ ‬أموال‭ ‬الأغنياءً‭ ‬فما‭ ‬حقوق‭ ‬أصحاب‭ ‬المال‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬ولأن‭ ‬الفقراء‭ ‬والمساكين‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬مالًا‭ ‬ولا‭ ‬جاهًا‭ ‬وليس‭ ‬إلا‭ ‬الدعاء،‭ ‬فالله‭ ‬تعالى‭ ‬قد‭ ‬جمع‭ ‬ما‭ ‬يعود‭ ‬على‭ ‬الأغنياء‭ ‬من‭ ‬خير‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬خذ‭ ‬من‭ ‬أموالهم‭ ‬صدقة‭ ‬تطهرهم‭ ‬وتزكيهم‭ ‬بها‭ ‬وصل‭ ‬عليهم‭ ‬إن‭ ‬صلاتك‭ ‬سكن‭ ‬لهم‭ ‬والله‭ ‬سميع‭ ‬عليم‭) ‬التوبة‭ / ‬103‭.‬

إذًا،‭ ‬فمن‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬يحصل‭ ‬عليها‭ ‬المزكي‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: ‬قوله‭ ‬سبحانه‭: (‬تطهرهم‭ ‬وتزكيهم‭ ‬بها،‭ ‬وصل‭ ‬عليهم‭)! ‬والتطهير‭ ‬هنا‭ ‬هو‭ ‬تطهير‭ ‬القلب‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬المال،‭ ‬وتطهير‭ ‬المال‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬شابه‭ ‬من‭ ‬شوائب،‭ ‬ثم‭ ‬تطهير‭ ‬قلوب‭ ‬الفقراء‭ ‬والمساكين‭ ‬من‭ ‬الحسد‭ ‬والبغضاء،‭ ‬ثم‭ ‬يندرج‭ ‬تحت‭ ‬وتزكيهم‭ ‬بها،‭ ‬تزكية‭ ‬في‭ ‬المال‭ ‬بزيادة‭ ‬قوته‭ ‬الشرائية،‭ ‬ثم‭ ‬العطاء‭ ‬الأعظم‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬وصل‭ ‬عليهم‭: ‬أي‭ ‬ادع‭ ‬لهم‭ ‬يا‭ ‬محمد‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬ودعاء‭ ‬الرسول‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬مقبول‭ ‬لا‭ ‬محالة،‭ ‬فانظر‭ ‬عزيزي‭ ‬المؤمن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬البركات‭ ‬والأعطيات‭ ‬التي‭ ‬تبدأ‭ ‬قبل‭ ‬الزكاة‭ ‬وبعدها،‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬عطاء‭ ‬قبل‭ ‬العمل‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬لأن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬يعطي‭ ‬على‭ ‬النيات‭.‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬الإسلام،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬نظرته‭ ‬إلى‭ ‬المال،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬دور‭ ‬المال‭ ‬ووظيفته‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسلامي‭ ‬من‭ ‬رعاية‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا