العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

شرق و غرب

نتنياهو يحارب الطموحات الفلسطينية من أوسلو إلى حل الدولتين

السبت ١٣ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

بقلم‭: ‬توماس‭ ‬فسكوفي‭ ‬{‭ ‬

 

لقد‭ ‬جاءت‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬نفذتها‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬لتعيد‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬الواجهة‭ ‬وتذكرنا‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬المرير‭ ‬الذي‭ ‬فرض‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬تحقيق‭ ‬السلام‭ ‬والأمن‭ ‬الدائمين‭.‬

قبل‭ ‬هجوم‭ ‬حماس‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬مفاوضات‭ ‬أو‭ ‬‮«‬عمليات‭ ‬سلام‮»‬‭ ‬بين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬والفلسطينيين‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬اتفاقيات‭ ‬أوسلو،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬التوقيع‭ ‬عليها‭ ‬قبل‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاماً،‭ ‬قد‭ ‬أعطت‭ ‬الانطباع‭ ‬بأنها‭ ‬ستسهم‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التقارب‭ ‬بين‭ ‬مصالح‭ ‬الطرفين،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تؤد‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬الاستعمار‭ ‬والاحتلال‭ ‬وتوسيع‭ ‬رقعة‭ ‬الاستيطان‭.‬

وقبل‭ ‬شهر‭ ‬من‭ ‬اندلاع‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الجديدة،‭ ‬كشف‭ ‬استطلاع‭ ‬للرأي‭ ‬أجراه‭ ‬المركز‭ ‬الفلسطيني‭ ‬للبحوث‭ ‬السياسية‭ ‬والمسحية‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ثلثي‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬يعتبرون‭ ‬وضعهم‭ ‬الحالي‭ ‬أسوأ‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬إبرام‭ ‬اتفاقيات‭ ‬أوسلو‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1993‭. ‬لكن‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬عملية‭ ‬السلام‮»‬‭ ‬وتدهورها‭ ‬لا‭ ‬يبدوان‭ ‬بالضرورة‭ ‬فاشلين‭ ‬لأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬حققت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أهدافها‭ ‬بفضل‭ ‬اتفاقيات‭ ‬أوسلو‭. ‬

أوضحت‭ ‬الصحفية‭ ‬أميرة‭ ‬هاس‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬منشور‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬هآرتس‭ ‬أن‭ ‬إنشاء‭ ‬الجيوب‭ ‬أو‭ ‬الكانتونات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬يشكل‭ ‬‮«‬نتيجة‭ ‬تسوية‭ ‬داخلية‭ ‬داخل‭ ‬المؤسسة‭ ‬الإسرائيلية‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تحديد‭ ‬ملامح‭ ‬الاحتلال‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬اختفاء‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬سياسيا‭ ‬ومحوهم‭ ‬من‭ ‬المشهد‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬الاضطرار‭ ‬إلى‭ ‬طردهم،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ضم‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬رسميًا‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬مكّن‭ ‬من‭ ‬إيجاد‭ ‬توافق‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬بين‭ ‬مؤيدي‭ ‬التفاوض‭ ‬ومعارضيه‭.‬

ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬احتمال‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬ذات‭ ‬سيادة‭ ‬كاملة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬على‭ ‬جدول‭ ‬الأعمال‭. ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وزعيمها‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭. ‬كان‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬مطلب‭ ‬التحرير‭ ‬الكامل‭ ‬لفلسطين‭ ‬لصالح‭ ‬دولة‭ ‬يتم‭ ‬تقليص‭ ‬مساحتها‭ ‬إلى‭ ‬22‭%‬‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬المخصصة‭ ‬بموجب‭ ‬خطة‭ ‬التقسيم‭ ‬التي‭ ‬أقرتها‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عام‭ ‬1947‭ ‬بمثابة‭ ‬تنازل‭ ‬تاريخي‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فلا‭ ‬يزال‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬التفاوض‮»‬،‭ ‬تحت‭ ‬رعاية‭ ‬الحكم‭ ‬أو‭ ‬الوسيط‭ ‬الأمريكي‭ ‬المنحاز‭ ‬وغير‭ ‬النزيه‭.‬

وفي‭ ‬استطلاع‭ ‬آخر‭ ‬للرأي‭ ‬أجري‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬سنة‭ ‬2023،‭ ‬أكد‭ ‬المركز‭ ‬الفلسطيني‭ ‬للبحوث‭ ‬السياسية‭ ‬والمسحية‭ ‬أن‭ ‬دعم‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بهذا‭ ‬الانخفاض‭ ‬في‭ ‬كلا‭ ‬المجتمعين‭. ‬وعلى‭ ‬الجانب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬دافع‭ ‬33‭%‬‭ ‬من‭ ‬المستطلعين‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬مقارنة‭ ‬بـ43‭%‬‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2020‭. ‬وعلى‭ ‬الجانب‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬أيده‭ ‬39‭%‬‭ (‬34‭%‬‭ ‬بين‭ ‬اليهود‭ ‬وحدهم‭).‬

يجب‭ ‬وضع‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات‭ ‬في‭ ‬منظورها‭ ‬وسياقها‭ ‬وإطارها‭ ‬الصحيح‭ ‬في‭ ‬تفسيرها‭: ‬فالفلسطينيون‭ ‬لا‭ ‬يبتعدون‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الحل‭ ‬‭ ‬أي‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ - ‬لأنهم‭ ‬لم‭ ‬يعودوا‭ ‬يريدونه،‭ ‬بل‭ ‬لأنهم‭ ‬يعتبرونه‭ ‬الآن‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للتحقيق‭.‬

فضلاً‭ ‬عن‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الحلول‭ ‬البديلة‭ ‬لا‭ ‬تستفيد‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬استفتاء،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بحقوق‭ ‬متساوية‭ ‬للإسرائيليين‭ ‬والفلسطينيين‭ ‬لا‭ ‬تحظى‭ ‬بتأييد‭ ‬سوى‭ ‬20‭%‬‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يعتقد‭ ‬23‭%‬‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬ممكن‭.‬

خلال‭ ‬ثلاثين‭ ‬عاماً،‭ ‬هناك‭ ‬أربع‭ ‬ظواهر‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬تفسر‭ ‬لماذا‭ ‬توقف‭ ‬السكان‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬عن‭ ‬الإيمان‭ ‬بحل‭ ‬الدولتين،‭ ‬وتخلوا‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬السيادة‭. ‬أولا،‭ ‬لم‭ ‬يظهر‭ ‬استعمار‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬أبدا‭ ‬أدنى‭ ‬علامة‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬يتباطأ،‭ ‬كما‭ ‬تعزز‭ ‬الترابط‭ ‬بين‭ ‬المجتمعين‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬يعتمدون‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬فإن‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬تشكل‭ ‬أرضاً‭ ‬‮«‬اختبارية‮»‬‭ ‬للمجمع‭ ‬الصناعي‭ ‬العسكري‭ ‬الإسرائيلي‭. ‬وهو‭ ‬يشكل‭ ‬أيضاً‭ ‬مكاسب‭ ‬مالية‭ ‬كبيرة‭ ‬للرأسمالية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬والتي‭ ‬تمارس‭ ‬المضاربة‭ ‬كما‭ ‬تشاء‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬المسروقة‭ ‬من‭ ‬السكان‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬المحليين‭.‬

ثانيًا،‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬قيد‭ ‬التكوين‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬تلعب‭ ‬دور‭ ‬المساعدة‭ ‬للاحتلال‭ ‬بسبب‭ ‬تنسيقها‭ ‬الأمني‭ ‬مع‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الانجراف‭ ‬الاستبدادي‭ ‬لرئاسة‭ ‬السيد‭ ‬محمود‭ ‬عباس‭.‬

وقد‭ ‬ازداد‭ ‬وضع‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الخطط‭ ‬والسياسات‭ ‬الاستيطانية‭ ‬لحكومة‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬بقيادة‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭.‬

أما‭ ‬النجاحات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬التي‭ ‬حققتها‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ - ‬قبول‭ ‬دولة‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتربية‭ ‬والعلوم‭ ‬والثقافة‭ (‬اليونسكو‭) ‬في‭ ‬عام‭ ‬2011،‭ ‬ودخولها‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬كمراقب‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2012،‭ ‬ثم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بها‭ ‬رسميًا‭ ‬كدولة‭ ‬الدولة‭ ‬الطرف،‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2015،‭ ‬فإنها‭ ‬لم‭ ‬تغير‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭. ‬

ثالثاً،‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬تفتيت‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬جيوب‭ ‬أو‭ ‬كانتونات‭ ‬معزولة‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬المحتلة،‭ ‬وفصلها‭ ‬عن‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬يضاف‭ ‬إليها‭ ‬انقسام‭ ‬قيادتها،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الضفة‭ ‬والقطاع‭.‬

في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬لهجوم‭ ‬حماس‭ ‬أمر‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬السيد‭ ‬يوآف‭ ‬غالانت،‭ ‬بقطع‭ ‬الكهرباء‭ ‬وإمدادات‭ ‬المياه‭ ‬والغذاء‭ ‬عن‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬المحاصر‭ ‬برا‭ ‬وبحرا‭ ‬وجوا‭.  ‬

أدى‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬تفاقم‭ ‬الصعوبات‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬السكان‭ ‬الذين‭ ‬يصل‭ ‬معدل‭ ‬البطالة‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬دون‭ ‬29‭ ‬عاما‭ ‬إلى‭ ‬75‭%‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يعتمد‭ ‬80‭%‬‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬البالغ‭ ‬عددهم‭ ‬2‭.‬2‭ ‬مليون‭ ‬نسمة‭ ‬على‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الخارجية‭.‬

وأخيراً‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬عملية‭ ‬السلام‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬قابلة‭ ‬للحياة،‭ ‬سمحت‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬للقادة‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬بشراء‭ ‬الوقت‭ ‬لتعزيز‭ ‬قبضتهم‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭ ‬وتوسيع‭ ‬رقعة‭ ‬الاستيطان‭.‬

وفوق‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬فإن‭ ‬الدول‭ ‬الملتزمة‭ ‬بدعم‭ ‬اتفاقات‭ ‬أوسلو‭ ‬مالياً‭ ‬ودبلوماسياً‭ ‬رفضت‭ ‬دائماً‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬صراع‭ ‬بين‭ ‬‮«‬دولتين‭ ‬مؤسستين‮»‬،‭ ‬لتجنب‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬ضد‭ ‬الطرف‭ ‬الذي‭ ‬ينتهك‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬‭ ‬أي‭ ‬إسرائيل‭. ‬

إن‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬حقيقتها،‭ ‬أي‭ ‬القوة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تحترم‭ ‬قط‭ ‬أدنى‭ ‬قرار‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬منذ‭ ‬إنشائها،‭ ‬يعني‭ ‬ضمناً‭ ‬ممارسة‭ ‬ضغوط‭ ‬كافية‭ ‬لإجبار‭ ‬قادتها‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬حقوق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬قضية‭ ‬حيوية‭ ‬لاستدامة‭ ‬دولتهم‭.  ‬

داخل‭ ‬البرلمان‭ ‬الإسرائيلي‭ (‬الكنيست‭)‬،‭ ‬يدافع‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬مائة‭ ‬نائب‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬مائة‭ ‬وعشرين‭ ‬عن‭ ‬استمرار‭ ‬الاستعمار‭ ‬الاستيطاني،‭ ‬أو‭ ‬حتى،‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الأغلبية،‭ ‬ضم‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬بأكملها‭ ‬أو‭ ‬جزء‭ ‬منها‭.‬

وبشكل‭ ‬عام،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬إسرائيل‭ ‬والأراضي‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬يبلغ‭ ‬عدد‭ ‬السكان‭ ‬العرب‭ ‬واليهود‭ ‬7‭.‬1‭ ‬و7‭ ‬ملايين‭ ‬على‭ ‬التوالي‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬نفسها،‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬سوى‭ ‬حدود‭ ‬حقيقية‭ ‬واحدة‭ (‬تديرها‭ ‬السلطات‭ ‬الإسرائيلية‭)‬،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يهيمن‭ ‬الشيكل‭ ‬على‭ ‬التجارة‭.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬العناصر‭ ‬المادية‭ ‬والمؤسسية‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬السكان،‭ ‬فإن‭ ‬الواقع‭ ‬يظل‭ ‬كما‭ ‬يلي‭: ‬في‭ ‬الواقع،‭ ‬هناك‭ ‬دولة‭ ‬واحدة‭ ‬موجودة‭ ‬بالفعل‭.‬

أما‭ ‬الجدار‭ ‬الذي‭ ‬أقامته‭ ‬إسرائيل‭ ‬فإنه‭ ‬يتبع‭ ‬فقط‭ ‬خط‭ ‬الفصل‭ ‬المعمول‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1967‭ ‬‮«‬الخط‭ ‬الأخضر‮»‬‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬20‭%‬‭ ‬من‭ ‬مساره،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يلعب‭ ‬دور‭ ‬الحدود‭ ‬الافتراضية‭: ‬10‭%‬‭ ‬من‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬النحو‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يقيم‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬700‭.‬000‭ ‬مواطن‭ ‬إسرائيلي‭ ‬يهودي‭ ‬في‭ ‬المستوطنات‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬والقدس‭ ‬الشرقية،‭ ‬ويتقاسمون‭ ‬أماكن‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬مع‭ ‬السكان‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬والمتاجر‭ ‬والطرق‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭. ‬ويدخل‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬نحو‭ ‬150‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني‭ ‬من‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬و17‭ ‬ألفا‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬للعمل‭.‬

وفي‭ ‬الواقع،‭ ‬تنظم‭ ‬المؤسسات‭ ‬والبرلمان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬كل‭ ‬أو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬لجميع‭ ‬سكانها،‭ ‬وكذلك‭ ‬حياة‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة‭. ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الفارق‭ ‬أن‭ ‬سكان‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة،‭ ‬الذين‭ ‬يزيد‭ ‬عددهم‭ ‬على‭ ‬خمسة‭ ‬ملايين‭ ‬نسمة،‭ ‬ليس‭ ‬لديهم‭ ‬إمكانية‭ ‬التصرف‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬القرارات‭ ‬التي‭ ‬اتخذتها‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭.‬

إنهم‭ ‬يخضعون‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬المجال‭ ‬لقوانين‭ ‬ومحاكم‭ ‬مختلفة،‭ ‬اعتمادًا‭ ‬على‭ ‬مكان‭ ‬إقامتهم‭ ‬وانتمائهم‭ ‬الوطني،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬السكان‭ ‬اليهود‭ ‬وحدهم‭ ‬يستفيدون‭ ‬من‭ ‬كامل‭ ‬حقوقهم،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬بالتالي‭ ‬امتيازات‭.‬

وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الأساس‭ ‬تصف‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المنظمات‭ ‬غير‭ ‬الحكومية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والفلسطينية‭ ‬والدولية‭ ‬نظام‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬بنظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭.‬

وفي‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬الفريدة،‭ ‬لا‭ ‬يستفيد‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬حماية‭ ‬ضد‭ ‬قرارات‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬وانتهاكات‭ ‬المستوطنين،‭ ‬مما‭ ‬يؤجج‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلحة‭ ‬لدى‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬الفلسطيني‭: ‬ويتجلى‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الظهور‭ ‬الأخير‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬أسود‮»‬‭ ‬جنين‭ ‬أو‭ ‬نابلس‭.‬

لقد‭ ‬اعتاد‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬الذي‭ ‬اعتبره‭ ‬وضعاً‭ ‬قائماً،‭ ‬حيث‭ ‬أتاحت‭ ‬السياسات‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬وضعها‭ ‬بعد‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الثانية‭ (‬2000-2005‭) ‬جعل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬غير‭ ‬مرئيين‭. ‬لقد‭ ‬سلط‭ ‬حريق‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬شعب‭ ‬يخنقه‭ ‬القمع‭ ‬ولا‭ ‬يستفيد‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬منظور‭ ‬سياسي‭.‬

لقد‭ ‬فتح‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة‭ ‬حقًا‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬المبادرات‭ ‬داخل‭ ‬المجتمعين‭ ‬للتفكير‭ ‬في‭ ‬نهج‭ ‬جديد‭.‬

على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬تدعو‭ ‬منظمة‭ ‬الأرض‭ ‬للجميع‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬كونفدرالي‭ ‬وحل‭ ‬الدولتين‭ ‬يضمن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحرية‭ ‬التنقل‭ ‬والاستيطان،‭ ‬والسيادة‭ ‬المشتركة‭ ‬للشعبين،‭ ‬وخاصة‭ ‬على‭ ‬القدس‭ ‬والموارد‭ ‬الطبيعية،‭ ‬والمساواة‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬العدالة‭ ‬أو‭ ‬الأمن‭.‬

ولنذكر‭ ‬أيضًا‭ ‬حملة‭ ‬الدولة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الواحدة،‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬حيفا‭ ‬العربية‭ ‬اليهودية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬حول‭ ‬برنامج‭ ‬من‭ ‬عشر‭ ‬نقاط‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬تشكيل‭ ‬أساس‭ ‬لمشروع‭ ‬سياسي‭ ‬مشترك‭ ‬بين‭ ‬المجتمعين‭.‬

ليس‭ ‬هناك‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الهياكل‭ ‬المسلحة‭ ‬ستستمر،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬تنهار‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬الصدمة‭ ‬التي‭ ‬سببها‭ ‬هجوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

وللعلم،‭ ‬فقد‭ ‬احتشدت‭ ‬المعارضة‭ ‬الشعبية‭ ‬لمشروع‭ ‬نتنياهو‭ ‬الإصلاحي‭ ‬القضائي‭ ‬مدة‭ ‬أربعين‭ ‬أسبوعا‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتمكن‭ ‬الكتلة‭ ‬المعادية‭ ‬للاستعمار‭ ‬من‭ ‬جعل‭ ‬المتظاهرين‭ ‬يفهمون‭ ‬أن‭ ‬مصير‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الأولوية‭ ‬وأنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ ‬ديمقراطية‭ ‬أن‭ ‬تتعايش‭ ‬مع‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬والاحتلال‭.‬

منذ‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬دعت‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بأكملها،‭ ‬باستثناء‭ ‬اليسار‭ ‬المناهض‭ ‬للاستعمار‭ ‬وبعض‭ ‬المثقفين‭ ‬إلى‭ ‬شن‭ ‬عملية‭ ‬واسعة‭ ‬النطاق‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬‮«‬كسب‭ ‬الحرب‮»‬‭ ‬ضد‭ ‬حماس‭.‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬منظمة‭ ‬كاملة‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أمرا‭ ‬ممكنا‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬صعبا،‭ ‬فإن‭ ‬المرء‭ ‬يتساءل‭ ‬عما‭ ‬سيفعله‭ ‬نتنياهو‭ ‬إذا‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬السلطة‭.‬

وإذا‭ ‬رحل‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬فهل‭ ‬تتمكن‭ ‬حكومة‭ ‬خليفته‭ ‬من‭ ‬تحديد‭ ‬نهج‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ضمان‭ ‬الحقوق‭ ‬الفردية‭ ‬والجماعية‭ ‬المتساوية‭ ‬لجميع‭ ‬المواطنين‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬بين‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط‭ ‬ونهر‭ ‬الأردن‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬أصلهم‭ ‬ودينهم؟

{‭ ‬باحث‭ ‬مختص‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬إسرائيل‭ ‬والأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭.‬

 

لوموند‭ ‬دبلوماتيك

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا