العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الثقافي

الفكرة تقود التشكيل النصي في سرد القاص السعودي حسين السنونة

السبت ٠٧ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬عالم‭ ‬التجريب‭ ‬السردي‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬أفق‭ ‬محدود‭ ‬للتشكل‭ ‬النصي،‭ ‬ففكرة‭ ‬التجريب‭ ‬قد‭ ‬توصل‭ ‬كاتبا‭ ‬لنسج‭ ‬عوالم‭ ‬لم‭ ‬يتخيلها،‭ ‬وأفكارًا‭ ‬وجملًا‭ ‬نسجت‭ ‬نفسها‭ ‬بين‭ ‬دهاليز‭ ‬النص،‭ ‬وذلك‭ ‬يحدث‭ ‬حينما‭ ‬يبدأ‭ ‬الكاتب‭ ‬في‭ ‬اللعب‭ ‬بعناصر‭ ‬الجنس‭ ‬الأدبي‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬كتابته،‭ ‬ولعل‭ ‬الكاتب‭ ‬السعودي‭ ‬‮«‬حسين‭ ‬السنونة‮»‬‭ ‬أحد‭ ‬نماذج‭ ‬التجريب‭ ‬الذي‭ ‬أنتج‭ ‬نصوصًا‭ ‬تقود‭ ‬‮«‬الفكرة‮»‬‭ ‬فضاء‭ ‬النص‭ ‬السردي،‭ ‬وتجرّ‭ ‬عناصر‭ ‬‮«‬الحكاية‮»‬‭ ‬خلفها،‭ ‬لتنتزع‭ ‬منها‭ ‬شارة‭ ‬الصدارة‭.‬

في‭ ‬مجموعتيه‭ ‬القصصيتين‭ (‬نساء‭ ‬قريتي‭ ‬لا‭ ‬يدخلن‭ ‬الجنة‭)‬،‭ ‬و‭(‬أقنعة‭ ‬من‭ ‬لحم‭) ‬يحفر‭ ‬الكاتب‭ ‬السعودي‭ (‬حسين‭ ‬السنونة‭) ‬عددًا‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬القصيرة‭ ‬التي‭ ‬يجمعها‭ ‬هذا‭ ‬الملمح‭ ‬السردي‭ ‬المميز‭: ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬التشكل‭ ‬النصي‭ ‬بفكرة‭ ‬غريبة‭ ‬تشبه‭ ‬الدوامة‭ ‬الصغيرة‭ ‬في‭ ‬بركة‭ ‬ماء‭ ‬هادئ،‭ ‬ثم‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تتسارع‭ ‬تلك‭ ‬الدوامة‭ ‬لتسحب‭ ‬إليها‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬بتلك‭ ‬البركة‭ ‬فيدور‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬فلكها‭ ‬حتى‭ ‬تتشكل‭ ‬صورة‭ ‬جديدة‭ ‬وربما‭ ‬غريبة‭ ‬وأحيانًا‭ ‬صادمة،‭ ‬فيتحول‭ ‬الماء‭ ‬لشيء‭ ‬آخر‭.‬

ليس‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بالتجريب‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اللعب‭ ‬في‭ ‬الأدوات،‭ ‬لكنك‭ ‬حين‭ ‬تمسك‭ ‬بأطراف‭ ‬اللعبة‭ ‬تنتج‭ ‬نصًا‭ ‬جميلًا؛‭ ‬وهكذا‭ ‬فعل‭ ‬سنونة‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬نصوصه‭ ‬التي‭ ‬ضمتها‭ ‬المجموعتان،‭ ‬ولنأخذ‭ ‬مثالا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مجموعة،‭ ‬ففي‭ ‬قصة‭ ‬‮«‬أقنعة‭ ‬من‭ ‬لحم‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬القصة‭ ‬التي‭ ‬تصدرت‭ ‬غلاف‭ ‬المجموعة‭ ‬نجد‭ ‬فكرة‭ ‬استيقاظ‭ ‬بطل‭ ‬القصة‭ ‬وهو‭ ‬يرى‭ ‬وجهه‭ ‬في‭ ‬صباح‭ ‬يوم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬المرآة‭ ‬بوجه‭ ‬كلب‭! ‬يصدم‭ ‬الرجل‭ ‬وهو‭ ‬رب‭ ‬أسرة‭ ‬وموظف‭ ‬بالبنك‭ ‬من‭ ‬منظر‭ ‬وجهه،‭ ‬وتبدأ‭ ‬الأسئلة‭ ‬المقلقة‭ ‬تدور‭ ‬بعقله‭: ‬كيف‭ ‬سأخرج‭ ‬من‭ ‬غرفة‭ ‬نومي؟‭ ‬وما‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬زوجتي‭ ‬وأبنائي؟‭ ‬كيف‭ ‬سأذهب‭ ‬لدوامي‭ ‬في‭ ‬البنك،‭ ‬وكيف‭ ‬سألتقي‭ ‬بالزبائن؟‭ ‬كيف‭ ‬ستسمر‭ ‬حياتي‭ ‬وأنا‭ ‬بوجه‭ ‬كلب؟

لكنه‭ ‬يفاجأ‭ ‬بأنه‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬نفسه‭ ‬بتلك‭ ‬الهيئة‭ ‬الغريبة،‭ ‬فزوجته‭ ‬وأولاده‭ ‬يرونه‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعي‭ ‬كما‭ ‬يرونه‭ ‬كلّ‭ ‬يوم،‭ ‬وهم‭ ‬يردون‭ ‬على‭ ‬تساؤلاته‭ ‬المبطنة‭ ‬بالقلق‭ ‬بالإطراء‭ ‬والمديح؛‭ ‬وحتى‭ ‬حينما‭ ‬قصد‭ ‬البنك‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬من‭ ‬الزبائن‭ ‬أي‭ ‬ردّ‭ ‬فعل‭ ‬غير‭ ‬عادي،‭ ‬لكن‭ ‬أحد‭ ‬الزبائن‭ ‬أحيا‭ ‬الفكرة‭ ‬في‭ ‬عقله‭ ‬بقوله‭ ‬له‭: ‬‮«‬شكرًا‭ ‬لأمانتك‭ ‬ووفائك،‭ ‬واسمح‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أؤكد‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬وفاءك‭ ‬مثل‭ ‬وفاء‭ ‬كلب‮»‬،‭ ‬ورغم‭ ‬إن‭ ‬المتحدث‭ ‬يؤكد‭ ‬له‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يجيد‭ ‬الكلام‭ ‬المنمق‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬أعاده‭ ‬لمنظر‭ ‬وجهه‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬في‭ ‬مرآة‭ ‬الحمام‭ ‬بمنزله‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬كلب‭ ‬فأخذ‭ ‬يتحسس‭ ‬وجهه‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭.‬

وفي‭ ‬قصة‭ (‬قهقهة‭ ‬في‭ ‬السماء‭) ‬من‭ ‬مجموعة‭ (‬نساء‭ ‬قريتي‭ ‬لا‭ ‬يدخلن‭ ‬الجنة‭) ‬نجد‭ ‬حسين‭ ‬سنونة‭ ‬يوغل‭ ‬في‭ ‬التجريب‭ ‬المؤدي‭ ‬للتشكيل‭ ‬النصي،‭ ‬فالفكرة‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬انفلات‭ ‬ضحكة‭ ‬من‭ ‬رجل‭ ‬ستيني‭ ‬يجلس‭ ‬في‭ ‬مقهى،‭ ‬يجعل‭ ‬جميع‭ ‬رواد‭ ‬المقهى‭ ‬يضحكون،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬تنتشر‭ ‬الضحكة‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬المجاور‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬المدينة،‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الأخرى،‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬للرئيس‭ ‬الذي‭ ‬يظهر‭ ‬ضاحكًا‭ ‬في‭ ‬شرفة‭ ‬قصره‭. ‬يُسأل‭ ‬الرجل‭ ‬الستيني‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬ضحكه‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬حديث‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬والناس‭ ‬فيقول‭: ‬‮«‬صاحب‭ ‬المقهى‭ ‬قال‭ ‬لي‭: ‬مساء‭ ‬الخير‭ ‬يا‭ ‬محترم‭. ‬فشعرت‭ ‬إني‭ ‬مواطن‭ ‬عربي‭ ‬محترم‮»‬‭.‬

تتحول‭ ‬اللوحات‭ ‬التي‭ ‬ينتجها‭ ‬قلم‭ ‬سنونة‭ ‬إلى‭ ‬أسئلة‭ ‬ففي‭ ‬قصة‭ (‬ريال‭ ‬فلسطين‭. ‬سمكة‭ ‬كبيرة‭) ‬تتشظى‭ ‬اللوحة‭ ‬التي‭ ‬رسمها‭ ‬لطفل‭ ‬يدفع‭ ‬مصروفه‭ ‬المدرسي‭ ‬وهو‭ ‬ريال‭ ‬واحد‭ ‬للمدرس‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬ينظم‭ ‬حملة‭ ‬لدعم‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين،‭ ‬وهي‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬ولد‭ ‬ذلك‭ ‬الطفل‭ ‬وهي‭ ‬محفورة‭ ‬في‭ ‬قلبه‭ ‬كنقش‭ ‬فرعوني،‭ ‬لكنه‭ ‬يشعرُ‭ ‬بالجوع‭ ‬الشديد‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ذهب‭ ‬الريال‭ ‬الذي‭ ‬يشتري‭ ‬به‭ ‬شوكولاتا‭ (‬الباونتي‭) ‬كلّ‭ ‬يوم،‭ ‬فيلجأ‭ ‬لشرب‭ ‬الماء‭ ‬ليسدّ‭ ‬جوعه،‭ ‬وعندما‭ ‬يعود‭ ‬للمنزل‭ ‬يقصّ‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬لأمه‭ ‬وهو‭ ‬يصرخ‭: ‬جائع‭. ‬جائع‭. ‬جائع،‭ ‬ويطلب‭ ‬وجبة‭ ‬غدائه‭ ‬مبكرًا،‭ ‬فتمدح‭ ‬أمه‭ ‬تضحيته‭ ‬وتضع‭ ‬له‭ ‬سمكة‭ ‬كبيرة‭ ‬مكافأة‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬التضحية‭. ‬أعجب‭ ‬الطفل‭ ‬بتلك‭ ‬المقايضة‭ ‬فسأل‭ ‬أمه‭: ‬‮«‬ما‭ ‬رأيك‭ ‬بأن‭ ‬أقدم‭ ‬مصروفي‭ ‬كلّ‭ ‬يوم‭ ‬لفلسطين،‭ ‬وتعطيني‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬سمكة‭ ‬كبيرة؟‮»‬،‭ ‬فردّت‭ ‬ووجهها‭ ‬يمتلئ‭ ‬بالأسى‭: ‬‮«‬ولكن‭ ‬إلى‭ ‬متى‭ ‬ستدفع‭ ‬ريال‭ ‬فلسطين؟‮»‬‭.‬

الواقع‭ ‬أن‭ ‬قصة‭ ‬ذلك‭ ‬الطفل‭ ‬تولد‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬حول‭ ‬الدعم‭ ‬العربي‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وعلاقة‭ ‬الفقراء‭ ‬بتلك‭ ‬القضية،‭ ‬وكيف‭ ‬إنه‭ ‬يضحون‭ ‬بما‭ ‬يملكون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬نصرة‭ ‬هذه‭ ‬القضية،‭ ‬لكن‭ ‬السؤال‭ ‬يبقى‭ ‬إلى‭ ‬متى؟‭.‬

يبقى‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تقنية‭ ‬تجريب‭ ‬التشكيل‭ ‬النصي‭ ‬أخذت‭ ‬بعدًا‭ ‬أعمق‭ ‬وأكبر‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ (‬أقنعة‭ ‬من‭ ‬لحم‭)‬،‭ ‬فجميع‭ ‬نصوص‭ ‬هذه‭ ‬المجموعة‭ ‬هي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬أفكار‭ ‬تقود‭ ‬الحكاية،‭ ‬وتؤدي‭ ‬إلى‭ ‬نسج‭ ‬الصورة،‭ ‬فهناك‭ ‬فكرة‭ ‬مواطن‭ ‬يقرر‭ ‬ألا‭ ‬يتحرك‭ ‬في‭ ‬قصة‭: (‬ترانيم‭ ‬مواطن‭ ‬لا‭ ‬يتحرك‭) ‬ليتحول‭ ‬لمشكلة‭ ‬عامة،‭ ‬وهناك‭ ‬فكرة‭ ‬مواطن‭ ‬لا‭ ‬يأتيه‭ ‬النوم‭ ‬ليلة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬السنة‭ ‬في‭ ‬قصة‭ (‬اشتاق‭ ‬للعناق‭ ‬فاستيقظ‭)‬،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬القصص‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬بحريني

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا