العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الثقافي

قصة قصيرة كان وانتهى

بقلم: محمد فيض خالد

السبت ٠٧ ديسمبر ٢٠٢٤ - 02:00

‮«‬الهداية‭ ‬من‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬يهمس‭ ‬بها‭ ‬الحاج‭ ‬عبدالصبور‭ ‬الجيار،‭ ‬وهو‭ ‬يتحامل‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬متجاوزا‭ ‬عتبة‭ ‬المسجد،‭ ‬يختفي‭ ‬صوته‭ ‬المهتز‭ ‬بجوار‭ ‬المنبر‭ ‬العتيق،‭ ‬يكر‭ ‬حبات‭ ‬مسبحته‭ ‬الكوك،‭ ‬ويغيم‭ ‬في‭ ‬تسبيح‭ ‬طويل‭.‬

على‭ ‬إثره‭ ‬يدخل‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالمنعم‭ ‬الصعيدي،‭ ‬هكذا‭ ‬عرفوه،‭ ‬منذ‭ ‬قدم‭ ‬صباحا‭ ‬فوق‭ ‬عربة‭ ‬محملة‭ ‬ببلاليص‭ ‬العسل‭ ‬الأسود،‭ ‬نزل‭ ‬بهم‭ ‬ولم‭ ‬يرحل،‭ ‬عبدالمنعم‭ ‬اسم‭ ‬جديد‭ ‬اخترعه،‭ ‬أما‭ ‬هو‭ ‬فصلاح‭ ‬الهوا‭ ‬مجرم‭ ‬عتيد،‭ ‬له‭ ‬تاريخ‭ ‬مخزٍ،‭ ‬يحاول‭ ‬طمسه،‭ ‬شهدت‭ ‬أحداثه‭ ‬عتمة‭ ‬الحقول،‭ ‬والسواقي‭ ‬المهجورة،‭ ‬وكلاب‭ ‬الطريق،‭ ‬طرفه‭ ‬بيد‭ ‬أبناء‭ ‬المنصر،‭ ‬والطرف‭ ‬الآخر‭ ‬بيد‭ ‬زبيدة،‭ ‬وزبيدة‭ ‬غجرية‭ ‬حسناء،‭ ‬جاوزت‭ ‬الثلاثين‭ ‬بقليل،‭ ‬انفق‭ ‬أيامه‭ ‬يتعقبها،‭ ‬يطوف‭ ‬بالعزب‭ ‬والنجوع‭ ‬والبنادر‭ ‬يبدر‭ ‬ماله،‭ ‬لا‭ ‬يهنأ‭ ‬له‭ ‬جفن،‭ ‬ولا‭ ‬يقر‭ ‬قرار،‭ ‬تكبره‭ ‬زبيدة‭ ‬بسنوات‭ ‬تغاضى‭ ‬عنها،‭ ‬وجد‭ ‬فيها‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يجد‭ ‬الرجل‭ ‬في‭ ‬المرأة‭ ‬من‭ ‬مزايا،‭ ‬عرفت‭ ‬كيف‭ ‬تأسر‭ ‬قلبه،‭ ‬فتبعها‭ ‬عن‭ ‬اقتناع‭ ‬كطفل‭ ‬غرير،‭ ‬زبيدة‭ ‬ابنة‭ ‬الليل‭ ‬وريبية‭ ‬المجهول،‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬لها‭ ‬أصل،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تعرفه،‭ ‬أن‭ ‬أمها‭ ‬مديحة‭ ‬العايقة‭ ‬رحلت‭ ‬ساعة‭ ‬نحس‭ ‬وهي‭ ‬تلدها،‭ ‬ربتها‭ ‬اعتدال،‭ ‬واعتدال‭ ‬مثلها‭ ‬تماما‭ ‬ابنة‭ ‬المجهول،‭ ‬ومن‭ ‬يحن‭ ‬على‭ ‬الغريب‭ ‬غير‭ ‬غريب‭ ‬مثله،‭ ‬ضمتها‭ ‬إليها،‭ ‬واهتمت‭ ‬لشأنها،‭ ‬سقتها‭ ‬من‭ ‬كارها،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬نجمة،‭ ‬تزدان‭ ‬بها‭ ‬ليالي‭ ‬الصعيد‭ ‬تملأ‭ ‬عيون‭ ‬العمد‭ ‬والأعيان‭ ‬وأصحاب‭ ‬الأطيان،‭ ‬كبرت‭ ‬زبيدة‭ ‬وكبرت‭ ‬معها‭ ‬علتها،‭ ‬لتتحول‭ ‬إلى‭ ‬جرح‭ ‬ينز‭ ‬الألم‭ ‬والحسرة،‭ ‬تمنت‭ ‬الأسرة،‭ ‬اشتهت‭ ‬بيتا‭ ‬وعزوة،‭ ‬وزوجا‭ ‬يحميها‭ ‬من‭ ‬الأعين‭ ‬الجائعة‭ ‬التي‭ ‬تنهشها،‭ ‬لزبائن‭ ‬سكارى‭ ‬وسط‭ ‬أنفاس‭ ‬الدخان،‭ ‬فتنت‭ ‬بصلاح،‭ ‬تعلقت‭ ‬به،‭ ‬ذاقا‭ ‬معا‭ ‬لذة‭ ‬الحب،‭ ‬تخفف‭ ‬من‭ ‬مخالطة‭ ‬رفقة‭ ‬الليل،‭ ‬ليصبح‭ ‬هملا‭ ‬رخوة‭ ‬لا‭ ‬يصلح‭ ‬لزعامة،‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬إلحاحهم‭ ‬ضاق‭ ‬ذرعا،‭ ‬حتى‭ ‬كانت‭ ‬ليلة‭ ‬دعاهم‭ ‬إلى‭ ‬بيته،‭ ‬للاتفاق‭ ‬على‭ ‬طلعة‭ ‬ليل،‭ ‬وبعدما‭ ‬لعب‭ ‬الشراب‭ ‬برؤوسهم‭ ‬وتراخت‭ ‬الأجسام،‭ ‬احرق‭ ‬عليهم‭ ‬البيت‭ ‬وهرب،‭ ‬اختفى‭ ‬للأبد،‭ ‬مات‭ ‬ابن‭ ‬الليل،‭ ‬ليولد‭ ‬في‭ ‬بقعة‭ ‬غيرها،‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالمنعم‭ ‬الصعيدي‭ ‬فهل‭ ‬يصمد‭ ‬للأبد‭.‬

 

قاص‭ ‬وكاتب‭ ‬مصري‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا