العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الرؤية السعودية 2030 والنهوض بالتعليم الأهلي.. كليات عنيزة مثالا (2)

بقلم: د. أسعد حمود السعدون {

الخميس ٢٧ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬شهد‭ ‬نشوء‭ ‬أول‭ ‬الجامعات‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬حيث‭ ‬أسس‭ ‬الخليفة‭ ‬العباسي‭ ‬المأمون‭ ‬جامعة‭ (‬مدرسة‭ ‬المعرفة‭) ‬ببغداد‭ ‬عام‭ ‬825م،‭ ‬ثم‭ ‬تأسست‭ ‬جامعة‭ ‬القرويين‭ ‬بفاس‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬عام‭ ‬859م،‭ ‬والتي‭ ‬أنشئت‭ ‬كمؤسسة‭ ‬تعليمية‭ ‬لجامع‭ ‬القرويين،‭ ‬وأسست‭ ‬جامعة‭ ‬الأزهر‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬عام‭ ‬988م،‭ ‬ثم‭ ‬الجامعة‭ ‬المستنصرية‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬التي‭ ‬أسسها‭ ‬الخليفة‭ ‬العباسي‭ ‬المستنصر‭ ‬بالله‭ ‬عام‭ ‬1233م‭ ‬بمسمى‭ ‬المدرسة‭ ‬المستنصرية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬إشكالات‭ ‬وتباينات‭ ‬عديدة،‭ ‬منها‭ ‬تقليدية‭ ‬هياكل‭ ‬التعليم‭ ‬الجامعي‭ ‬ومؤسساته،‭ ‬وما‭ ‬يرتبط‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬نظم‭ ‬دراسية‭ ‬وبرامج‭ ‬وأساليب‭ ‬تدريس،‭ ‬وافتقاره‭ ‬إلى‭ ‬المرونة‭ ‬والديناميكية‭ ‬في‭ ‬مسايرة‭ ‬التطورات‭ ‬العلمية‭ ‬والتقنية‭ ‬المعاصرة،‭ ‬وضعف‭ ‬إدارات‭ ‬التعليم‭ ‬الجامعي‭ ‬الحكومي‭ ‬وخضوعها‭ ‬للاعتبارات‭ ‬الحكومية‭ ‬التقليدية‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬الدولة،‭ ‬وغياب‭ ‬الرؤية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لدور‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬وضعف‭ ‬قدرة‭ ‬مؤسسات‭ ‬التعليم‭ ‬الجامعي‭ ‬الحكومي‭ ‬في‭ ‬تأهيل‭ ‬مخرجاتها‭ ‬بما‭ ‬يواكب‭ ‬المتطلبات‭ ‬المتنامية‭ ‬لسوق‭ ‬العمل،‭ ‬ولم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬الإسهام‭ ‬الفعال‭ ‬في‭ ‬صناعته،‭ ‬ومحدودية‭ ‬التنوع‭ ‬في‭ ‬مواردها‭ ‬المالية،‭ ‬وضعف‭ ‬قدرتها‭ ‬في‭ ‬التحول‭ ‬إلى‭ ‬جامعات‭ ‬ريادية‭ ‬منتجة،‭ ‬وعدم‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬استيعاب‭ ‬تنامي‭ ‬أعداد‭ ‬الطلاب‭ ‬خريجي‭ ‬الدراسة‭ ‬الثانوية،‭ ‬ما‭ ‬نجم‭ ‬عنه‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬العشرين‭ ‬الماضية‭ ‬توسع‭ ‬ملحوظ‭ ‬في‭ ‬أعداد‭ ‬الجامعات‭ ‬والكليات‭ ‬الأهلية‭ ‬التي‭ ‬تعرف‭ ‬بأنها‭ ‬مؤسسات‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬التـي‭ ‬يقوم‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬بتأسيسها‭ ‬وتمويلها‭ ‬وإدارتها،‭ ‬ويلتحق‭ ‬بها‭ ‬الطلبة‭ ‬مقابـل‭ ‬رسوم‭ ‬دراسية‭ ‬تؤخذ‭ ‬مـن‭ ‬المستفيدين‭ ‬من‭ ‬خدماتها‭ ‬التعليمية‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬الطلاب‭ ‬أنفسهم‭ ‬أو‭ ‬الجهات‭ ‬المانحة،‭ ‬وتعمل‭ ‬وفقا‭ ‬للقوانين‭ ‬والنظم‭ ‬السارية‭ ‬في‭ ‬الدولة،‭ ‬ونشأت‭ ‬كاستجابة‭ ‬طبيعية‭ ‬لسد‭ ‬الفجوة‭ ‬بين‭ ‬الطلب‭ ‬المرتفع‭ ‬على‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬والطاقة‭ ‬الاستيعابية‭ ‬المحدودة‭ ‬نسبيا‭ ‬للجامعات‭ ‬الحكومية،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬مواكبة‭ ‬سياسات‭ ‬التخصيص‭ ‬والعولمة‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬العالم‭. ‬وقد‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬الجامعات‭ ‬الأهلية‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬عام‭ ‬1950‭ ‬أربع‭ ‬جامعات‭ ‬فقط،‭ ‬وارتفع‭ ‬عام‭ ‬1973‭ ‬إلى‭ (‬8‭) ‬جامعات،‭ ‬وبلغ‭ ‬عام‭ ‬1996‭ ‬نحو‭ (‬26‭) ‬جامعة،‭ ‬وارتفع‭ ‬عام‭ ‬2003‭ ‬إلى‭ (‬77‭) ‬جامعة،‭ ‬وبلغ‭ ‬نحو‭ (‬180‭) ‬جامعة‭ ‬عام‭ ‬2013‭ ‬وقفز‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬إلى‭ (‬379‭) ‬جامعة‭.‬

وتشير‭ ‬المسوحات‭ ‬المتاحة‭ ‬للتعليم‭ ‬العالي‭ ‬الأهلي‭ ‬العربي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬الجامعات‭ ‬والكليات‭ ‬الأهلية‭ ‬تركز‭ ‬تخصصاتها‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬العلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والإنسانية‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬الإدارة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والقانون‭ ‬واللغات‭ ‬وغيرها،‭ ‬ومنها‭ ‬من‭ ‬أسست‭ ‬كمعاهد‭ ‬تدريبية‭ ‬وتعليمية‭ ‬ثم‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬كليات،‭ ‬وأخرى‭ ‬أسست‭ ‬كفروع‭ ‬لجامعات‭ ‬أجنبية‭ ‬عريقة‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬تعكس‭ ‬علمية‭ ‬ومنهجية‭ ‬وكفاءة‭ ‬الجامعة‭ ‬الأم‭ ‬تماما‭ ‬وإنما‭ ‬تتأثر‭ ‬ببيئة‭ ‬ونظم‭ ‬التعليم‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬العربية،‭ ‬ويتميز‭ ‬التعليم‭ ‬الجامعي‭ ‬الأهلي‭ ‬عن‭ ‬التعليم‭ ‬الجامعي‭ ‬العام‭ ‬بطبيعة‭ ‬القاعدة‭ ‬المالية،‭ ‬حيث‭ ‬تتحمل‭ ‬مؤسسات‭ ‬التعليم‭ ‬الأهلي‭ ‬أعباء‭ ‬تمويلها،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬اختلاف‭ ‬الحوكمة‭ ‬والإدارة‭ ‬الداخلية،‭ ‬واختلاف‭ ‬العلاقة‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الحكومة‭ ‬والهيئات‭ ‬العامة،‭ ‬والتمايز‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتخطيط‭ ‬المؤسسي،‭ ‬وسياسات‭ ‬استقطاب‭ ‬أعضاء‭ ‬الهيئة‭ ‬التدريسية‭ ‬والموظفين،‭ ‬حيث‭ ‬يعانون‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬من‭ ‬الجامعات‭ ‬الأهلية‭ ‬من‭ ‬غياب‭ ‬الضمان‭ ‬والاستقرار‭ ‬الوظيفي،‭ ‬وارتفاع‭ ‬مؤشر‭ ‬دوران‭ ‬العمل،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬ينعكس‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬الأهلي،‭ ‬وغياب‭ ‬التكامل،‭ ‬ومحدودية‭ ‬التعاون‭ ‬وتقسيم‭ ‬العمل‭ ‬بين‭ ‬التعليم‭ ‬الجامعي‭ ‬الأهلي‭ ‬والتعليم‭ ‬الجامعي‭ ‬الحكومي‭. ‬

وقد‭ ‬كان‭ ‬هدف‭ ‬تحقيق‭ ‬أقصى‭ ‬الأرباح‭ ‬هو‭ ‬الدافع‭ ‬الرئيسي‭ ‬للمستثمرين‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يجعل‭ ‬قسما‭ ‬من‭ ‬الملاك‭ ‬يتدخلون‭ ‬في‭ ‬سياساتها‭ ‬المالية‭ ‬والتعليمية‭ ‬بما‭ ‬يحقق‭ ‬الأهداف‭ ‬الربحية‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬تقاطعت‭ ‬مع‭ ‬رؤية‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬التعليم‭ ‬العالي‭ ‬الأهلي‭ ‬رافدا‭ ‬حيويا‭ ‬مساندا‭ ‬للتعليم‭ ‬العالي‭ ‬الحكومي‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬البنى‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والعلمية‭ ‬والإسهام‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬أعداد‭ ‬الجامعات‭ ‬والكليات‭ ‬الأهلية‭ ‬فإنها‭ ‬تعد‭ ‬صغيرة‭ ‬الحجم‭ ‬وطاقاتها‭ ‬الاستيعابية‭ ‬للطلبة‭ ‬محدودة‭ ‬جدا،‭ ‬وأغلب‭ ‬طلبتها‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬الحاصلين‭ ‬على‭ ‬تقديرات‭ ‬أكاديمية‭ ‬متدنية،‭ ‬ولم‭ ‬يحصلوا‭ ‬على‭ ‬فرص‭ ‬للقبول‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬أو‭ ‬البعثات‭ ‬الحكومية،‭ ‬وآخرين‭ ‬ممن‭ ‬التحقوا‭ ‬بالجامعات‭ ‬الحكومية‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يتمكنوا‭ ‬من‭ ‬مواصلة‭ ‬الدراسة‭ ‬فيها‭ ‬بسبب‭ ‬الرسوب‭ ‬أو‭ ‬الانسحاب‭ ‬أو‭ ‬غيره،‭ ‬أو‭ ‬أنهم‭ ‬موظفون‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬العمل‭ ‬ولديهم‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬إكمال‭ ‬دراستهم‭ ‬الجامعية‭. ‬

وتشهد‭ ‬الجامعات‭ ‬الأهلية‭ ‬تباينا‭ ‬واضحاً‭ ‬في‭ ‬مستواها‭ ‬العلمي‭ ‬والتزامها‭ ‬بمتطلبات‭ ‬الجودة‭ ‬والرصانة‭ ‬الأكاديمية،‭ ‬فمنها‭ ‬من‭ ‬شهد‭ ‬تقدما‭ ‬سريعاً‭ ‬مواكبا‭ ‬للتطورات‭ ‬العلمية‭ ‬والتربوية‭ ‬والتقنية‭ ‬وامتلك‭ ‬أدوات‭ ‬فاعلة‭ ‬في‭ ‬الارتقاء‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التعليم‭ ‬والبحث‭ ‬العلمي‭ ‬والتأثير‭ ‬الإيجابي‭ ‬على‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬وخدمة‭ ‬المجتمع‭ ‬وإكساب‭ ‬الطلاب‭ ‬المهارات‭ ‬التي‭ ‬تمكنهم‭ ‬من‭ ‬المنافسة‭ ‬بكفاءة‭ ‬على‭ ‬الوظائف،‭ ‬ومنها‭ ‬من‭ ‬لم‭ ‬يحقق‭ ‬ذلك‭. ‬

وللموضوع‭ ‬بقية‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬قادم‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭.‬

{ أكاديمي‭ ‬وخبير‭ ‬اقتصادي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا