العدد : ١٧٠٩١ - الثلاثاء ٠٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٩١ - الثلاثاء ٠٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

سورة الإنسان.. وملامح الإنسان القرآني!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٠٥ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

في‭ ‬سورة‭ ‬الإنسان‭ ‬يطرح‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬تساؤلًا‭ ‬عجيبًا‭ ‬يدهش‭ ‬له‭ ‬الإنسان،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬إجابات‭ ‬شافية‭ ‬لهذا‭ ‬التساؤل‭ ‬يجد‭ ‬الإنسان‭ ‬نفسه‭ ‬مبهورًا‭ ‬لشدة‭ ‬إعجابه‭ ‬للأجوبة‭ ‬التي‭ ‬يطرحها‭ ‬القرآن‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السورة‭ ‬العظيمة،‭ ‬وما‭ ‬تضمنته‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬ومبادئ‭ ‬حري‭ ‬بالإنسان‭ ‬أن‭ ‬يتأملها،‭ ‬وأن‭ ‬يعمل‭ ‬عقله‭ ‬فيها،‭ ‬ويبحث‭ ‬في‭ ‬بداياتها‭ ‬ونهاياتها،‭ ‬وسوف‭ ‬يجد‭ ‬الأجوبة‭ ‬الشافية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬تطرحه‭ ‬السورة‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬عملية،‭ ‬ومواقف‭ ‬يعجز‭ ‬الإنسان‭ ‬عن‭ ‬سبر‭ ‬أغوارها،‭ ‬وإدراك‭ ‬مقاصدها‭ ‬التي‭ ‬أنارت‭ ‬الطريق،‭ ‬وأضاءت‭ ‬السبل‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬بلوغ‭ ‬الغاية‭ ‬التي‭ ‬تحدثت‭ ‬عنها‭ ‬السورة،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬هل‭ ‬أتى‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الدهر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬شيئًا‭ ‬مذكورا‭)‬الإنسان‭ / ‬1‭.‬

الآية‭ ‬الجليلة‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬الإنسان،‭ ‬عن‭ ‬بداياته‭ ‬ويجعل‭ ‬القرآن‭ ‬للإجابة‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التساؤل‭ ‬العجيب‭ ‬ما‭ ‬تطرحه‭ ‬السورة‭ ‬من‭ ‬إجابات‭ ‬عملية‭ ‬يحاول‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬يجسد‭ ‬معالم‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان،‭ ‬ومعرفته‭ ‬حق‭ ‬المعرفة‭ ‬ليس‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الكلام‭ ‬المرسل،‭ ‬بل‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬خيرة‭ ‬يجيب‭ ‬عن‭ ‬طريقها‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التساؤل،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬إنَّا‭ ‬خلقنا‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬نطفة‭ ‬أمشاج‭ ‬نبتليه‭ ‬فجعلناه‭ ‬سميعًا‭ ‬بصيرًا‭) ‬الإنسان‭ / ‬2‭.‬

وها‭ ‬هي‭ ‬تطرح‭ ‬البدايات‭ ‬الحقيقية‭ ‬لوجود‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان،‭ ‬فيقول‭ ‬جل‭ ‬جلاله‭: (‬إنَّا‭ ‬هديناه‭ ‬السبيل‭ ‬إما‭ ‬شاكرًا‭ ‬وإما‭ ‬كفورا‭) ‬الإنسان‭ / ‬3‭.‬

البداية‭ ‬الحقيقية‭ ‬لهذا‭ ‬المخلوق‭ ‬الذي‭ ‬سمَّاه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬‮«‬الإنسان‮»‬‭ ‬وجعل‭ ‬اسمه‭ ‬عنوانًا‭ ‬للسورة،‭ ‬فخلد‭ ‬بذلك‭ ‬السورة،‭ ‬وما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬فضائل‭ ‬عملية‭ ‬ما‭ ‬أحوج‭ ‬البشرية‭ ‬إليها،‭ ‬وهناك‭ ‬خياران‭ ‬لا‭ ‬ثالث‭ ‬لهما‭: ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الإنسان‭ ‬شاكرًا‭ ‬لنعم‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬ولا‭ ‬تحصى‭ ‬وإما‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كافرًا‭ ‬به،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬وإن‭ ‬تعدوا‭ ‬نعمة‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬تحصوها‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬لغفور‭ ‬رحيم‭) ‬النحل‭ / ‬18‭. ‬والإنسان‭ ‬إما‭ ‬شاكرًا،‭ ‬ومقرًا‭ ‬بفضله‭ ‬تعالى،‭ ‬وساعيًا‭ ‬إلى‭ ‬مرضاته،‭ ‬شاكرًا‭ ‬له‭ ‬سبحانه‭ ‬أن‭ ‬يسر‭ ‬له‭ ‬السبيل‭ ‬للتعرف‭ ‬عليه‭ ‬سبحانه‭ ‬إلهًا‭ ‬واحدًا‭ ‬لا‭ ‬شريك‭ ‬له‭ ‬تعالى،‭ ‬ووفق‭ ‬اختياره‭ ‬سوف‭ ‬يتحدد‭ ‬مصيره‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة،‭ ‬وهو‭ ‬مصير‭ ‬تحدده‭ ‬السورة‭ ‬تكشف‭ ‬سمات‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: (‬إنَّا‭ ‬نحن‭ ‬نزلنا‭ ‬الذكر‭ ‬وإنا‭ ‬له‭ ‬لحافظون‭) ‬الحجر‭ / ‬9‭. ‬وأحاطه‭ ‬بحصن‭ ‬منيع،‭ ‬قال‭ ‬جل‭ ‬جلاله‭: (.. ‬وإنه‭ ‬لكتاب‭ ‬عزيز‭ (‬41‭) ‬لا‭ ‬يأتيه‭ ‬الباطل‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬خلفه‭ ‬تنزيل‭ ‬من‭ ‬حكيم‭ ‬حميد‭ (‬42‭)) ‬سورة‭ ‬فصلت‭.‬

لقد‭ ‬حكم‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬على‭ ‬استحالة‭ ‬مس‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬العزيز‭ ‬بسوء،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تظاهر‭ ‬الإنس‭ ‬والجن‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬قل‭ ‬لئن‭ ‬اجتمعت‭ ‬الإنس‭ ‬والجن‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يأتوا‭ ‬بمثل‭ ‬هذا‭ ‬القرآن‭ ‬لا‭ ‬يأتون‭ ‬بمثله‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬بعضهم‭ ‬لبعض‭ ‬ظهيرا‭) ‬الإسراء‭ / ‬88‭.‬

وتحداهم‭ ‬بأن‭ ‬يأتوا‭ ‬بعشر‭ ‬سور‭ ‬مثله‭ ‬مفتريات،‭ ‬ثم‭ ‬بالغ‭ ‬في‭ ‬التحدي،‭ ‬فتحداهم‭ ‬بسورة‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬مثله،‭ ‬فعجزوا‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭ ‬وسلمت‭ ‬له‭ ‬القضية،‭ ‬وظل‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬نصا‭ ‬مقدسا‭ ‬عجز‭ ‬البشر‭ ‬أن‭ ‬يأتوا‭ ‬بمثله‭ ‬أبدًا‭.‬

وتواصل‭ ‬سورة‭ ‬الإنسان‭ ‬تأطيرها‭ ‬لملامح‭ ‬الإنسان‭ ‬القرآني،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬عينًا‭ ‬يشرب‭ ‬بها‭ ‬عباد‭ ‬الله‭ ‬يفجرونها‭ ‬تفجيرا‭ (‬6‭) ‬يوفون‭ ‬بالنذر‭ ‬ويخافون‭ ‬يومًا‭ ‬كان‭ ‬شره‭ ‬مستطيرا‭ (‬7‭)) ‬سورة‭ ‬الإنسان‭.‬

من‭ ‬صفات‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬القرآني‭ ‬أنه‭ ‬إنسان‭ ‬يوفي‭ ‬بالنذر،‭ ‬ويلتزم‭ ‬بعهوده‭ ‬ومواثيقه،‭ ‬وخاصة‭ ‬أنها‭ ‬عهود‭ ‬ومواثيق‭ ‬مع‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬ويستحيل‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يخلفها‭ ‬أو‭ ‬يفرط‭ ‬فيها،‭ ‬ولأن‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬وفيًا‭ ‬لما‭ ‬عاهد‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عليه،‭ ‬فإنه‭ ‬يلزم‭ ‬نفسه‭ ‬بما‭ ‬لم‭ ‬يلزمه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بها،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬ويطعمون‭ ‬الطعام‭ ‬على‭ ‬حبه‭ ‬مسكينًا‭ ‬ويتيمًا‭ ‬وأسيرا‭ (‬8‭) ‬إنما‭ ‬نطعمكم‭ ‬لوجه‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬منكم‭ ‬جزاءً‭ ‬ولا‭ ‬شكورا‭ (‬9‭) ‬إنَّا‭ ‬نخاف‭ ‬من‭ ‬ربنا‭ ‬يومًا‭ ‬عبوسًا‭ ‬قمطريرا‭ (‬10‭) ‬فوقاهم‭ ‬الله‭ ‬شر‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬ولقَّاهم‭ ‬نضرة‭ ‬وسرورا‭ (‬11‭) ‬وجزاهم‭ ‬بما‭ ‬صبروا‭ ‬جنة‭ ‬وحريرا‭ (‬12‭)) ‬سورة‭ ‬الإنسان‭.‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬يكتفي‭ ‬بإطعام‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬الطعام،‭ ‬والقليل‭ ‬الزهيد‭ ‬يكفيه،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬يتخير‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬أفضله،‭ ‬ومن‭ ‬العطاء‭ ‬أجزله،‭ ‬وهو‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬إنكار‭ ‬الذات،‭ ‬وهو‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬لأنه‭ ‬يقدم‭ ‬الطعام‭ ‬والبذل‭ ‬والعطاء‭ ‬إلى‭ ‬إله‭ ‬كريم‭ ‬جواد‭ ‬سوف‭ ‬يختار‭ ‬في‭ ‬مكافأته‭ ‬له‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬أحسن‭ ‬الذي‭ ‬عمل،‭ ‬كما‭ ‬يتخير‭ ‬في‭ ‬العفو‭ ‬عن‭ ‬الذنوب‭ ‬أسوأ‭ ‬الذي‭ ‬عمل،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإنه‭ ‬غفَّار‭ ‬للذنوب‭ ‬التي‭ ‬أقل‭ ‬سوءًا،‭ ‬يقول‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: (‬ليكفِّر‭ ‬الله‭ ‬عنهم‭ ‬أسوأ‭ ‬الذي‭ ‬عملوا‭ ‬ويجزيهم‭ ‬أجرهم‭ ‬بأحسن‭ ‬الذي‭ ‬كانوا‭ ‬يعملون‭) ‬الزمر‭ / ‬3‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬صنيع‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬معهم،‭ ‬فأحرى‭ ‬بالمؤمن‭ ‬الصادق‭ ‬في‭ ‬إيمانه‭ ‬أن‭ ‬يتصدق‭ ‬بأحسن‭ ‬الذي‭ ‬يملك‭ ‬لأنه‭ ‬يتقرب‭ ‬بالبذل‭ ‬والعطاء‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭.‬

ثم‭ ‬تواصل‭ ‬السورة‭ ‬الكريمة‭ ‬وصف‭ ‬هذا‭ ‬الإنسان،‭ ‬ووصف‭ ‬القيم‭ ‬التي‭ ‬يتمثلها‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬سورة‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬هكذا‭ ‬لما‭ ‬علم‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬صدق‭ ‬نيتهم،‭ ‬واطلع‭ ‬على‭ ‬خفايا‭ ‬أنفسهم،‭ ‬فأعطاهم‭ ‬من‭ ‬الجزاء‭ ‬ما‭ ‬يتخيرون‭ ‬ويرجون،‭ ‬وغايتهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬حب‭ ‬الظهور‭ ‬والمباهاة‭ ‬بما‭ ‬يقدمون‭ ‬من‭ ‬خير‭.‬

هذه‭ ‬لمحات‭ ‬مباركة‭ ‬تقدمها‭ ‬سورة‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬وقار‭ ‬وإخبات‭ ‬لِتُبَيِنْ‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬معالم‭ ‬الإنسان‭ ‬القرآني‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا