يحلو للجميع مع بداية كل عام أن يكتب ويصمم برامج وأفكارا حول التخطيط الشخصي للعام الجديد، ويضع الأهداف والعديد من الأفكار بهدف واحد هو أن يستغل أيامه في السنة المقبلة بأفضل ما يمكن من أجل تحقيق تلك الأهداف وتطوير الذات، وينتهي العام، وتتكشف الأوراق فيجد المرء أنه لم يحقق إلا جزءا يسيرا من تلك الأهداف، فإن كان هذا الإنسان متفائلاً فإنه سيعاود في وضع خطة وأهداف للسنة التالية، وإن لم يكن كذلك فإنه سيرمي كل تلك الأوراق والأقلام بعيدًا فلا يضع خطة ولا يحاول أن يرسم أهدافا.
وجدنا خلال رحلتنا في السنوات الخمس الماضية، أن من يضع الخطط والأهداف، وحتى الذي يقدمون دورات تدريبية سنوية بعنوان (خطط لحياة أفضل في السنة القادمة)، أو ما شابه ذلك من عناوين براقة تنقصهم فكرة واحدة ربما يتجاهلونها أو ينسونها، وهي أنهم يحسبون أن من يضع الخطط الشخصية لا تنقصه العزيمة والإصرار للمضي قدمًا في تحقيق أهدافه وتنفيذ خططه، لذلك فإنهم يتحدثون من منطلق مثالي بعيدًا عن الضعف الإنساني الذي يضغط على الإنسان بين الفينة والأخرى. لذلك ومن خلال السنوات الخمس الماضية وعبر العديد من الاستشارات التي قدمناها للأفراد والمؤسسات وجدنا أنه يمكن إحراز الكثير من التقدم في تحقيق الخطط سواء الشخصية أو المؤسسية، وذلك من خلال الالتزام ببعض التوصيات الصغيرة في الكلمات الكبيرة في المضمون، وما سنحاول أن نقدمه في هذا المقال ما هو إلا جزء من تلك التوصيات، وهي كالتالي:
1. التقليل من النوم؛ نعرف جميعًا أن النوم ضرورة حياتية لا بد منها، وذلك من أجل استعادة الصحة الجسمية والعقلية، فالنوم له دور كبير في تعزيز الأداء اليومي وتحسين جودة الحياة. ولقد نشرت دراسات كثيرة وكتب عديدة توضح أهمية النوم للإنسان، ووجدت تلك الدراسات أنه لا ينبغي أن تزيد فترة النوم عن 8 ساعات في اليوم، وخاصة للبالغين، ولكن وجدنا أن جزءًا كبيرًا من ساعات عديد من البشر تضيع في النوم، فهو ينام ساعات طويلة سواء في الليل أو في النهار، غير مهتم بالوقت أو قيمته. فبالإضافة إلى الآثار الصحية السلبية للنوم الكثير والطويل فإنه يسبب الخمول والكسل وضعف التركيز والإنتاجية، والانتباه واتخاذ القرارات، فهل مثل هذا الإنسان يمكنه تحقيق وتنفيذ خطته السنوية؟
2. القراءة السريعة؛ دائمًا ننصح بالقراءة، فللقراءة كما نعلم فوائد كثيرة جدًا، وهذا أمر مفروغ منه، وإن كنا لا نرغب أبدًا من التقليل من شأن القراءة والوقت الذي يقضيه الإنسان في القراءة وكمية المادة المقروءة، إلا إنه في هذا العصر السريع يمكننا أن نتعلم القراءة السريعة من أجل تقليل الوقت في قراءة كثير من المواد غير المهمة والتي يمكن الاستغناء عنها وعدم قراءتها. فبرامج التواصل الاجتماعي يمكن أن يخضع للقراءة السريعة، وبعض الكتب والصحف كذلك، ولكن هناك الكثير من الكتب التي تستحق قراءتها بتأمل، لذلك فإنه ينبغي على المرء أن يخصص في خطته السنوية ساعة واحدة من يوم –على الأقل– لقراءة مثل تلك الكتب والمصادر التي تفتح العقول والفكر، وتحلق بنا إلى آفاق من الحياة الواسعة.
3. الأوقات الضائعة؛ في حياتنا، وفي أيامنا الكثير من الأوقات الضائعة، مثل: بعد صلاة الفجر، وأوقات الانتظار في المراكز الصحية أو الحلاق، أو في رحلات القطارات، أو أثناء السفر بالطائرة، وربما الكثير، وكل شخص يعرف أوقاته، فيصبح الوقت مثل قطرات الزئبق التي تنسل من بين الأصابع فلا يمكن مسكها وبالتالي الاستفادة منها، وكلنا نعرف أن الوقت هو حياة الإنسان، فإن ضاع الوقت ضاعت الحياة. هذا بالإضافة إلى الكثير من الأوقات التي نضيعها في اللعب بالهاتف الذكي ووسائل التواصل الاجتماعي، وربما هنا يأتي السؤال، إن كنت وضعت خطة لتعيش بصورة أفضل في العام القادم أليس من الأجدى أن تستفيد من كل دقيقة من وقتك لتنفيذ هذا المخطط؟
4. الراحة القصيرة؛ ولكن بين الفينة والأخرى خذ استراحة قصيرة، أعط نفسك فترة راحة بعد كل جهد مضني، حتى تحصل على صفاء الذهن، يمكنك أن تقوم ببعض التدريبات الرياضية وخاصة في الحدائق المفتوحة، أو أن تلتقي ببعض الأصدقاء، أو أن تذهب في رحلة مع الأهل، من أجل الاسترخاء والبحث عن الهدوء، فصفاء النفس والذهن يساعدان بصورة كبيرة على تحقيق الذات وتحقيق الأهداف. ولكن لا يفضل أن تأخذ استراحة طويلة، فإن ذلك يمكن أن يؤدي إلى الكسل والخمول.
5. كافئ نفسك؛ بماذا؟ فالعمل الجاد لا يعني أبدًا حرق الذات أو حرمانها من متاع الدنيا، فبعض الأنشطة تجدد النشاط وتدفع الإنسان إلى مزيد من العطاء، فالإجازة القصيرة، ورحلة ممتعة، وممارسة هواية بين الفترة والأخرى تسهم بصورة كبيرة في تحقيق الذات وتنفيذ المخطط السنوي، وبالإضافة إلى ذلك فإنه لا ينبغي للمرء أن ينسى أهله وأطفاله ومن يعيشون حوله، فإنهم أيضًا يستحقون التفكير فيهم وفي تحقيق رغباتهم.
6. الحصول على الطعام الجيد الصحي؛ أثناء عملك في تنفيذ المخطط الشخصي، من المهم أن تتناول طعاما جيدا، ويفضل أن يكون صحيا، فلا تكثر من السكريات ومشروبات الطاقة، من أجل تجديد النشاط، فهذه المواد غير صحية إذ ربما تعطيك الطاقة المؤقتة ولكنها على مدى الطويل فإنها ستسبب لك الكثير من الأضرار في المستقبل. ومن الجدير بالذكر إنه أثناء تناول الطعام يفضل ألا تعمل، وبالعكس.
7. التخفيف من الضغوط؛ من منا لا يتعرض للضغوط، لا أحد، ولكن على المرء أن يتعلم كيف يحول المواقف والضغوط إلى صالحه، فتتحول إلى فرصة لتطوير النفس إن تعاملنا معها بعقلية إيجابية، فبدلًا من تجنب الضغوط، يمكن استخدامها كوقود للتحفيز على التقدم والنمو، من خلال التفكير الإيجابي، واكتساب مهارات جديدة، وزيادة التحفيز والإنجاز، وربما طلب الدعم والتواصل مع الآخرين.
8. فن الاتصال والتواصل؛ ربما من أكثر الأمور التي تضيع وقتنا المجاملات الاجتماعية، المكالمات الهاتفية غير الهادفة والمضيعة للوقت والجهد، وكذلك الزيارات المفاجئة، وتنفيذ الأعمال الطارئة والتي هي في الحقيقة غير طارئة، وما إلى ذلك، ولكن كيف نتخلص منها في مجتمع يقدس المجاملات الاجتماعية؟ سؤال صعب الإجابة عنه إلا بكلمة واحدة، وهي (لا)، ولكن يجب أن تقال بطريقة ذكية جدًا حتى لا نفقد الناس الذين يعيشون معنا وحولنا.
9. التوظيف الجيد للتقنيات الحديثة؛ يتميز عصرنا باستخدام التقنيات الحديثة، مثل الحاسوب والإنترنت والذكاء الاصطناعي والهاتف الذكي والعديد من تلك الأدوات التي يمكن استخدامها في تقليل وقت الانتظار أو أخذ المواعيد وما شابه، لذلك فيمكن الاستفادة من هذه التقنيات وخاصة في الأمور الروتينية التي تضيع الكثير من الأوقات، فبدلاً من الرد على كل رسالة في الواتساب، يمكن استخدام المسجل الصوتي أو المكتوب عوضًا عن الرد على كل رسالة أو مكالمة، وخاصة من تلك النوعيات من الرسائل التي تزخر بها وسائل التواصل طوال اليوم.
10. تطوير الذات؛ في خضم كل ذلك لا تنس نفسك، ورغباتك الأخرى، فاجعل أيامَك الأخرى مفيدة وعامرة بالعمل الصالح واستمع أو شاهد برامج وأفلاما ثقافية وعلمية، قم بزيارة لصديق حكيم أو عالم مفكر، مارس التدريب على الحاسوب والإنترنت، ربما يفضل أن تتعلم لغة جديدة، شارك في عمل خيري أو تطوعي، استمع إلى شريط مفيد أو فيديو أثناء قيادة السيارة، فإنك وضعت لنفسك خططا وأهدافا لذلك فإنه من الضروري أن تستفيد من كل وقتك في تطوير ذاتك ونفسك وعقلك.
وإن كنا نقول إن هذه الطرق لا تعد العصا السحرية التي تحقق وتنفذ الخطط والأهداف، لأن الإنسان هو أساس ذلك، ولكن في الحقيقة هذه الطرق العشرة، تسهم بطريقة أو بأخرى وتساعد الإنسان أو المؤسسة الراغبة في وضع الخطط من أجل تحقيقها. فإن كان الإنسان نفسه لا يرغب في تحقيق ذلك المخطط فلا توجد أي قوة في الأرض تساعده في تحقيق ذلك المخطط.
ونقول ذلك من خلال العديد من التجارب والشواهد التي مارسناها مع العديد من الأفراد الذين قدمنا لهم خبرتنا وتجربتنا في وضع المخططات الشخصية والمؤسسية بالإضافة إلى تنفيذها.
وقبل أن أختم مقالي إليكم هذه القصة البسيطة؛ تقول الحكاية إنه كان هناك شاب يعيش في قرية صغيرة، هذا الشاب أرشده طموحه إلى فكرة أن يمتلك منزلاً، فقرر أن يبني بيتًا جميلًا على تلة تطل على القرية. أراد أن يكون بيته هو الأجمل في المنطقة ليصبح مصدر فخر له ولعائلته. وفي يوم من الأيام، استيقظ هذا الشاب المليء بالحماس، واشترى مواد البناء وبدأ العمل فورًا دون وضع أي مخطط للمنزل الذي يريد بناءه، وهو أصلاً لا يعرف كيف يبني ولا يعرف أن يضع مخططا لمنزل، ولكنه اعتقد أن حماسه سيرشده، فما كان منه إلا أن يضع الطوب بشكل عشوائي ويعمل ساعات طويلة دون تحديد واضح لما يريده. في البداية بدأ العمل يسير بشكل جيد، ولكن مع مرور الوقت، بدأ يواجه مشكلات كبيرة؛ منها أن الأساسات كانت ضعيفة لأن الشاب لم يخطط لها جيدًا، والحجارة التي اشتراها لم تكن كافية لأنه لم يحسب الكمية المطلوبة، والسقف كان مائلًا وغير ثابت لأنه لم يضع تصورًا هندسيًا لأنه أصلاً لا يعرف الهندسة. وفي النهاية، وبعد أشهر من العمل الشاق، انهار البيت بسبب سوء التخطيط، مما جعله يشعر بالإحباط والندم على الوقت والجهد الضائع.
هذا هو التخطيط ووضع المخطط وبعض أساليب ومعززات التنفيذ. وكل عام وأنتم بخير.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك