اطلالة
هالة كمال الدين
halakamal99@hotmail.com
لعنة التربية الحديثة
هل بالفعل تحولت التربية الحديثة إلى لعنة طالت الآباء الجدد قبل أبنائهم؟
هذا السؤال مطروح بقوة على الساحة اليوم، بعد انتشار مصطلح ومفهوم التربية الحديثة، التي صنعت جيلا مختلفا «في معظمه» مستغنيا، منعزلا، غير مسؤول، عازفا عن الزواج في كثير من الأحيان مفضلا العلاقات السهلة والسريعة، لا يحترم الكبار، لا يخشى ارتكاب الخطأ بل أحيانا يجاهر ويزهو به، سريع الغضب والانهيار والاستسلام، باختصار هو جيل بعيد عن غالبية القيم والمبادئ التي تربينا ونشأنا عليها.
ليبقى السؤال الآخر الأهم:
هل الآباء الحديثون هم السبب وراء صناعة جيل بهذا الشكل وتلك المواصفات؟
والإجابة نعم، لأنهم ببساطة يرون أن التربية التقليدية تقوم على التوجيه والتلقين، على عكس التربية الحديثة التي يروجون لها اليوم المبنية على التواصل والتفاعل والتركيز على بناء الثقة بالنفس وتعزيز الانفتاح ومراعاة الصحة النفسية والعاطفية للطفل، وهذا ما جاء به الكتاب.
بمعنى آخر وبحسب النص تبقى منطلقات التربية الحديثة مختزلة في مبادئ التغيير والإبداع والحوار والديمقراطية والتعاون والعقلانية والتفكير النقدي والحرية المطلقة في المأكل والملبس وفي كل شيء وأي سلوك، وذلك على النقيض من الأساليب التربوية العتيقة القائمة على الأمر والنهي والتسلط التي يتحقق معها مبدأ الامتثال للأهل وللقواعد وللانضباط وللالتزام، ومن ثم تقويم شخصية الطفل.
يقول مؤسس التربية الحديثة الفيلسوف الأمريكي والخبير التربوي وعالم النفس جون ديوي وهو من أشهر أعلام التربية الحديثة على المستوى العالمي إن النظام الصحيح هو الذي يحقق المرونة في علاقة الفرد بالمجتمع الذي ينتمي إليه ويعيش فيه، وانطلاقا من رؤيته هذه كان لنظرياته أعمق الأثر في توجه التربية في سائر الأمم الناطقة باللغة الإنجليزية والمتأثرة بثقافتها، بل تم اعتباره الأب الروحي للتربية التقدمية أو التدريجية لكونه من أوائل الذين أسسوا في أمريكا المدارس التجريبية.
ترى عن أي مرونة كان يتحدث ديوي؟
وهل تجوز المرونة عندما يتعلق الأمر ببديهيات الأدب والأخلاق والقيم والمبادئ الأساسية التي غرسها فينا آباؤنا؟!
وهل لو عاش وعاصر بنفسه نتاج التربية الحديثة كان سيتراجع عن نظرياته؟!
بالطبع نحن لسنا ضد التربية الحديثة ذلك المصطلح الذي ذاع صيته في الآونة الأخيرة بشكل كبير، ولا ضد ما تدعو إليه من مراعاة الاحتياجات النفسية والعاطفية للطفل، ولا ضد حريته وانفتاحه وتعزيز ثقته بنفسه، ولكننا في النهاية نريد إنتاج طفل سوي، ملتزم، منضبط، يعبر عن رأيه بأدب، يفرق بين الخطأ والصواب ومن ثم يتوقع الثواب ويخشى العقاب، يدرك معنى المسؤولية التي تقوده إلى النجاح، لا يستسهل الاستسلام للفشل لأن هناك من يدعمه ويعوضه مهما بلغت خسائره، نحن نريد طفلا يعلم واجباته قبل حقوقه، لا تطغى حريته أو خصوصيته على أخلاقه، يحترم الكبار ويهابهم، ليس أنانيا يهتم فقط بإشباع رغباته وبأي شكل، يقدّر قيمة ما يملكه من نعم وأشياء، فهذه بالفعل أمور يفتقدها الكثير وليس الجميع من أبناء الجيل الجديد وعلينا أن نقر ونعترف بذلك.
باختصار نحن لا نريد تربية فيها مفسدة للطفل، أيا كان مسماها حديثة أو عتيقة، ويا حبذا لو امتزج فيها النمط التربوي التقليدي بالتقدمي!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك