وخير جليس في الزمان كتاب، كانت الكتب في طفولتي جليسي الأول وسميري المفضل، كنا من جيل التلفزيون ذي القناتين الذي يبدأ بثه ربما في الثانية عشرة أو الواحدة وينتهي بثه دون أن يشفي غليل وحدتنا، كنت فتاة وحيدة ولم يكن لدي ما أتسلى به سوى مكتبة والدي الضخمة التي كانت بستانا يزدان بكل ما يتمناه قارئ، لكن نوعية الكتب كانت تنتمي أكثر إلى الكتب الدينية بسبب عمل والدي الذي كان عالماً جعل الدعوة حياته، كنت في الصف الثاني الابتدائي حين التقطت كتاباً صغيراً ليسامرني مازلت أذكر اسم الرواية المترجمة رغم نسياني آلاف العناوين الأخرى «بن كيزي طبيب القلوب» لا أذكر عما تدور الرواية لكني أذكر أنني وللمرة الأولى قرأت تعبير «الزائدة الدودية» فطلبت من والدي كتاباً عن التشريح أو الجراحة حتى أفهم سبب تسمية الزائدة بهذا الاسم فنصحني بقراءة مجلة العربي، وقد كان لدي أعدادها المبهرة التي يبتسم غلافها كل مرة بفتاة من ثقافة ودولة مختلفة وكأنني أسافر كل مرة على جناح مجلة العربي إلى دول أخرى واستمتع بأجوائها وثقافاتها.
كان تحدي القراءة الأول بيني وبين والدي أحضر صندوقاً ضخما من الكتب فبهتت والدتي حين رأته بينما لمعت عيناي بسعادة ولم اهتم بالمعركة التي ستدور بعد قليل، والتي سيكون مغزاها هو اعتراض والدتي على آلاف الجنيهات التي يضيعها أبي في الكتب وستستشهد حتما بمقولة جدتي وهي «ماليتنا كلها ورق» وأن الأولاد ربما لا يحتاجون هذه المبالغ الآن ولكن في المستقبل ربما يحتاجونها فالأولى أن تخزن في صورة أرض زراعية أو مبانٍ، علمتني القراءة أن أقدر صمت أبي في تلك المواقف فقد كان بارعاً في إنهاء كل الخلافات بنظرة واحدة لا تتكرر.
التقطت كتاباً ضخماً عنوانه «محمد الإنسان الكامل» لا أذكر الآن مؤلفه لكنني تراهنت مع أبي أن أقرأه في ليلة واحدة فابتسم قائلاً هذا مستحيل الكتاب ضخم ولن تتمكني من فهمه بشكل جيد إن قرأته بسرعة فقلت بصوت الصبية الواثقة «سأفعل وستمتحنني فيه» وستعطيني مائة جنيه لأنني فتاة صالحة تقرأ كتاباً صعباً في ليلة واحدة.
أخرج والدي من جيب الصديري خمسمائة جنيه ووضعها على الطاولة فشعرت أن شيئاً ما قد شق رئتي! فقط كان هذا الرقم سنة 92 كبيراً ولا أدري ماذا سأفعل به إن تفوقت على الوقت وفزت به، أخذت كتابي وجلست بمفردي اقرأ، كان كتابا سهل الأسلوب يحكي عن السيرة النبوية وعن أخلاقيات النبي محمد عليه الصلاة والسلام، لم أنم وظللت طوال الليل اقرأ واكتب الفكرة أو المعلومة التي تدور عنها الفقرات وفي الصباح قرأت ملخصي وذهبت لأبي ليمتحنني، لن أنسى نظرة الانبهار في عيني أبي وفخره بي وهو يناقشني بينما علقت أمي على الليل الذي لم أنمه وتلك الهالات السوداء التي زينت عيناي.
كانت تلك الخمسمائة جنيه جائزتي الأولى في القراءة شعرت بأنني امتلكت العالم حين قبلها أبي ووضعها في يدي فاقترحت أمي ككل الأمهات أن تدخرها لي ودخلت في دايلاما جديدة، ماذا سأفعل بها ليقترح والدي أن أشتري خاتماً من الذهب ليرافقني ويذكرني دائماً بأهمية القراءة.
اتابع بفخر كل التحديات التي تقيمها الجهات العربية للقراءة وأشعر أننا يجب أن ندعمها بكل ما أوتينا من قوة القراءة هي ما حولتني إلى كاتبة مجيدة تضج المكتبات برواياتها وقصصها وتزدحم المواقع بمقالاتها لذا أشعر أن كل قارئ لديه نواة كاتب ومثقف تستطيع تلك التحديات أن تنبته، اعجبني التحدي الثاني لمنصة أبجد وتابعت كل الآراء التي تشجع التحدي والآراء التي تشعر بالعجز أمام النقاط الكثيرة التي يحرزها بعض القراء في الحقيقة أنا أعتب على أبجد فقط اختيار توقيت صعب بالنسبة للقراء العربي فهو موسم المدارس التي تطحن به الأمهات وهو موسم التوقيت الشتوي في مصر والذي يقصر معه اليوم بصورة لا تمنحنا القدرة على الالتفات للخلف ولكن ورغم ذلك أحيي هذه الجهة التي جعلت من القراءة عادة لكثير من شبابنا وبناتنا ووفرت كتب كثيرة لا يمكن توافرها بمكان واحد وهيأت كل السبل للقراءة لذا أدعو جميع الجهات الثقافية والتعليمية في الوطن العربي إلى دعم هذا التحدي والمشاركة في احتفالية القراءة الإلكترونية خلال شهر نوفمبر، فهذا الحدث يمثل فرصة لإثراء الثقافة العربية وتعزيز عادة القراءة اليومية. فهو فرصة استثنائية لتعزيز ثقافة القراءة اليومية، وتشجيع القراء على استكشاف مجموعة متنوعة من الأدب العربي المتاح عبر مكتبة أبجد الإلكترونية التي تضم أكثر من 25 ألف كتاب عربي من مؤلفات ومترجمات بالتعاون مع أكثر من 180 دار نشر عربية.
{ كاتبة وأديبة مصرية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك