في مجال التصميم الداخلي العملي والأكاديمي ومجاله الصناعي تعد حقوق الملكية الفكرية أمراً أساسياً لحماية الأفكار والتصاميم الأصلية والإبداعية. يسلط هذا المقال الضوء على مجموعة من المواضيع المهمة التي قد تكون مبهمة حول حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتصميم الداخلي عامة وفي البحرين خاصة، حيث نلخص أساسيات حقوق الطبع والنشر والعلامات التجارية وغيرها من أبعاد حماية الملكية الفكرية من خلال وجهات المنظمات الدولية والتشريعات القانونية ونقف على الأسباب التي تحول عن الاستفادة من مواضيع حماية العلامات التجارية وأسرار التصنيع وبراءات لاختراع في البحرين من خلال استبيانات علمية عامة ومقابلات مع المختصين في هذا المجال من جانبه القانوني والتصميمي.
تعرف الملكية الفكرية من قبل منظمة الوايبو إلى الابداعات التي ينتجها العقل البشري. وفي مجال التصميم لا يقتصر الابداع فقط على اختيار لوحة الإلهام ورسم التصاميم، ولكن يتعدى ذلك إلى الرسومات التفصيلية للمساقط والخرائط وتفاصيل تصميم الأثاث وحتى تركيبه وصباغته بما يناسب احتياجات كل عميل وبيئته الداخلية المتفردة.
وفي خلال هذه المرحلة الإبداعية ينتج عقل المصمم العديد من الحلول التي قد تكون مستلهمة من خبرته العملية أو من أعمال غيره من المصممين مع الإضافة والتحسين عليها. ولكن في كثير من الأحيان يواجه المصمم والمصممة البحرينية معضلة الوقوع في انتهاك حقوق المصممين الآخرين في المجال إما عن جهل منه أو منها بأهمية احترام الملكية الفكرية للمصممين الآخرين أو عدم قدرتهم على التفريق بين عملية النسخ والابتكار للكتل التصميمية الجديدة وعملية التفكير الابداعي وما ينتجه من أعمال مميزة مستفردة.
وفي مملكة البحرين نجد أنه نظرا إلى صغر حجم السوق العملي تظهر الكثير من التحديات المتعلقة بتقليد التصاميم الداخلية وحتى تشابهها من حيز فراغي إلى آخر نظرا لمجموعة من العوامل المرتبطة بنقص الوعي والاهتمام بأنواع حقوق الملكية الفكرية في مجال التصميم الداخلي أهميتها في بيئة العمل الاحترافية والأكاديمية، إلى جانب التحديات في إنفاذ حقوق الملكية الفكرية والمخاوف من مشاركة التصاميم مع العملاء لضعف الردع القانوني في إعادة الاستخدام وتنفيذها من قبل شركات منافسة أخرى أو مصممين مبتدئين. كما اثبتت الاستبيانات وجود نسبة كبيرة من المصممين غير المطلعين على التشريعات القانونية التي تحمي حقوق الملكية الفكرية والعوامل المالية والاقتصادية التي لا تضع حماية الملكيات الفكرية كأحد أولويات الميزانية في الشركات التصميمية الناشئة أو عند المصممين المستقلين وحتى الأكاديميين ممن لا يجدون الدعم المالي الكافي لتوثيق براءات اختراعاتهم او منشوراتهم البحثية مع الطلبة. وقد انعكست هذه العوامل على النسبة المتدنية أو المعدومة لتسجيل الرسوم الصناعية وبراءات الاختراع من قبل المصممين البحرينيين في وزارة الصناعة والتجارة رغم الجهود الحثيثة التي يبذلها مكتب براءات الاختراع في إدارة الملكية الصناعية من تقليل الرسوم وتسريع عمليات الإيداع حسب المدرج في موقع الوزارة.
في البداية يجب أن نعرف القارئ سواء كان من عشاق التصميم أو من المصممين المحترفين أو من الطلاب المهتمين أو من أصحاب الأعمال الصغيرة في صناعة التصميم بأنواع حقوق الملكية الفكرية المختلفة ذات الصلة بالتصميم الداخلي. وهي تنقسم إلى صنفين الأول يتعلق بكل ما هو أدبي وفني والآخر يتعلق بكل ما هو عملي. فتحت الصنف الأول تندرج حقوق الطبع والنشر وهي تحمي الأعمال الأصلية للمؤلف الموجودة في أي وسيلة تعبير ملموسة. وفي التصميم الداخلي يمكن أن تشمل هذه المؤلفات البحثية في مجال التصميم والعمارة الداخلية والرسومات والنماذج والخطط والعروض المرئية وغيرها من الوثائق التصميمية التي تم إنتاجها من قبل مصمم ما أو مكتب هندسي معين. أما حق المؤلف فهو مصطلح قانوني يصف الحقوق الممنوحة للمبدعين فيما يخص مصنفاتهم بتغطية مجموعة مصنفات واسعة من المحتوى الكتابي لملخصات المشاريع والكتب ولوحات الالهام والمجسمات والمنحوتات والصور الفوتوغرافية والخرائط والأفلام الرقمية التي قد ينتجها مكتب تصميمي للترويج عن مشروع ما إلى جانب الإعلانات والرسوم التقنية أو الألعاب المكتوبة والمرسومة التي ينتجها المصمم. أما الأصناف العملية فتندرج تحتها العلامات التجارية والتصميمات وبراءات الاختراع. وتتضمن العلامات التجارية التي تحمي الشعارات والعلامات التجارية للمصممين وأي رموز مرتبطة بمصمم داخلي أو شركة تصميم معينة. ويندرج أيضا من ضمن الحمايات الفكرية العملية حق التصميم والرسم الصناعي والذي يحمي براءات الاختراع التصميمية بما تشملها من سمات بصرية وزخرفية التي تتجلى في أو تُطبق على منتج معين، تمنع هذه الحقوق الآخرين من صنع أو استخدام أو بيع منتج يبدو مشابهًا إلى حد كبير للتصميم المحمي ويشمل هذا التصنيف أيضا براءات الاختراع في منتج معين أو صيغة تركيبية معينة لدهن غراء مثلا أو طريقة تصنيع معينة في صناعة الأثاث او التشطيب المعماري. والكثير من هذه الحقوق المحفوظة يمكن البحث عن مرجعيتها باستخدام محرك البحث غوغل الخاص ببراءات الاختراع Google Patent.
وكثيرا ما نرى اختراقا لتلك الحقوق في ساحة التصميم المحلية من إعادة استخدام تصاميم لمصممين بدون إذن وصور مشاريع مقلدة أو مسروقة من مصممين آخرين مما قد يؤذي أصحاب التصاميم الأصليين ماديا أو معنوياً بالرغم من وجود بعض القوانين والتشريعات التي تكفل هذه الحقوق في مملكة البحرين. لذلك فعلى المصمم البحريني اليوم تقع مسؤولية الإلمام بحقوق الملكية الفكرية لحماية أصالة الأفكار والتصاميم الإبداعية الفردية والأسرار التجارية. بدءاً من تحديد نوع الملكية الفكرية المراد حمايتها والإلمام بمنصات توثيق هذه الحقوق، سواء كانت وزارة الإعلام للمنتجات المتعلقة بحفظ حقوق الطبع والنشر والمؤلف، أو وزارة الصناعة والتجارة لحفظ براءات الاختراع والتصاميم الصناعية بمبلغ مخفض جديد، حيث تقدم وزارة الإعلام مشكورة خدمة الإيداع القانوني للمؤلفات البحرينية تطبيقــا للمرســوم بقــانون رقــم (20) لســنة 1975.
الجدير بالذكر أن استشارة المحترفين القانونيين ووجود مكاتب المحاماة المختصة والمدرجة في موقع وزارة الصناعة والتجارة يسهم في تسهيل هذه الإجراءات ويضمن الحقوق مقابل مبلغ مادي يعد استثمارا مهما في ظل وتيرة النسخ اللاأخلاقية التي زادت انتشارا في عوالم التواصل الاجتماعي. كما تلعب الجمعية البحرينية للملكية الفكرية منذ تأسيسها في مطلع عام 2022 دورا بارزاً على الساحة المحلية لربط المصممين مع الجهات الرسمية والقانونية المحلية والدولية وزيادة الوعي بشأن هذه الحقوق محليا والتي بالإمكان الاستفادة من خدماتها عبر التواصل مع الجمعية عن طريق حساب الجمعية في الانستجرام أو زيارة موقعهم في المنامة.
وهناك عدة تشريعات وقوانين محلية تحمي حقوق الملكية الفكرية على المصمم الداخلي معرفتها منها ما عرضته الدكتورة حنان المولى المختصة بقوانين الملكية الفكرية لطلبة كلية الهندسة بجامعة البحرين وتتعلق بمجال التصميم الداخلي التي ومن أبرزها القانون رقم (22) لسنة 2006 والمعني بحفظ حقوق المؤلف والقانون رقم (1) لسنة 2006، الذي يحمي براءات الاختراع واستخداماتها وقانون رقم (6) لسنة 2006 والذي يحمي التصاميم والرسومات الصناعية والهندسية وآخرها قوانين العلامات التجارية المشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي رقم (6) من سنة 2014. وفي حين أن هذه التشريعات تحمي الإبداع البشري إلا أنه لا تعرف الابداع في التصميم الداخلي والذي يبقى حكمه في يد القاضي أو المشرع لإصدار الحكم في القضايا المتعلقة بمجال التصميم الداخلي. وهو مجال متشعب زاده صعوبة دخول الذكاء الصناعي في عملية توليد الأفكار والتصاميم وهو مجال مازال قيد البحث والنقاش. وفي حين أن حق المؤلف هو حق فطري لصاحب الفكرة الأول إذا استطاع إثبات ذلك ولا يلزمه التوثيق والإيداع لكل مؤلفاته، ولكن له حق الاستفادة تجاريا من مؤلفاته لعدد معين من السنوات.
ومن زاوية أخرى يلزم القانون ما يودع تحت براءات الاختراع من أن يكون أصليا ولم يسبقه أحد في تصميمه ولم يتم نشره قبل إيداعه وله استخدامات عملية لحل مشكلة موجودة وليست نظرية بحتة مما يمنحه حق الحماية مدة عشرين سنة من تاريخ الإيداع. بينما قد يميل الكثير من المصممين الداخليين إلى إيداع منتجاتهم المميزة جمالياً ووظيفياً مثل تصميمات الأثاث المبتكرة ذات الميزة الثلاثية الابعاد أو رسوماتها الثنائية الأبعاد بألوان محددة فيمكن تسجيلها تحت يند الرسوم الصناعية وهي في طبيعة أصالتها مشابهة لبراءات الاختراع ولكن أبسط من ناحية الإيداع وأقصر من ناحية الحماية القانونية التي تصل إلى عشر سنوات قابلة للتمديد خمس سنوات أخرى من تاريخ الإيداع بشرط عدم نشر التصاميم قبل عملية الإيداع.
وفي مقال لها نفت د. شيماء عثمان أنه ليس كل عمل من أعمال العمارة أو التصميم الداخلي يستوجب الحماية بمُوجب القانون أو يُتيح لصاحبه حقوقًا أدبيةً أو مادية إلا متى ما تمتع العمل بشيء من الإبداع والابتكار. فحسب رأيها أن ما نجده في كثير من التصميمات الداخلية والأعمال المعمارية والتي وإن بلغت ما بلغت من الإبهار أو الكلفة المادية المُرتفعة فهي لم تأتِ بجديد مقارنة بأسبقية التصاميم على مدى التاريخ، لذا تُعد مُصنفات الرسوم والنماذج الصناعية من أكثر المُصنفات التي يَصعُب الحُكم على استحقاقها للحماية بموجب القانون من عدمه. ولكنه ما زال مهما للتوثيق والحماية حيث تعطي هذه الحماية أصاحبها الحق بالتعويض المادي المناسب للضرر الحاصل من كلفة التصاميم والربح الفائت والضرر المعنوي الذي قد يمس سمعة المصمم.
ويمكن للمصمم الداخلي حماية ملكياته الفكرية بعدة طرق أخرى تشمل إدراج قواعد استخدام تصميماته عبر المواقع الالكترونية، والاستخدام غير العادل لها في مواقع التواصل الاجتماعي من دون الحصول على موافقته، كما يمكن وضع التوقيع الخاص به واسمه على الصور قبل مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي، والاحتفاظ بنسخ مطبوعة من أعماله أولاً بأول لتوضح تاريخ التصميم أو النشر أو إرسالها إلى نفسه عن طريق البريد الالكتروني أو البريد العادي للرجوع لها في حالات التقاضي.
كما يجب على المصمم ضرورة توقيع عملائه على بنود تضمن عدم أحقيتهم في تداول التصميمات أو أفكار المصمم. كما يمكن الاستعانة بمختص قانوني لصياغة التعاقدات لحفظ حقوق الطرفين، والعمل بنزاهة ورفض تصميم أو تنفيذ أعمال مصممين آخرين من دون إذن مسبق لتوعية العملاء بذلك، على الرغم من مزاحمة العمالة الأجنبية السائبة لتنفيذ أعمال المصممين بغرض تقليل الكلفة على العميل ولكن هذا يضر العميل على المدى البعيد، وقد يضره بدفع كلفة أكبر لتصحيح الأخطاء وهدر الوقت.
ومما لا شك فيه أن زيادة الوعي بأهمية حفظ حقوق الملكية الفكرية للمصممين الداخليين في البحرين وإدراجها ضمن دراستهم الأكاديمية سيعود بالنفع على السوق المحلي والحركة الاقتصادية، حيث يمكن ضمان زيادة أعمال المصممين عند وقت استنساخ الأعمال وإتاحة فرص أكبر للمصممين لضمان المنافسة الشريفة، وزيادة فرص العمل وحجم السوق المحلي، إلى جانب الحد من انتشار التصميمات المنسوخة وقيام الصناعات المحلية وحماية السلامة العامة وأمن المستهلك من الغش والتقليد التجاري.
إن مسؤولية حماية الملكية الفكرية للمصممين الداخليين هي مسؤولية قضائية وتشريعية، وأيضاً هي مسؤولية وثقافة مجتمعية، ولكنها قبلها ثقافة أخلاقية ودينية أيضا لنحاول نشرها معاً من أجل رفعة مملكة البحرين وتميزها دائماً.
أستاذ مساعد، قسم العمارة والتصميم الداخلي بجامعة البحرين
عضو مجلس إدارة الجمعية البحرينية للملكية الفكرية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك