عالم يتغير
فوزية رشيد
سوريا.. سيناريو مختلف والنتيجة واحدة!
{ حين دخلت أمريكا العراق واحتلتها 2003، كان أهم شيء فعلته لغير صالح العراق، هو ضرب الجيش العراقي وتدميره بالكامل وتشتيت عناصره في عهد «بريمر»! والتهيئة بعد ذلك «لحكم المليشيات» التابعة لإيران، واجتثاث «حزب البعث» وكوادره!
وملاحقة العلماء العراقيين وقتلهم (علماء فيزياء وذرّة وكيمياء)، وغيرهم! وقتل المكون السني المقاوم بخلط أوراقه بأوراق «داعش» الذي تم تصفيته باعتراف هيلاري كلينتون وترامب، لتلتصق تهمة الإرهاب بداعش والمقاومة العراقية معًا، باعتبار أن المقاومة هي إرهاب! وتشكيل «الحشد الشيعي» بفتوى من «السيستاني»، بعد فتوى سابقة بعدم مقاومة الاحتلال الأمريكي!
كل ذلك أدى إلى ضرب البنية التحتية والسماح بالفوضى والقتل على الهوية وسرقة الثروات العراقية خاصة النفط من أمريكا وإيران مما أدخل العراق في سرداب مظلم لا يزال يعيش فيه ويعاني من تبعاته! حيث العراق بلا جيش وقع تحت سطوة الهيمنة الأمريكية والإيرانية والتغيير الديموغرافي المتعمد تحت حكم المليشيات الإيرانية!
{ ما حدث في سوريا يبدو أنه سيناريو معاكس، حيث تسلمت المليشيات «السنية» التابعة لتركيا وأمريكا، البلاد في ظرف «عشرة أيام»، بل وتشكلت الحكومة المؤقتة من بعض عناصرها، ليدخل الكيان الصهيوني سريعًا بالتزامن إلى الجنوب السوري ويشن غارات بالمئات! فيدمر «الجيش السوري» عدة وعتادًا ومراكز للبحث العلمي! ويقتل عددًا من العلماء!
وقد يترصد غيرهم لاحقًا، لتصبح «سوريا بلا جيش» أيضًا كالعراق حين احتلاله! وليتجمد «حزب البعث» السوري نفسه إلى أجل غير مسمى فيما تم حله في العراق! والفاعل المباشر في ضرب الجيش السوري هنا هو الكيان الصهيوني، فيما في العراق كانت أمريكا والنتيجة واحدة! وليسد الصمت من «الحكومة المؤقتة» تجاه ما قام به الكيان الصهيوني، واحتلال المزيد من الأرض السورية بعد احتلاله «الجولان»! بل ليصرح «أحمد الشرع» المعروف بـ «أبومحمد الجولاني» قائلا: (إننا لا نريد الدخول في الحرب) وكان تصريحه متزامنًا مع الغارات «الإسرائيلية!
ألا يذكرنا ذلك بفتوى «السيستاني»؟!
{ الآن وقد احتفل الشعب السوري بـ«جمعة النصر» في كل المدن السورية، فإن الأيام القليلة الماضية لم تكشف بعد الأبعاد الحقيقية، لما ستؤول إليه الأحداث رغم تصريحات «الجولاني» الإيجابية!، خاصة بعد انتهاء عمل «الحكومة المؤقتة» وهل بالفعل كما يصرح «الجولاني» أنه يريد بناء سوريا جديدة، ودولة القانون والمؤسسات؟! وهل ستكون سوريا الجديدة قادرة على الاحتفاظ بسيادتها في ظل الأطماع الصهيونية التوسعية؟!
وهل الحكومة المنتخبة بعد عدة أشهر، ستكون حكومة مدنية أم حكومة مليشيات في الغالب، وإن لبس أصحابها البدلات وكما فعل «الجولاني» نفسه؟! حكومة مدنية تعددية ذات طابع ديموقراطي حقيقي أي بعيدًا عن حكم المليشيات الذي سبقهم إليه «مليشيات إيران» في العراق، وكانوا أيضًا قد لبسوا القناع والبدلات الأنيقة؟!
{ المليشيات التي سيطرت على «دمشق» باسم الثوار والثورة والتحرير والفتوحات!، هي ذاتها الجماعات المعروفة بـ (الجماعات الجهادية التكفيرية) التي لا تعتبر «الكيان الصهيوني» هو العدو!
إنما خلفيتها في النهاية هي خلفية طائفية، وإن صرّحت حتى الآن وبعد هروب «الأسد» بعكس ذلك!، وأنها ضدّ التقسيم الطائفي أو العِرقي ومع وحدة الشعب السوري بكل مكوناته، ووحدة الأرض السورية، فهل ستصمد هذه الرؤية الإيجابية خلال الفترة القادمة؟! المعروف أن «التيار الجهادي التكفيري» بقيادة «الجولاني» اليوم، في سوريا يتشكل من «37 فصيلا» وكلهم ينضمون تحت 3 فصائل كبرى، هي (أنصار جبهة النصرة، وأحرار الشام، وجيش الإسلام) والدعم التركي وغيره كان يتم توجيهه إلى هذه الفصائل الكبرى، فهل بإمكان هذه الفصائل إن هي سيطرت على السلطة في المرحلة القادمة بالغالبية كما هو متوقع، وبرئاسة «الجولاني» ستكون قادرة على الخروج من جلدها، ومن خلفيتها الأيديولوجية، لتبني الدولة السورية الحديثة، خارج الولاء لتركيا وغيرها؟! أم أن النفوذ التركي سيطغى على سوريا بديلاً للنفوذ الإيراني السابق في عهد الهارب بـ «بشار الأسد»؟!
{ حين استقوت سوريا نظام «الأسد» بإيران وروسيا، سقط النظام السوري بعد تخلي الطرفين عنه، تاركًا خلفه ركامًا من الجرائم والفوضى والانقسام والصراعات وآثار التدمير من الكيان الصهيوني ومن أمريكا ومن روسيا ومن تركيا ومن إيران! وحيث تشابكت أهداف وأطماع وصراعات تلك الدول لا تزال حاليًا موجودة على الأرض السورية، ربما باستثناء النفوذ الإيراني الذي حل أو سيحل محله النفوذ التركي بقوة!
ورغم أن سيناريو تدمير العراق يختلف بعض الشيء عن سيناريو سوريا الراهنة ولكن النتيجة واحدة!، فإن سوريا اليوم هي سوريا بلا جيش وطني أو جيش دولة، والمرشح أن تحل محله عناصر المليشيات! إلى جانب اهتراء البنية التحتية، والأحوال المعيشية الصعبة، فهل ستتمكن حكومة الحقبة الجديدة من البناء الحقيقي للدولة والوطن، أم أن رياح التغيير قد تتجه لاحقًا إلى مزيد من التدمير خاصة في ظل التوسع الصهيوني وأطماعه وأهدافه، وفي ظل الأطماع الإقليمية والدولية الأخرى؟!
هي ليست رؤية متشائمة، ولكن أحداث التاريخ في هذه المنطقة علمتنا أن نحاول رؤية مسار الأحداث حتى لا تفاجئنا، بل أن نكون مستعدين لها، ومن دون أن نتخلى عن الأمل في رؤية سوريا مستقرة وآمنة، وشعب يحصل على طموحاته وتطلعاته ويحقق أحلامه بعد طول انتظار!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك