العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

اطلالة

هالة كمال الدين

halakamal99@hotmail.com

اللجان القاتلة

هناك‭ ‬اعتقاد‭ (‬عربي‭) ‬يعتريه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الصحة‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬إذا‭ ‬أردت‭ ‬أن‭ ‬تقتل‭ ‬قضية‭ ‬ما‭ ‬فلتشكل‭ ‬لجنة‭ ‬لبحثها،‭ ‬وللبت‭ ‬فيها‭!‬‮»‬‭.‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬جسده‭ ‬بكل‭ ‬مهارة‭ ‬وإبداع‭ ‬وبأسلوب‭ ‬الكوميديا‭ ‬الساخر‭ ‬فيلم‭ ‬‮«‬أرض‭ ‬النفاق‮»‬‭ ‬للفنان‭ ‬القدير‭ ‬فؤاد‭ ‬المهندس،‭ ‬الذي‭ ‬قدم‭ ‬لنا‭ ‬قضية‭ ‬نقصان‭ (‬شنكل‭) ‬من‭ ‬أحد‭ ‬شبابيك‭ ‬مبنى‭ ‬جهة‭ ‬حكومية‭ ‬قد‭ ‬دفع‭ ‬مديرها‭ ‬الفنان‭ ‬حسن‭ ‬مصطفي‭ ‬إلي‭ ‬إرسال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشكاوى‭ ‬والخطابات‭ ‬المسجلة‭ ‬لإجبار‭ ‬المقاول‭ ‬على‭ ‬تركيبه،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬استنزف‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأموال‭ ‬والإجراءات‭ ‬والأوقات،‭ ‬وتشكيل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬اللجان‭ ‬الفرعية‭ ‬والثانوية‭ ‬والمنبثقة‭ ‬بهدف‭ ‬تركيب‭ ‬هذا‭ ‬الشنكل‭. ‬

للأسف‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬عهدنا‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬اللجان‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬تشكيلها‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي‭ (‬مع‭ ‬احترامي‭ ‬وتقديري‭ ‬لكافة‭ ‬اللجان‭ ‬الفاعلة‭ ‬بالفعل‭)‬،‭ ‬فهناك‭ ‬بالفعل‭ ‬لجان‭ ‬تشكل‭ ‬لإضاعة‭ ‬الوقت،‭ ‬وذر‭ ‬الرمل‭ ‬في‭ ‬العيون،‭ ‬وتسويف‭ ‬قضية‭ ‬ما‭ ‬سواء‭ ‬علي‭ ‬الصعيد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬أو‭ ‬السياسي‭ ‬وغيرها،‭ ‬للتحول‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬إلى‭ ‬عالة‭ ‬على‭ ‬المجتمع،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬رسم‭ ‬في‭ ‬اذهاننا‭ ‬هذا‭ ‬السيناريو‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬إذا‭ ‬أردت‭ ‬إفشال‭ ‬موضوع‭ ‬ما‭ ‬فشكل‭ ‬له‭ ‬لجنة‭.‬

مؤخرا‭ ‬تم‭ ‬إعلان‭ ‬تشكيل‭ ‬النواب‭ ‬حملة‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬18‭ ‬نائبا‭ ‬بغرض‭ ‬توجيه‭ ‬18‭ ‬سؤالا‭ ‬إلى‭ ‬مختلف‭ ‬وزارات‭ ‬المملكة،‭ ‬بهدف‭ ‬توظيف‭ ‬البحرينيين‭ ‬في‭ ‬الحكومة،‭ ‬واستيضاح‭ ‬سياسات‭ ‬التوظيف،‭ ‬والفرص‭ ‬المتاحة‭ ‬أمام‭ ‬العمالة‭ ‬الوطنية‭ ‬والمتدربين‭ ‬في‭ ‬الجهات‭ ‬الحكومية‭ ‬وأصحاب‭ ‬العقود‭ ‬المؤقتة،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬أيضا‭ ‬تصويت‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬على‭ ‬مقترح‭ ‬بتشكيل‭ ‬لجنة‭ ‬التحقيق‭ ‬البرلمانية‭ ‬حول‭ ‬تدني‭ ‬المستوى‭ ‬المعيشي‭ ‬للمواطن،‭ ‬حيث‭ ‬ترتكز‭ ‬محاور‭ ‬اللجنة‭ ‬على‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬أسباب‭ ‬هذا‭ ‬التدني‭ ‬بحسب‭ ‬التقارير‭ ‬الدولية،‭ ‬ومن‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬الفقر،‭ ‬ومن‭ ‬كلفة‭ ‬الخدمات‭ ‬الاسكانية‭ ‬والصحية‭ ‬والتعليمية‭ ‬الأساسية،‭ ‬ومن‭ ‬أداء‭ ‬الرقابة‭ ‬على‭ ‬أسعار‭ ‬السلع،‭ ‬بحيث‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬المقبول‭ ‬للمواطن،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬العلاوات‭ ‬والدعوم‭ ‬المقدمة‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬وزارات‭ ‬الدولة‭ ‬المدرجة‭ ‬في‭ ‬بند‭ ‬الدعم‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬ومدى‭ ‬مناسبتها‭ ‬لتحقيق‭ ‬المستوى‭ ‬المعيشي‭ ‬المقبول‭ ‬للمواطن‭.‬

بعد‭ ‬تقديم‭ ‬كل‭ ‬الشكر‭ ‬والتقدير‭ ‬والاحترام‭ ‬لأهداف‭ ‬اللجنتين‭ ‬المشار‭ ‬إليهما‭ ‬سابقا،‭ ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬المهمة‭ ‬الملقاة‭ ‬على‭ ‬عاتقهما‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬موضح‭ ‬أعلاه‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬والدراسة‭ ‬للتحقق‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬أهدافهما‭ ‬الطويلة‭ ‬والعريضة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بقضية‭ ‬الفقر‭ ‬والأسعار‭ ‬والرقابة‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬والخدمات‭ ‬والتقارير‭ ‬الدولية‭ ‬والعلاوات‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬المتشعبة‭ ‬والمطاطية،‭ ‬فهل‭ ‬سينتظر‭ ‬المواطن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الوضع؟

ليس‭ ‬هدفنا‭ ‬مطلقا‭ ‬تثبيط‭ ‬الهمم،‭ ‬أو‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬نوايا‭ ‬وأهداف‭ ‬ومقترحات‭ ‬النواب،‭ ‬ولكن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬نتمناه‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تتحول‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬اللجان‭ ‬المشكلة‭ ‬لحل‭ ‬قضايا‭ ‬وطنية‭ ‬مصيرية‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬أداة‭ ‬تستنزف‭ ‬الوقت‭ ‬والجهد‭ ‬والمال‭ ‬دون‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬فعلية‭ ‬سريعة‭ ‬يتلمسها‭ ‬المواطن‭ ‬خلال‭ ‬معيشته‭ ‬اليومية،‭ ‬بل‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬ثمارها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭. ‬

نعم،‭ ‬هناك‭ ‬قضايا‭ ‬وأزمات‭ ‬كثيرة‭ ‬استدعت‭ ‬تشكيل‭ ‬لجان‭ ‬أساسية‭ ‬وفرعية‭ ‬ومنبثقة‭ ‬وثانوية‭ ‬وهلم‭ ‬جرة،‭ ‬لكننا‭ ‬فوجئنا‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬بأن‭ ‬بعض‭ ‬الأمور‭ ‬بقيت‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬عليه‭ ‬بل‭ ‬أحيانا‭ ‬ازدادت‭ ‬تعقيدا،‭ ‬لتكرس‭ ‬بداخلنا‭ ‬القناعة‭ ‬بأن‭ ‬تشكيل‭ ‬اللجان‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬بمجتمعاتنا‭ ‬أصبح‭ ‬يمثل‭ ‬ظاهرة‭ ‬تستلزم‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاتها‭ ‬تشكيل‭ ‬لجنة‭ ‬عليا‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬المستويات‭ ‬لبحث‭ ‬ودراسة‭ ‬أسباب‭ ‬إدماننا‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬فقداننا‭ ‬الثقة‭ ‬بها‭ ‬وبفاعليتها‭. ‬

إقرأ أيضا لـ"هالة كمال الدين"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا