عالم يتغير
فوزية رشيد
حتى لا تنزلق سوريا نحو الفوضى!
{ في الوقت الذي تغير فيه النظام السوري قبل أيام، وانتهت حقبة «الأسد» المظلمة، وقد شاب فرحة السوريين مشاهد المعتقلات والسجون ومكابدات وعذابات أبناء سوريا، وتلك الأمكنة المفرطة في وحشيتها لتعذيب الإنسان السوري، ما بين أقبية آلة الكبس لتقطيع الجثث وبرميل «الأسيد»، وغرف السجن السرية تحت الأرض وغيرها كثير من مشاهد التعذيب وامتهان إنسانية الإنسان! فإن هناك أمرا آخر رافق اليوم الأول لسقوط «بشار الأسد» هو العدوان «الإسرائيلي» على كل القدرات العسكرية للجيش السوري، التي هي قدرات البلد والشعب والدولة! انتهز الكيان الصهيوني بسرعة مذهلة، ليتقدم نحو احتلال أراضٍ سورية من جهة، ويدمر أهم المواقع العسكرية في سوريا من جهة أخرى، بينها مستودعات أسلحة عسكرية وإدارة الحرب الإلكترونية في دمشق وحولها، ومركز البحوث العلمية في «برزة»، والسفن السورية والمطارات ومستودعات الجيش بل وقتل الدكتور «حمدي إسماعيل ندى» عالم الكيمياء العضوية السوري في جريمة غارة على منزله! والخلاصة (300 غارة) على سوريا منذ سقوط الأسد!
{ سوريا وهي الآن في المرحلة الانتقالية وقد كلفت هيئة تحرير الشام «محمد البشير» برئاسة الحكومة حتى بداية مارس القادم، وهو من الجماعة الإسلامية التي تقود ائتلاف مقاتلي المعارضة، وقد نسق لمجيئه في هذا المركز زعيم «هيئة تحرير الشام» أحمد الشرع أبو محمد الجولاني بعد لقائه بيوم واحد من دخول دمشق رئيس الوزراء السابق «محمد الجلالي» حول تنسيق عملية انتقال السلطة بدعم أيضًا من البرلمان وحزب البعث! وبذلك الجميع يترقب مآلات هذه المرحلة الانتقالية وطبيعتها، في ظل ما ترافق معها من بعض أعمال العنف وعملية اغتيال، وإعدامات ميدانية في «حلب»، إلى جانب عمليات نهب وحرق للمنازل ربما يعكس بداية غير محمودة لمخاوف الانفلات الأمني التي قد تطول البلاد!
{ سوريا وهي مقدمة على مرحلة بناء الدولة في أطر جديدة، فإن المرحلة الانتقالية أمامها طريق وعر بعد الإرث الثقيل الذي تركه «الأسد» ونظامه قبل هروبه!، سواء بما يخص القانون الذي سنّه لـ «مصادرة أموال وممتلكات الغائبين» في ظل عودتهم الحالية بعد سقوط النظام! أو بما يخص الفساد الإداري المستشري، أو قضية تعذيب السجناء والمعتقلين في «صيدنايا»، وغيرها من المعتقلات العلنية والسرّية! وحيث التوجه نحو بناء (دولة مدنية وطنية مؤسساتية) ستواجه الكثير من تحديات القضايا الداخلية، سواء الاقتصادية أو المعيشية أو التنموية، إلى جانب تحديات أخرى داخل سوريا من حيث وجود قوات أجنبية على أرضها!
{ أهم تلك التحديات هي المشاريع الإقليمية والدولية التي لا تزال أطرافها موجودة على الأرض السورية! بدءًا من احتلال الكيان للجولان وتوسعّه الأخير فيما أسماه بالمنطقة العازلة وعلى مقربة 25 كم من العاصمة دمشق! وتركيا في شمال سوريا! والقوات الأمريكية في غرب سوريا (منطقة النفط والغاز) في دير الزور والرقة والحسكة والقواعد الروسية في طرطوس والمنطقة الساحلية!
{ بين كل ذلك فإن سيادة الدولة واستقلالها في خطر، خاصة أن «هيئة تحرير الشام» مرتبطة بدعم بعض الدول المتصارعة على أرض سوريا، قبل تركيا والولايات المتحدة، التي تدعم بدورها مشروع التوسع «الإسرائيلي» في الأرض السورية وبشكل خارج المنطق والقانون الدولي!
ولذلك فإن الصراع على السلطة بين المليشيات المنضوية تحت «هيئة تحرير الشام» ذات التوجهات المتطرفة في «التأسلم السياسي» وإلى جانب المعارضة في الخارج التي تبحث بدورها عن مكان في السلطة والشراكة السياسية، يُنذر بحجم الصعوبات والتحديات القادمة لبناء دولة مدنية ووطنية وخارج الولاءات سواء لتركيا أو للغرب!، وبعد سقوط النفوذ الإيراني في سوريا فإن إيران بدورها ستعمل على تأجيج الأوضاع والصراعات بعد خسارتها الفادحة التي لن تستسلم لها بسهولة!
{ الشعب السوري يبحث عن تحقيق حلمه ببناء وطنه ودولته الوطنية المستقلة وذات السيادة والتوجه التنموي الشمولي، فيما الأطماع التركية والأمريكية وأطماع الكيان الصهيوني والمصالح الروسية والإيرانية الآفلة بعد سقوط «الأسد»، تلعب جميعًا ما عدا تركيا لهدف خاص بالأكراد، على وتر التقسيم! وجميعًا يفيدهم سيناريو الفوضى وإن بدرجات مختلفة بين هذا الطرف وذاك!
خوف الشعب السوري بل شعوب ودول المنطقة، وبعد التخلصّ من المليشيات التابعة لإيران والحرس الثوري الإيراني، أن يتم إحلال المليشيات التابعة لتركيا وأمريكا، وبما يُقرّب الوضع السوري من خارطة «نتنياهو» لشرق أوسط جديد تحت هيمنة الكيان الصهيوني والغرب! وبما يعني أن تمزيق سوريا سيكون مقدّمة لتمزيق دول عربية أخرى!
فهل ستعود سوريا إلى السوريين كما يطمحون، أم أن كل تلك التحديات الداخلية والمشاريع الخارجية داخل الأرض السورية اليوم، ستعمل على تحويلها إلى أجزاء ممزقة تخدم الأهداف الصهيونية في النهاية كإحدى حلقات الهيمنة الجديدة؟! ومنها تهديدات الكيان الصهيوني وطموحاته لا يمكن إغفالها!
{ ما تحتاجه سوريا هو دولة وطنية ذات سيادة واستقلال، خارج التلاعبات الدولية والإقليمية والأطماع التي لا تنتهي في الجغرافيا السورية وثرواتها من النفط والغاز وغيرها!
الطامعون يعملون على تفتيت الإنسان السوري وهويته الوطنية الجامعة، وتقسيم وحدة أراضيه وسيادته للاستيلاء على ثرواته!
ولأن المشهد لا يزال ضبابيًا، ولا أحد يمتلك رؤية واضحة، فإن الرهان باقٍ على وعي الشعب السوري وإرادته في إفشال مخططات إدخاله إلى الفوضى وتحويل بلده إلى دولة فاشلة!، ولعلّ فرحة تحرير البلد من النظام القهري الفاسد، الذي مثله «نظام الأسد» منذ أكثر من خمسة عقود، تكتمل حين التخلص من الكيانات المليشياوية التي تتطلع بقوة إلى حكم البلاد، فيما الحلّ هو دولة من دون مليشيات أيا كان توجهها أو قناعها الجديد! ودولة قادرة على مواجهة الأطماع الكثيرة بدعم عربي لا بدّ منه!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك