العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

لمحات من تاريخ العمل المصرفي في مملكة البحرين

بقلم: يوسف صلاح الدين

السبت ٠٤ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

بدعوة كريمة من هيئة البحرين للثقافة والآثار قدمت محاضرة في مكان تاريخي رائع وهو متحف موقع قلعة البحرين والذي يعد واحدا من المعارض الأثرية المهمة في المنطقة، ويوثق فترات تاريخية عديدة، فقد كانت المنطقة في فترة من الفترات عاصمة لحضارة دلمون العريقة، ويصنف الموقع الآن باعتباره من مواقع التراث العالمي لليونسكو، ما جعلني أسترجع قولا جميلا عن أهمية التاريخ:

من لم يع التاريخ في سره

لم يدر حلو العيش من مره

ومن وعى أخبار من قد مضى

أضاف أعمارا إلى عمره 

كانت ومازالت مملكة البحرين من الدول السباقة بالمنطقة في كثير من المجالات ومنها العمل المصرفي، وهناك الكثير من الأحداث المشوقة التي سبقت النجاحات الكبيرة في مجال الصناعة المصرفية والمالية منذ افتتاح فرع البنك الشرقي المحدود ويعرف حاليا ببنك ستاندرد تشارترد بمدينة المنامة في عام 1920، بقيام البنك الإمبراطوري البريطاني الإيراني في طهران بفتح مكتب تجريبي صغير بالمنامة في عام 1900 وأغلق بعد شهرين لأن بعض التجار الأجانب أقنعوا المسؤولين بعدم تشجيع ذلك البنك لأسباب عديدة وأهمها منافستهم، وقول آخر إن البنك رغم وجوده لم يحصل على موافقة المغفور له بإذن الله صاحب العظمة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين آنذاك لفتح البنك ما أدى إلى فشل تلك المحاولة، وبعد 16 عاما، طلب البنك الشرقي المحدود والذي تأسس في عام 1909 باسم البنك البريطاني عبر البحار وله فروع في بومباي وبغداد والبصرة فتح فرع له في البحرين يتبع فرع البصرة ووصل إلى البحرين المستر ماكفيل مبعوث البنك إلى البحرين في فبراير1917 لزيارة الحاكم ولكنه لم يوفق في مسعاه، حيث عارض التجار البحرينيون والأجانب مرة أخرى فتح فرع للبنك في البداية ولكن بعد محاولات من المقيم السياسي البريطاني لشرح فوائد البنك، تقدم مجموعة من التجار البحرينيين بعريضة للحاكم لتأسيس بنك في عام 1918 وفي يناير 1920 أبدى البنك الشرقي مرة أخرى استعداده لفتح الفرع ونجح في مسعاه وزاول أعماله في 15 يونيو وافتتح رسميا في 1 يوليو 1920 وقول آخر بافتتاح البنك في 3 يوليو 1920 وزاول العمل في 29 يوليو 1920 وتعهد البنك للحاكم بأن تكون معاملاته لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية وبرأسمال مليونا روبية مودعة بخزائن حديدية واستطاع البنك تقديم خدمات مصرفية أمنة وحديثة وسهلة للأفراد والتجار والمقيمين من إرسال واستقبال وإيداع وحفظ الأموال وكانت تلك خطوة موفقة ومتميزة نحو تطور البحرين في تقديم وتسهيل وتنفيذ المشاريع وتحويل الأموال وبقي البنك محتكرا تلك الخدمات مدة 26 عاما واستطاع خلالها أن ينافس ويحل محل رجال الأعمال والتجار الذين كانوا يقدمون نفس الخدمات قبل تأسيس البنك، ومن الأشياء الطريفة احتفاظ الناس بالأموال والمقتنيات الثمينة في صناديق خشبية أو حديدية ودفنها إذا كانت كبيرة الحجم في حفرة في داخل البيت أو في الجدار، إذا كانت صغيرة الحجم أو وضعها في خزينة والمعروفة بتجوري أو تسليمها إلى أحد التجار أو الأشخاص المعروفين بالثقة والنزاهة لحفظها وكانت أغلب المعاملات تتم من غير الحصول على وصل أمانة فقد كان الناس يتعاملون بالثقة المطلقة وفي حالة طلب أحد التجار تحويل مبالغ مالية إلى الخارج فيكون عن طريق أشخاص معروفين في البلاد لهم فروع أو اتصالات أو وكلاء أو أبناء أو أقارب في الهند والدول المجاورة، أي إنهم مؤسسات أو شركات متعددة الجنسيات، حيث يسلم التاجر المبلغ مقدما إلى هؤلاء التجار وتسلمه في البلد الآخر وكان بإمكان التاجر البحريني في الهند أو أي مكان آخر، استلاف مبلغ لشراء البضائع وتسديده عند رجوعه إلى البحرين وبيع البضائع.

ومن أهم الأشخاص الذين كانت لهم مساهمات مهمة في الخدمات التجارية والمالية في داخل وخارج البحرين قبل فتح البنك الشرقي الوجيه المعروف يوسف بن أحمد كانو، حيث يعد أول مصرفي في البحرين فقد استورد خزانة فولاذية من نوع غودريدج من إنجلترا مجهزة بباب فولاذي ضخم وخصص حارسا ليجلس خارجها وبذلك تمكن من حفظ الوثائق وصكوك البيع والشراء والأموال والمقتنيات الثمينة للأفراد وتجار اللؤلؤ بأمان وباب هذه الخزانة محفوظ اليوم لدى متحف البحرين الوطني وكان يقوم بتسجيل كل الموجودات في دفاتر حسابات كي لا يضيع حق أحد وكان تجار اللؤلؤ يفتحون حسابا في البحرين والهند أو أي مكان آخر وله وكلاء ويودعون ويتسلمون ويرسلون الأموال وكما كان يدخل في مشاريع استثمارية مثل تمويل سفن استخراج اللؤلؤ.

ونتيجة التطور الاقتصادي واكتشاف النفط وتوسع الأعمال، قام البنك الإمبراطوري مرة أخرى بفتح فرع له بمدينة المنامة في عام 1946 ليصبح بذلك ثاني بنك في البلاد وغير اسمه إلى البنك البريطاني وإيران والشرق الأوسط في عام 1950 وبعدها إلى البنك البريطاني للشرق الأوسط في عام 1953 ويعرف الآن باسم أتش أس بي سي HSBC، كان لازدياد الأعمال المصرفية واحتكارها من قبل البنكين الأجنبيين، أن طلب بعض التجار البحرينيين من المغفور له بإذن الله صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين آنذاك تأسيس بنك بحريني منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي ويقال إن السيد تشالز بلغريف مستشار حكومة البحرين عارض تأسيس البنك بدعوى صغر السوق التجاري وعدم وجود خبرة لدى التجار البحرينيين، ولكن تواصل التجار مع الحاكم الذي كان يتمتع بالبصيرة والانفتاح وبعد النظر والاهتمام بالأمور الاقتصادية والحضارية، أدى إلى السماح بتأسيس بنك البحرين في عام 1957 ليصبح بذلك ثالث بنك ويعرف الآن ببنك البحرين الوطني ويعد من أهم البنوك البحرينية وكما فتح البنك العربي المحدود فرعا في عام 1960 ليصبح بذلك رابع بنك وبعدها توالت البنوك المحلية والعالمية في فتح فروع لها ومن ضمنها تأسيس بنك البحرين والكويت في 16 مارس 1971 بموجب مرسوم أميري ورعاية سامية من قبل المغفور له بإذن الله صاحب السمو الأمير عيسى بن سلمان آل خليفة حاكم البحرين آنذاك وأخيه المغفور له بإذن الله صاحب السمو الشيخ صباح السالم الصباح حاكم الكويت آنذاك، وبدأ البنك أعماله المصرفية في العام التالي وبرأسمال 1 مليون دينار بحريني ليصبح واحداً من أكبر البنوك التجارية في مملكة البحرين، مع امتلاكه قاعدة رأسمالية تبلغ 303.9 ملايين دينار بحريني وقبل فترة احتفل البنك بمرور خمسين عاما على تأسيسه ويعرف الآن اختصارا باللغة الإنجليزية بي بي كيه ومساهموه من المواطنين وحكومة البحرين وشركات الاستثمار والبنوك في الكويت ويعمل البنك حاليا في: البحرين والكويت والهند ودولة الإمارات العربية المتحدة، وكان تأسيس البنك بحد ذاته حدثا تاريخيا في وقته، بكونه أول بنك بحريني بملكية خليجية مشتركة بين البحرين والكويت، وخاصة أن دولة الكويت لم تكن تسمح بإعطاء رخص لفتح بنوك غير كويتية، ولكنها أعطت الاستثناء الأول لهذا البنك لفتح فرع له في أراضيها.

ونظرا إلى ما تمتلكه البحرين من سمعة كمركز تجاري عريق وبلد منفتح على العالم، فقد شهدت البحرين حركة اقتصادية متسارعة النمو في جميع الأوجه وخاصة الإقبال الشديد للبنوك وشركات التأمين ومصارف الاستثمار لاستكشاف فرص العمل والاستثمار في البحرين، وشهدت الفترة خلال الأعوام 1968 إلى 1972 تأسيس نحو سبعة مصارف عالمية وخليجية، وانطلاقا من هذه الريادة المصرفية، والتطور الهائل في مجمل الخدمات المصرفية بالبلاد خلال العقدين الأخيرين، فإن البحرين تعتبر من الدول السباقة في تجربة العمل المصرفي الإسلامي، وتعد الأولى عربيا من حيث عدد المصارف المدرجة على قائمة أكبر 60 مصرفا إسلاميا بعدد يصل إلى 11 مصرفا، علاوة على تقديم الخدمات البنكية الحديثة عبر التقنيات الرقمية (الفينتك) والتي أطلقتها مملكة البحرين عام 2018 فيما عُرف بـ«خليج البحرين للتكنولوجيا المالية»، وتحت رعاية كريمة من المغفور له بإذن الله صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء آنذاك، تم الاحتفال بمرور مئة عام على تأسيس القطاع المصرفي في مملكة البحرين والتي أصبحت مركزا مهما للأسواق المالية في المنطقة ووجهة مفضلة لكبرى المؤسسات المالية حول العالم بفضل الدور الرائد الذي قام به سموه في رسم ملامح النهضة الاقتصادية التي شهدتها المملكة طوال تاريخها الحديث، من تطور في قطاع الخدمات، وإرساء وصياغة سياسات التنمية الشاملة، مما يظهر جليا الاهتمام الذي توليه القيادة الحكيمة في مختلف الفترات في دعم القطاع المصرفي، من خلال التوجيهات السامية من قبل حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم المتواصلة والدائمة لتثبيت دعائم وتطوير الاقتصاد الوطني، والارتقاء بقواعده وخططه، وبدعم ومساندة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين رئيس مجلس الوزراء، ما جعل مملكة البحرين، موطنا لأكثر من 380 مؤسسة مالية مرخصة، بفضل تهيئة الحكومة الموقرة البنية التشريعية والفنية الداعمة لنجاح الاستثمار، مما ساهم في تطوير الصناعة المصرفية في المملكة بشكل سريع وأصبحت من أقوى القطاعات الداعمة للاقتصاد الوطني بعد القطاع النفطي، حيث إن القطاع المصرفي يسهم بما يعادل 17% من الناتج المحلي الإجمالي.

أتمنى من الجهات الحكومية المختصة والمصارف والمؤسسات المالية في مملكة البحرين إنشاء متحف لتدوين وتوثيق الإصدارات والصور والمراسلات والوثائق وكشوف الحسابات والشيكات ودفاتر التوفير المتداولة منذ التأسيس وبداية المعاملات وخاصة البنك الشرقي المحدود والذي كان في وقت من الأوقات بمثابة البنك المركزي وذلك قبل إنشاء مجلس النقد والذي تغير اسمه إلى مؤسسة النقد والآن مصرف البحرين المركزي وكذلك بنك أتش أس بي سي لأنهما يمتلكان أقدم الأرشيفات التي تغطي فترات مهمة من تاريخ مملكة البحرين وكذلك هناك أحداث مهمة ومشوقة عن تغيير لون عملة الروبية الهندية من اللون الأزرق إلى الأحمر الخاصة لمنطقة الخليج العربي وبعد سنوات تم تغييرها إلى الدينار البحريني في عام 1965 ومراحل تأسيس بنوك الأوف شور والبنوك الإسلامية، حيث كانت البحرين أول دولة في المنطقة تتبنى بنوك الأوف شور وتعني عبر الشاطئ أو خارج الحدود للإشارة إلى تمركز البنك في بلد معين، وينفذ أعمالا في بلد آخر يخضع لسيادة دولة أخرى وكذلك بداية فتح البنوك الإسلامية، حيث يعد بنك البحرين الإسلامي والذي أسس في عام 1979 أول بنك إسلامي في البحرين والرابع إقليميا.

yousufsalahuddin@gmail.com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا