العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

اطلالة

هالة كمال الدين

halakamal99@hotmail.com

لعنة التربية الحديثة

هل‭ ‬بالفعل‭ ‬تحولت‭ ‬التربية‭ ‬الحديثة‭ ‬إلى‭ ‬لعنة‭ ‬طالت‭ ‬الآباء‭ ‬الجدد‭ ‬قبل‭ ‬أبنائهم؟

هذا‭ ‬السؤال‭ ‬مطروح‭ ‬بقوة‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬اليوم،‭ ‬بعد‭ ‬انتشار‭ ‬مصطلح‭ ‬ومفهوم‭ ‬التربية‭ ‬الحديثة،‭ ‬التي‭ ‬صنعت‭ ‬جيلا‭ ‬مختلفا‭ ‬‮«‬في‭ ‬معظمه‮»‬‭ ‬مستغنيا،‭ ‬منعزلا،‭ ‬غير‭ ‬مسؤول،‭ ‬عازفا‭ ‬عن‭ ‬الزواج‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬مفضلا‭ ‬العلاقات‭ ‬السهلة‭ ‬والسريعة،‭ ‬لا‭ ‬يحترم‭ ‬الكبار،‭ ‬لا‭ ‬يخشى‭ ‬ارتكاب‭ ‬الخطأ‭ ‬بل‭ ‬أحيانا‭ ‬يجاهر‭ ‬ويزهو‭ ‬به،‭ ‬سريع‭ ‬الغضب‭ ‬والانهيار‭ ‬والاستسلام،‭ ‬باختصار‭ ‬هو‭ ‬جيل‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬غالبية‭ ‬القيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬التي‭ ‬تربينا‭ ‬ونشأنا‭ ‬عليها‭. ‬

ليبقى‭ ‬السؤال‭ ‬الآخر‭ ‬الأهم‭:‬

هل‭ ‬الآباء‭ ‬الحديثون‭ ‬هم‭ ‬السبب‭ ‬وراء‭ ‬صناعة‭ ‬جيل‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬وتلك‭ ‬المواصفات؟

والإجابة‭ ‬نعم،‭ ‬لأنهم‭ ‬ببساطة‭ ‬يرون‭ ‬أن‭ ‬التربية‭ ‬التقليدية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬التوجيه‭ ‬والتلقين،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬التربية‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬يروجون‭ ‬لها‭ ‬اليوم‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬والتفاعل‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬بناء‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس‭ ‬وتعزيز‭ ‬الانفتاح‭ ‬ومراعاة‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬والعاطفية‭ ‬للطفل،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬الكتاب‭.‬

بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬وبحسب‭ ‬النص‭ ‬تبقى‭ ‬منطلقات‭ ‬التربية‭ ‬الحديثة‭ ‬مختزلة‭ ‬في‭ ‬مبادئ‭ ‬التغيير‭ ‬والإبداع‭ ‬والحوار‭ ‬والديمقراطية‭ ‬والتعاون‭ ‬والعقلانية‭ ‬والتفكير‭ ‬النقدي‭ ‬والحرية‭ ‬المطلقة‭ ‬في‭ ‬المأكل‭ ‬والملبس‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وأي‭ ‬سلوك،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬النقيض‭ ‬من‭ ‬الأساليب‭ ‬التربوية‭ ‬العتيقة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الأمر‭ ‬والنهي‭ ‬والتسلط‭ ‬التي‭ ‬يتحقق‭ ‬معها‭ ‬مبدأ‭ ‬الامتثال‭ ‬للأهل‭ ‬وللقواعد‭ ‬وللانضباط‭ ‬وللالتزام،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تقويم‭ ‬شخصية‭ ‬الطفل‭.‬

يقول‭ ‬مؤسس‭ ‬التربية‭ ‬الحديثة‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الأمريكي‭ ‬والخبير‭ ‬التربوي‭ ‬وعالم‭ ‬النفس‭ ‬جون‭ ‬ديوي‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أشهر‭ ‬أعلام‭ ‬التربية‭ ‬الحديثة‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬إن‭ ‬النظام‭ ‬الصحيح‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يحقق‭ ‬المرونة‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬الفرد‭ ‬بالمجتمع‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليه‭ ‬ويعيش‭ ‬فيه،‭ ‬وانطلاقا‭ ‬من‭ ‬رؤيته‭ ‬هذه‭ ‬كان‭ ‬لنظرياته‭ ‬أعمق‭ ‬الأثر‭ ‬في‭ ‬توجه‭ ‬التربية‭ ‬في‭ ‬سائر‭ ‬الأمم‭ ‬الناطقة‭ ‬باللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬والمتأثرة‭ ‬بثقافتها،‭ ‬بل‭ ‬تم‭ ‬اعتباره‭ ‬الأب‭ ‬الروحي‭ ‬للتربية‭ ‬التقدمية‭ ‬أو‭ ‬التدريجية‭ ‬لكونه‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬الذين‭ ‬أسسوا‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬المدارس‭ ‬التجريبية‭. ‬

ترى‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬مرونة‭ ‬كان‭ ‬يتحدث‭ ‬ديوي؟

وهل‭ ‬تجوز‭ ‬المرونة‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬ببديهيات‭ ‬الأدب‭ ‬والأخلاق‭ ‬والقيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬غرسها‭ ‬فينا‭ ‬آباؤنا؟‭! ‬

وهل‭ ‬لو‭ ‬عاش‭ ‬وعاصر‭ ‬بنفسه‭ ‬نتاج‭ ‬التربية‭ ‬الحديثة‭ ‬كان‭ ‬سيتراجع‭ ‬عن‭ ‬نظرياته؟‭!‬

بالطبع‭ ‬نحن‭ ‬لسنا‭ ‬ضد‭ ‬التربية‭ ‬الحديثة‭ ‬ذلك‭ ‬المصطلح‭ ‬الذي‭ ‬ذاع‭ ‬صيته‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬ولا‭ ‬ضد‭ ‬ما‭ ‬تدعو‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬مراعاة‭ ‬الاحتياجات‭ ‬النفسية‭ ‬والعاطفية‭ ‬للطفل،‭ ‬ولا‭ ‬ضد‭ ‬حريته‭ ‬وانفتاحه‭ ‬وتعزيز‭ ‬ثقته‭ ‬بنفسه،‭ ‬ولكننا‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬نريد‭ ‬إنتاج‭ ‬طفل‭ ‬سوي،‭ ‬ملتزم،‭ ‬منضبط،‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬رأيه‭ ‬بأدب،‭ ‬يفرق‭ ‬بين‭ ‬الخطأ‭ ‬والصواب‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يتوقع‭ ‬الثواب‭ ‬ويخشى‭ ‬العقاب،‭ ‬يدرك‭ ‬معنى‭ ‬المسؤولية‭ ‬التي‭ ‬تقوده‭ ‬إلى‭ ‬النجاح،‭ ‬لا‭ ‬يستسهل‭ ‬الاستسلام‭ ‬للفشل‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يدعمه‭ ‬ويعوضه‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬خسائره،‭ ‬نحن‭ ‬نريد‭ ‬طفلا‭ ‬يعلم‭ ‬واجباته‭ ‬قبل‭ ‬حقوقه،‭ ‬لا‭ ‬تطغى‭ ‬حريته‭ ‬أو‭ ‬خصوصيته‭ ‬على‭ ‬أخلاقه،‭ ‬يحترم‭ ‬الكبار‭ ‬ويهابهم،‭ ‬ليس‭ ‬أنانيا‭ ‬يهتم‭ ‬فقط‭ ‬بإشباع‭ ‬رغباته‭ ‬وبأي‭ ‬شكل،‭ ‬يقدّر‭ ‬قيمة‭ ‬ما‭ ‬يملكه‭ ‬من‭ ‬نعم‭ ‬وأشياء،‭ ‬فهذه‭ ‬بالفعل‭ ‬أمور‭ ‬يفتقدها‭ ‬الكثير‭ ‬وليس‭ ‬الجميع‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬وعلينا‭ ‬أن‭ ‬نقر‭ ‬ونعترف‭ ‬بذلك‭.‬

‭ ‬باختصار‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬تربية‭ ‬فيها‭ ‬مفسدة‭ ‬للطفل،‭ ‬أيا‭ ‬كان‭ ‬مسماها‭ ‬حديثة‭ ‬أو‭ ‬عتيقة،‭ ‬ويا‭ ‬حبذا‭ ‬لو‭ ‬امتزج‭ ‬فيها‭ ‬النمط‭ ‬التربوي‭ ‬التقليدي‭ ‬بالتقدمي‭! ‬

إقرأ أيضا لـ"هالة كمال الدين"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا