العدد : ١٧٠٩١ - الثلاثاء ٠٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٩١ - الثلاثاء ٠٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ رجب ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

استقرار الدول من استقرار شعوبها!

{ عطفاً‭ ‬على‭ ‬المقال‭ ‬السابق‭ (‬الأوطان‭ ‬مرآة‭ ‬شعوبها‭) ‬فإن‭ ‬أكثر‭ ‬أعمال‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬استغلاله‭ ‬خارجيا‭ ‬في‭ ‬غالبية‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬هو‭ ‬اللعب‭ ‬على‭ ‬شعارات‭ ‬براقة‭ ‬مثل‭ ‬الدمقرطة‭ ‬والحريات،‭ ‬والضرب‭ ‬على‭ ‬وتر‭ ‬الاثنيات‭ ‬والمذهبية‭ ‬والتنوع‭ ‬في‭ ‬المكونات‭ ‬الشعبية،‭ ‬واستخدام‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لأداء‭ ‬الدور‭ ‬النقيض‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتها،‭ ‬وصناعة‭ ‬الأزمات‭ ‬والصراعات‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬لتتكشف‭ ‬يوماً‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭ ‬الأبعاد‭ ‬الحقيقية‭ ‬لتلك‭ ‬الشعارات‭ ‬بأنها‭ ‬لا‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الطموحات‭ ‬الشعبية‭ ‬المشروعة،‭ ‬وإنما‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬الأوطان،‭ ‬كما‭ ‬اتضح‭ ‬في‭ ‬مسارات‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بـ«الربيع‭ ‬العربي‮»‬‭! ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬تهدف‭ ‬إليه‭ ‬الأجندات‭ ‬الخارجية‭ ‬ومخططاتها‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬اشتعال‭ ‬نيرانها‭ ‬عوامل‭ ‬داخلية‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬العامل‭ ‬الخارجي،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬الفساد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬مستشريا‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية،‭ ‬وحيث‭ ‬النخب‭ ‬الحاكمة،‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬أوطانها‭ ‬التي‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬مواقع‭ ‬المسؤولية‭ ‬فيها‭ ‬أوطاناً‭ ‬بالمعنى‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬تغليب‭ ‬المصالح‭ ‬الوطنية‭ ‬والشعبية‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬النخبوية‭ ‬أو‭ ‬السلطوية‭ ‬الحاكمة‭ ‬لتتعقد‭ ‬الأزمات‭ ‬معها‭ ‬يوما‭ ‬بعد‭ ‬يوم‭! ‬وكذلك‭ ‬هي‭ ‬لا‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬شعوبها‭ ‬كأصل‭ ‬وفروع‭ ‬لبناء‭ ‬الوطن‭ ‬بتفاصيله‭ ‬المعقدة‭ ‬والمتداخلة،‭ ‬والتي‭ ‬تستوجب‭ ‬رؤية‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬المطالب‭ ‬الشعبية‭ ‬المشروعة‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬استقرار‭ ‬تلك‭ ‬الشعوب‭ ‬ورفاهيتها‭ ‬ونهضتها‭!‬

{ على‭ ‬خلفية‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬مطالب‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬وقبل‭ ‬الحريات‭ ‬والديموقراطية‭ ‬والمشاركة‭ ‬السياسية،‭ ‬أغلبها‭ ‬هي‭ ‬مطالب‭ ‬معيشية‭ ‬وتنموية‭ ‬واقتصادية،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬لها‭ ‬الحياة‭ ‬الكريمة‭ ‬في‭ ‬أوطانها،‭ ‬واستقرارها‭ ‬مادياً‭ ‬ومعنوياً،‭ ‬وبما‭ ‬يتيح‭ ‬لها‭ ‬مواجهة‭ ‬أي‭ ‬استغلال‭ ‬خارجي‭ ‬لأحوالها‭ ‬وتطلعاتها‭! ‬ولعل‭ ‬العلاقة‭ ‬القائمة‭ ‬بين‭ ‬أنظمة‭ ‬الحكم‭ ‬الخليجية‭ ‬وشعوبها،‭ ‬هي‭ ‬علاقة‭ ‬تاريخية،‭ ‬وتعد‭ ‬نموذجاً‭ ‬ومثالاً‭ ‬لبقية‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية،‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتنمية‭ ‬وتحقيق‭ ‬الرفاهية‭ ‬لشعوبها،‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬إجراء‭ ‬المقارنة،‭ ‬ورغم‭ ‬الاختلافات‭ ‬الطفيفة‭ ‬بين‭ ‬أوضاع‭ ‬دولة‭ ‬خليجية‭ ‬وأخرى،‭ ‬وبحساب‭ ‬الثروات‭ ‬والمداخيل‭ ‬والميزانيات‭! ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأحوال‭ ‬المعيشية‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬أفضل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وقد‭ ‬يفسر‭ ‬البعض‭ ‬ذلك‭ ‬بربط‭ ‬الرفاهية‭ ‬بالنفط‭ ‬والطاقة،‭ ‬ولكن‭ ‬دولا‭ ‬عربية‭ ‬لديها‭ ‬أيضاً‭ ‬الثروات‭ ‬النفطية‭ ‬والغاز‭ ‬وغيرها،‭ ‬ولكن‭ ‬أوضاع‭ ‬شعوبها‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬تدهورا‭ ‬اليوم‭! ‬ومنها‭ ‬ليبيا‭ ‬والعراق‭ ‬والسودان‭ ‬ودولة‭ ‬غير‭ ‬عربية‭ ‬وهي‭ ‬إيران،‭ ‬يعاني‭ ‬شعبها‭ ‬أسوأ‭ ‬الأوضاع‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬تمتلكه‭ ‬من‭ ‬ثروات‭ ‬وإمكانيات‭ ‬كبيرة،‭ ‬تم‭ ‬توظيفها‭ ‬لغير‭ ‬صالح‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭! ‬وفعلت‭ ‬مثلها‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬التبعية‭ ‬المليشياوية‭ ‬لها‭ ‬مثل‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬وسوريا‭ ‬أثناء‭ ‬حكم‭ ‬‮«‬الأسد‮»‬‭ ‬المنهار‭!‬

{ والمنطقة‭ ‬العربية‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬بؤرة‭ ‬جغرافية‭ ‬تحيط‭ ‬بها‭ ‬الأطماع‭ ‬والمشاريع‭ ‬الإقليمية‭ ‬التوسعية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المخططات‭ ‬والأجندات‭ ‬الخاصة‭ ‬ببعض‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وغيرهما،‭ ‬فإن‭ ‬الحصانة‭ ‬الحقيقية‭ ‬لأنماط‭ ‬الحكم‭ ‬فيها‭ ‬هي‭ ‬الشعوب‭ ‬ذاتها،‭ ‬التي‭ ‬وحدها‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬مستقرة‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬أمنها‭ ‬الوطني‭ ‬والقومي،‭ ‬ولا‭ ‬تكون‭ ‬سلعة‭ ‬رخيصة‭ ‬للاستهدافات‭ ‬الخارجية‭! ‬وهذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬آمنة‭ ‬في‭ ‬معيشتها،‭ ‬وأن‭ ‬يتم‭ ‬النظر‭ ‬إليها‭ ‬كأولوية‭ ‬في‭ ‬الحصانة‭ ‬الداخلية،‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬مطالبها‭ ‬المعيشية‭ ‬والتنموية‭ ‬والإصلاحية‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬أجندة‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬تحكمها،‭ ‬وبذلك‭ ‬تتحقق‭ ‬هويتها‭ ‬الوطنية‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬صلبة‭ ‬بما‭ ‬ينعكس‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬الداخلي‭ ‬وعلى‭ ‬كبح‭ ‬جماح‭ ‬أية‭ ‬فئة‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬الإخلال‭ ‬بتوازنها‭ ‬الداخلي‭ ‬وبأمنها‭ ‬الوطني،‭ ‬وتكون‭ ‬هي‭ ‬ذاتها‭ ‬الحماية‭ ‬الحقيقية‭ ‬لاستمرار‭ ‬الدولة‭ ‬والنظام‭ ‬الذي‭ ‬يرعى‭ ‬مصالحها‭ ‬ويحقق‭ ‬تطلعاتها‭!‬

{ تلك‭ ‬هي‭ ‬العلاقة‭ ‬الجدلية‭ ‬بين‭ ‬النظام‭ ‬الصالح‭ ‬والحكم‭ ‬الرشيد‭ ‬وشعبه،‭ ‬وهي‭ ‬أيضاً‭ ‬الميزان‭ ‬الذي‭ ‬يحفظ‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والدستورية‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيلها،‭ ‬وبتلك‭ ‬العلاقة‭ ‬بإمكان‭ ‬الدولة،‭ ‬أية‭ ‬دولة،‭ ‬أن‭ ‬تواجه‭ ‬الأطماع‭ ‬الخارجية‭ ‬والأجندات‭ ‬والمخططات،‭ ‬لأن‭ ‬الحياة‭ ‬الكريمة‭ ‬للشعوب‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المعيشي‭ ‬والخدماتي‭ ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬السياسي‭ ‬والتعليمي،‭ ‬تعطي‭ ‬للشعوب‭ ‬قوة‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬أوطانها،‭ ‬وتمنع‭ ‬أي‭ ‬إخلال‭ ‬بموازينها‭ ‬الداخلية‭ ‬وما‭ ‬نراه‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬وقعت‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬الفوضى‭ ‬والاضطراب‭ ‬أساسه‭ ‬الأبرز‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الفساد‮»‬‭ ‬بكل‭ ‬أنماطه،‭ ‬وبما‭ ‬كان‭ ‬أكبر‭ ‬عائق‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاستقرار‭ ‬والتنمية‭ ‬والتطلعات‭ ‬المشروعة‭ ‬لتلك‭ ‬الشعوب،‭ ‬فخرجت‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬إلى‭ ‬بؤر‭ ‬الفتن‭ ‬والتمزق‭ ‬والصراعات‭ ‬والتدخلات‭ ‬الخارجية‭ ‬والارتهان‭ ‬للفصائل‭ ‬المليشياوية‭ ‬وغيرها‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا