العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

اطلالة

هالة كمال الدين

halakamal99@hotmail.com

كبسولات الحب

كتبت‭ ‬إحداهن‭ ‬وهن‭ ‬من‭ ‬الشهيرات‭ ‬الناشطات‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬تويته‭ ‬طرحت‭ ‬فيها‭ ‬عدة‭ ‬تساؤلات‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭:‬

من‭ ‬الذي‭ ‬يصنع‭ ‬الكراهية؟

من‭ ‬الذي‭ ‬يغذيها؟

ولماذا؟

ومن‭ ‬المستفيد‭ ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬اليومي‭ ‬والغزير‭ ‬لهذه‭ ‬السلعة‭ ‬الضارة؟

أما‭ ‬سؤالي‭ ‬شخصيا‭ ‬فهو‭:‬

من‭ ‬أين‭ ‬لنا‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬إجابة‭ ‬محددة‭ ‬شافية‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الأسئلة؟؟

لعل‭ ‬أجمل‭ ‬ما‭ ‬قرأت‭ ‬عن‭ ‬شعور‭ ‬الكراهية‭ ‬البغيض‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬الإحساس‭  ‬الأطول‭ ‬أمدا‭ ‬على‭ ‬الاطلاق،‭ ‬حيث‭ ‬يقع‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬خاطفة،‭ ‬ولكنهم‭ ‬يكرهون‭ ‬بتمهل،‭ ‬وعلى‭ ‬روية،‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬قد‭ ‬تنسى‭ ‬وتمحى‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬الكراهية،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬الحب‭ ‬هو‭ ‬الأقرب‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬الإنسان‭.‬

نعم،‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬د‭. ‬مصطفى‭ ‬محمود‭: ‬‮«‬الكراهية‭ ‬تكلف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الحب‭.. ‬لأنها‭ ‬إحساس‭ ‬غير‭ ‬طبيعي‭.. ‬عكسي‭.. ‬مثل‭ ‬حركة‭ ‬الأجسام‭ ‬ضد‭ ‬جاذبية‭ ‬الأرض‭.. ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭ ‬إضافية‭.. ‬وتستهلك‭ ‬طاقة‭ ‬ووقودا‭ ‬أكثر‮»‬‭!.‬

الكراهية‭ ‬مثلها‭ ‬مثل‭ ‬الفيروس‭ ‬الكامن،‭ ‬الذي‭ ‬يسكن‭ ‬كافة‭ ‬الأجساد‭ ‬البشرية،‭ ‬وهو‭ ‬يستيقظ‭ ‬فجأة‭ ‬حين‭ ‬تنخفض‭ ‬مناعة‭ ‬الحب‭ ‬بداخلها،‭ ‬فينشط‭ ‬ويشعلها‭ ‬بغضا‭ ‬وحقدا،‭ ‬وقد‭  ‬تكلف‭ ‬من‭ ‬يشعرون‭ ‬بها‭ ‬حياتهم،‭ ‬لأنها‭ ‬كالنار‭ ‬الذي‭ ‬يحرق‭ ‬الأولي‭ ‬والتالي‭.‬

الكراهية‭ ‬من‭ ‬الشيطان،‭ ‬والتحريض‭ ‬عليها‭ ‬أصبح‭ ‬سلعة‭ ‬رائجة‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬اليوم،‭ ‬تهدد‭ ‬السلم‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وربما‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬واع‭ ‬ومخطط‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البعض‭ ‬أفرادا‭ ‬كانوا‭ ‬أم‭ ‬دولا‭. ‬

يتساءل‭  ‬كيرت‭ ‬فونجوت‭ ‬في‭ ‬روايته‭ ‬جالد‭ ‬باجوس‭:‬

ما‭ ‬المصدر‭ ‬الخفي‭ ‬للشرور‭ ‬التي‭ ‬نشاهدها‭ ‬ونسمع‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان؟

إنه‭ ‬غياب‭ ‬الوازع‭ ‬الأخلاقي،‭ ‬الذي‭ ‬تحدثت‭ ‬عنه‭ ‬عالمة‭ ‬النفس‭ ‬والأعصاب‭ ‬بجامعة‭ ‬أكسفورد‭ ‬كاثلين‭ ‬تايلور،‭ ‬حيث‭ ‬أكدت‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬لهذا‭ ‬الوازع‭ ‬صوتا‭ ‬في‭ ‬اللجان‭ ‬العصبية‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الأنماط‭ ‬القامعة‭ ‬نشطة‭ ‬أثناء‭ ‬تكون‭ ‬الحافز‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الاستعداد،‭ ‬لذلك‭ ‬يصبح‭ ‬لا‭ ‬جدوى‭ ‬للتعاليم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تفعيلها‭ ‬والعمل‭ ‬بها‭ ‬عند‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬الفعل‭.‬

واليوم‭ ‬يتم‭ ‬استغلال‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لتكريس‭ ‬تغييب‭ ‬هذا‭ ‬الوازع‭ ‬بشدة‭ ‬بهدف‭ ‬نشر‭ ‬الكراهية‭  ‬لتحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬نوع،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬إنسانيتنا‭ ‬وتماسكنا‭ ‬وقيمنا‭ ‬واستقرارنا‭ ‬وتنميتنا،‭ ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬قوانين‭ ‬وإجراءات‭ ‬رادعة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان،‭ ‬ولكن‭ ‬يبقى‭ ‬العامل‭ ‬الأساسي‭ ‬المساعد‭ ‬على‭ ‬التعافي‭ ‬هو‭ ‬تناول‭ ‬جرعة‭ ‬من‭ ‬كبسولات‭ ‬الحب،‭ ‬لأنها‭ ‬المضاد‭ ‬الحيوي‭ ‬الفعال‭ ‬لمحاربة‭ ‬وقتل‭ ‬فيروس‭ ‬الكراهية‭.‬

إن‭ ‬ثقافة‭ ‬المحبة‭ ‬تنتج‭ ‬واقعا‭ ‬مسالما‭ ‬متسامحا‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭ ‬ومتقبلا‭ ‬له،‭ ‬فتنقية‭ ‬القلب‭ ‬من‭ ‬الأحقاد‭ ‬والضغائن‭ ‬التي‭ ‬تسببها‭ ‬مشاعر‭ ‬الكراهية‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تخلق‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬السعادة‭ ‬الكفيلة‭ ‬بإثراء‭ ‬علاقاتنا‭ ‬الشخصية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬نشر‭ ‬السلام‭ ‬والارتقاء‭ ‬بمجتمعاتنا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"هالة كمال الدين"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا