عالم يتغير
فوزية رشيد
استقرار الدول من استقرار شعوبها!
{ عطفاً على المقال السابق (الأوطان مرآة شعوبها) فإن أكثر أعمال ما تم استغلاله خارجيا في غالبية الدول العربية هو اللعب على شعارات براقة مثل الدمقرطة والحريات، والضرب على وتر الاثنيات والمذهبية والتنوع في المكونات الشعبية، واستخدام كل ذلك لأداء الدور النقيض في مجتمعاتها، وصناعة الأزمات والصراعات من خلالها لتتكشف يوماً بعد يوم الأبعاد الحقيقية لتلك الشعارات بأنها لا تهدف إلى تحقيق الطموحات الشعبية المشروعة، وإنما إلى تدمير الأوطان، كما اتضح في مسارات ما سمي بـ«الربيع العربي»! ذلك كان ما تهدف إليه الأجندات الخارجية ومخططاتها في المنطقة، ولكن ما أسهم في اشتعال نيرانها عوامل داخلية لا تقل أهمية عن العامل الخارجي، وعلى رأسها الفساد الذي كان ولا يزال مستشريا في عدد من الأقطار العربية، وحيث النخب الحاكمة، لا ترى في أوطانها التي تصل إلى مواقع المسؤولية فيها أوطاناً بالمعنى الذي يتم تغليب المصالح الوطنية والشعبية على المصالح النخبوية أو السلطوية الحاكمة لتتعقد الأزمات معها يوما بعد يوم! وكذلك هي لا تنظر إلى شعوبها كأصل وفروع لبناء الوطن بتفاصيله المعقدة والمتداخلة، والتي تستوجب رؤية جديدة في النظر إلى المطالب الشعبية المشروعة التي تضمن استقرار تلك الشعوب ورفاهيتها ونهضتها!
{ على خلفية ذلك فإن مطالب الشعوب العربية وقبل الحريات والديموقراطية والمشاركة السياسية، أغلبها هي مطالب معيشية وتنموية واقتصادية، بما يضمن لها الحياة الكريمة في أوطانها، واستقرارها مادياً ومعنوياً، وبما يتيح لها مواجهة أي استغلال خارجي لأحوالها وتطلعاتها! ولعل العلاقة القائمة بين أنظمة الحكم الخليجية وشعوبها، هي علاقة تاريخية، وتعد نموذجاً ومثالاً لبقية الأنظمة العربية، خاصة فيما يتعلق بالتنمية وتحقيق الرفاهية لشعوبها، إذا تم إجراء المقارنة، ورغم الاختلافات الطفيفة بين أوضاع دولة خليجية وأخرى، وبحساب الثروات والمداخيل والميزانيات! إلا أن الأحوال المعيشية في مجملها في الخليج أفضل بكثير من غيرها من الدول العربية، وقد يفسر البعض ذلك بربط الرفاهية بالنفط والطاقة، ولكن دولا عربية لديها أيضاً الثروات النفطية والغاز وغيرها، ولكن أوضاع شعوبها هي الأكثر تدهورا اليوم! ومنها ليبيا والعراق والسودان ودولة غير عربية وهي إيران، يعاني شعبها أسوأ الأوضاع رغم ما تمتلكه من ثروات وإمكانيات كبيرة، تم توظيفها لغير صالح الشعب الإيراني! وفعلت مثلها الدول ذات التبعية المليشياوية لها مثل العراق ولبنان وسوريا أثناء حكم «الأسد» المنهار!
{ والمنطقة العربية تقع في بؤرة جغرافية تحيط بها الأطماع والمشاريع الإقليمية التوسعية، إلى جانب المخططات والأجندات الخاصة ببعض القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما، فإن الحصانة الحقيقية لأنماط الحكم فيها هي الشعوب ذاتها، التي وحدها حين تكون مستقرة تحافظ على أمنها الوطني والقومي، ولا تكون سلعة رخيصة للاستهدافات الخارجية! وهذا يعني أن تكون آمنة في معيشتها، وأن يتم النظر إليها كأولوية في الحصانة الداخلية، وأن تكون مطالبها المعيشية والتنموية والإصلاحية على رأس أجندة الدولة التي تحكمها، وبذلك تتحقق هويتها الوطنية على أرض صلبة بما ينعكس على الأمن الداخلي وعلى كبح جماح أية فئة تعمل على الإخلال بتوازنها الداخلي وبأمنها الوطني، وتكون هي ذاتها الحماية الحقيقية لاستمرار الدولة والنظام الذي يرعى مصالحها ويحقق تطلعاتها!
{ تلك هي العلاقة الجدلية بين النظام الصالح والحكم الرشيد وشعبه، وهي أيضاً الميزان الذي يحفظ الحقوق المدنية والدستورية بكل تفاصيلها، وبتلك العلاقة بإمكان الدولة، أية دولة، أن تواجه الأطماع الخارجية والأجندات والمخططات، لأن الحياة الكريمة للشعوب على المستوى المعيشي والخدماتي وعلى المستوى السياسي والتعليمي، تعطي للشعوب قوة كبيرة في الحفاظ على أوطانها، وتمنع أي إخلال بموازينها الداخلية وما نراه اليوم في دول عربية وقعت في فخ الفوضى والاضطراب أساسه الأبرز هو «الفساد» بكل أنماطه، وبما كان أكبر عائق لتحقيق الاستقرار والتنمية والتطلعات المشروعة لتلك الشعوب، فخرجت من الفوضى إلى بؤر الفتن والتمزق والصراعات والتدخلات الخارجية والارتهان للفصائل المليشياوية وغيرها!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك