العدد : ١٧٠٩١ - الثلاثاء ٠٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٩١ - الثلاثاء ٠٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ رجب ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

حصاد الذكاء الاصطناعي في عام 2024

بقلم: عبد الرحمن الخطيب

السبت ٠٤ يناير ٢٠٢٥ - 02:00

كان‭ ‬عام‭ ‬2024‭ ‬عاما‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬شهد‭ ‬تطورات‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الجوانب‭ ‬التقنية‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬امتدت‭ ‬لتعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬مفاهيمنا‭ ‬عن‭ ‬الإبداع،‭ ‬العمل،‭ ‬وحتى‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬قوة‭ ‬متنامية‭ ‬تقود‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬المجالات،‭ ‬من‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬إلى‭ ‬الفنون،‭ ‬ومن‭ ‬التعليم‭ ‬إلى‭ ‬المناخ،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬التوسع‭ ‬مجرد‭ ‬إضافة‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬تحولا‭ ‬جذريا‭ ‬يعيد‭ ‬صياغة‭ ‬أسئلة‭ ‬فلسفية‭ ‬أساسية‭ ‬حول‭ ‬علاقتنا‭ ‬مع‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬وتحديدا‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭.‬

على‭ ‬صعيد‭ ‬التطبيقات‭ ‬اليومية،‭ ‬شهدنا‭ ‬قفزات‭ ‬ملهمة‭ ‬في‭ ‬أنظمة‭ ‬المساعدات‭ ‬الذكية‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬أكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬التفاعل‭ ‬مع‭ ‬الإنسان‭ ‬بطريقة‭ ‬طبيعية،‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬أدوات‭ ‬تنفيذ‭ ‬أوامر،‭ ‬بل‭ ‬شركاء‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬والابتكار‭. ‬التحسينات‭ ‬في‭ ‬نماذج‭ ‬معالجة‭ ‬اللغة‭ ‬الطبيعية‭ ‬جعلت‭ ‬الآلات‭ ‬أقرب‭ ‬لفهم‭ ‬البشر،‭ ‬لتتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬الترجمة‭ ‬إلى‭ ‬صياغة‭ ‬الأفكار‭ ‬وتقديم‭ ‬النصائح‭ ‬وحتى‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬إبداع‭ ‬الأعمال‭ ‬الأدبية‭ ‬والفنية‭ ‬وغيرها،‭ ‬فهذه‭ ‬التطورات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬تقدم‭ ‬تقني،‭ ‬بل‭ ‬إعادة‭ ‬تعريف‭ ‬لما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يُعد‭ ‬ذكاء‭ ‬بشريا‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬فقد‭ ‬حمل‭ ‬عام‭ ‬2024‭ ‬آمالا‭ ‬بأفق‭ ‬جديد‭ ‬لعلاج‭ ‬الأمراض‭ ‬وتشخيصها،‭ ‬فتقنيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬أصبحت‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحليل‭ ‬البيانات‭ ‬الطبية‭ ‬بكفاءة‭ ‬تتجاوز‭ ‬أحيانا‭ ‬قدرات‭ ‬الأطباء،‭ ‬مما‭ ‬ساعد‭ ‬في‭ ‬الكشف‭ ‬المبكر‭ ‬عن‭ ‬الأمراض‭ ‬المعقدة‭ ‬مثل‭ ‬السرطان‭ ‬وأمراض‭ ‬القلب،‭ ‬وتطبيقات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬الجراحة‭ ‬الروبوتية‭ ‬تجاوزت‭ ‬التوقعات،‭ ‬لتصبح‭ ‬عمليات‭ ‬دقيقة‭ ‬ومعقدة‭ ‬تُجرى‭ ‬بخطورة‭ ‬أقل‭ ‬ودقة‭ ‬أكبر،‭ ‬مما‭ ‬ينقل‭ ‬مفهوم‭ ‬العلاج‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬جديد‭ ‬تمامًا‭.‬

في‭ ‬عالم‭ ‬التعليم،‭ ‬تغيرت‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬مع‭ ‬اعتماد‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬كأداة‭ ‬أساسية‭ ‬لتخصيص‭ ‬المناهج‭ ‬وتطوير‭ ‬استراتيجيات‭ ‬التعلم،‭ ‬فقد‭ ‬أصبح‭ ‬الطلاب‭ ‬يتلقون‭ ‬تعليما‭ ‬يُصمم‭ ‬وفق‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬الفردية‭ ‬وقدراتهم،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬التعلم‭ ‬ويساعد‭ ‬في‭ ‬سد‭ ‬الفجوات‭ ‬التعليمية،‭ ‬والتقنية‭ ‬باتت‭ ‬ضرورة،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬نقص‭ ‬في‭ ‬الكوادر‭ ‬التعليمية،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المعلم‭ ‬البديل،‭ ‬بل‭ ‬وربما‭ ‬الأكثر‭ ‬تأثيرا‭.‬

على‭ ‬مستوى‭ ‬الفنون‭ ‬والإبداع،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬مجرد‭ ‬أداة،‭ ‬بل‭ ‬شريكا‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬الإبداعية،‭ ‬فشهدنا‭ ‬إنتاج‭ ‬أفلام‭ ‬ومقطوعات‭ ‬موسيقية‭ ‬ولوحات‭ ‬فنية‭ ‬تم‭ ‬إنشاؤها‭ ‬باستخدام‭ ‬خوارزميات‭ ‬ذكية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬الأنماط‭ ‬الجمالية‭ ‬وإعادة‭ ‬إنتاجها‭ ‬بطرق‭ ‬مبتكرة،‭ ‬لكن‭ ‬السؤال‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬تُعتبر‭ ‬فنا‭ ‬أصيلا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬سؤال‭ ‬فلسفي‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬محور‭ ‬نقاش‭ ‬عالمي‭ ‬حول‭ ‬ماهية‭ ‬الإبداع‭ ‬الإنساني‭ ‬وحدوده‭.‬

من‭ ‬الناحية‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬باتت‭ ‬الشركات‭ ‬تعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬على‭ ‬تقنيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬لتحليل‭ ‬الأسواق‭ ‬واتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬فقد‭ ‬شهدنا‭ ‬ارتفاعا‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬الأنظمة‭ ‬الذكية‭ ‬لتحسين‭ ‬سلاسل‭ ‬الإمداد‭ ‬وإدارة‭ ‬الموارد،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تقليل‭ ‬التكاليف‭ ‬وزيادة‭ ‬الكفاءة‭ ‬ففي‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته،‭ ‬ظهرت‭ ‬مخاوف‭ ‬حول‭ ‬فقدان‭ ‬الوظائف‭ ‬بسبب‭ ‬الأتمتة،‭ ‬مما‭ ‬يطرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬دور‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬تسيطر‭ ‬فيه‭ ‬الآلات‭ ‬على‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المهام‭ ‬التقليدية‭.‬

في‭ ‬مجال‭ ‬المناخ‭ ‬والاستدامة،‭ ‬كان‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬حليفا‭ ‬قويا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬البيئية،‭ ‬فتقنيات‭ ‬التنبؤ‭ ‬بالطقس‭ ‬ورصد‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬أصبحت‭ ‬أكثر‭ ‬دقة،‭ ‬مما‭ ‬ساعد‭ ‬الحكومات‭ ‬والمنظمات‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬أكثر‭ ‬استباقية،‭ ‬واستخدام‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الطاقة‭ ‬والزراعة‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬الكفاءة‭ ‬وتقليل‭ ‬الهدر،‭ ‬ليصبح‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬أداة‭ ‬للحلول،‭ ‬بل‭ ‬رمزًا‭ ‬للأمل‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬أكثر‭ ‬استدامة‭.‬

ومع‭ ‬هذه‭ ‬التطورات،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬عام‭ ‬2024‭ ‬خاليًا‭ ‬من‭ ‬الجدل‭ ‬أو‭ ‬التحديات‭ ‬فقضية‭ ‬أخلاقيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬كانت‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬محور‭ ‬نقاش‭ ‬حاد،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬ازدياد‭ ‬استخدام‭ ‬تقنيات‭ ‬توليد‭ ‬المحتوى‭ ‬الزائف‭ ‬والتزييف‭ ‬العميق،‭ ‬مما‭ ‬يهدد‭ ‬الحقيقة‭ ‬والمصداقية‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬يعتمد‭ ‬فيه‭ ‬العالم‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬المعلومات‭ ‬الرقمية،‭ ‬فالتوازن‭ ‬بين‭ ‬الابتكار‭ ‬وحماية‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬كان‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬تحديا‭ ‬مركزيا‭ ‬أمام‭ ‬الحكومات‭ ‬والمؤسسات‭.‬

في‭ ‬النهاية،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬عام‭ ‬2024‭ ‬كان‭ ‬عامًا‭ ‬محوريا‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬البشرية‭ ‬مع‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭. ‬بين‭ ‬الإنجازات‭ ‬المذهلة‭ ‬والتحديات‭ ‬الكبرى،‭ ‬بدا‭ ‬واضحا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬أداة،‭ ‬بل‭ ‬قوة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬ملامح‭ ‬المستقبل،‭ ‬لكن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يبقى‭ ‬مطروحا‭ ‬هو‭ ‬كيف‭ ‬يمكننا‭ ‬تسخير‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬بطريقة‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬إنسانيتنا‭ ‬وتحقق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬التقدم‭ ‬والمسؤولية؟‭ ‬ربما‭ ‬يحمل‭ ‬عام‭ ‬2025‭ ‬الإجابة،‭ ‬لكن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬سيظل‭ ‬جزءا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬قصتنا‭ ‬المستمرة‭ ‬مع‭ ‬التطور‭.‬

 

مختص‭ ‬في‭ ‬تقنيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا