أول طبيبة بحرينية تتخصص في الحوادث والإصابات الحرجة (تروما)، وتتحدث في مؤتمر طب الطوارئ العالمي في واشنطن، وتعمل في الخدمات الطبية الملكية - قسم الطوارئ بمستشفى الملك حمد الجامعي.. حاصلة على وسام الاستحقاق الطبي وعلى المركز الأول في مسابقة المحاكاة الطبية على مستوى المملكة العربية السعودية.. استشاري طب الطوارئ د. عائشة وحيد السبيعي لـ«أخبار الخليج»:
يقول الإمام الشافعي رحمه الله: «لا أعلم بعد الحلال والحرام أنبل من الطب»!
نعم، الطب مهنة رحمة وبذل وعطاء، ولكل طبيب يقف في الصفوف الأولى نقول له شكرا على سهرك وجهدك وتفانيك، فأنت لا تعيش حلمك فقط، بل حلم آلاف المرضى والناس الذين سيهرعون بأحبابهم إليك لتمنحهم أسباب الشفاء والراحة والسعادة!
ومن بين هؤلاء الذين وجب التوجه إليهم بالشكر هذه الطبيبة التي اتخذت من زراعة البسمة في قلوب الآخرين رسالة لها في الحياة، فاختارت أصعب المواقع الطبية بل وأخطرها لتأدية واجبها الإنساني، لتصبح أول طبيبة بحرينية تحصل على شهادة تخصص دقيق في الحوادث والإصابات الحرجة وتعمل في قسم الطوارئ بمستشفى الملك حمد الجامعي، وتتحدث باسم وطنها في مؤتمر طب الطوارئ الدولي في واشنطن.
د. عائشة وحيد السبيعي، استشاري طوارئ وحوادث وإصابات، نائب رئيس لجنة الحوادث والكوارث في مستشفى الملك حمد الجامعي، حاصلة على شهادة الاختصاص السعودية والمجلس العربي لطب الطوارئ، وعلى شهادة الزمالة من جامعة تورنتو تخصص الحوادث والإصابات الحرجة وعلى الرخصة الكندية للأشعة فوق الصوتية للطوارئ، آمنت بأن الطبيب بردائه الأبيض مهمته الأولى طمأنة النفوس والقلوب ومن ثم لا يقدر عليها إلا من وهب نفسه لهذه المهنة، وواجه في سبيلها الكثير من التحديات.
حول هذه التجربة العملية والإنسانية كان الحوار التالي:
حدثينا عن نشأتك؟
- لقد نشأت وسط أسرة غير طبية، ومع ذلك كان حلمي أن أصبح طبيبة في المستقبل، ولكني لم أخطط لتحقيق ذلك، وفي المرحلة الثانوية تبلور هذا الطموح، ونضجت الفكرة بداخلي، فقررت دراسة الطب بهدف تغيير نظرة البعض إلى قدرات المرأة الطبيبة ومهاراتها، وكان تحديا كبيرا خاصة وأن هناك مصطلحا عالميا يؤكد أن الطبيب الذي ينحدر من عائلة غير طبية يواجه صعوبات كبيرة لافتقاده الخبرة والقدوة والتوجيه، ولله الحمد كنت بقدر هذا التحدي وانتصرت عليه، علما بأن دراستي للطب كانت في دولة الإمارات وبعدها عدت إلى مملكة البحرين.
بعد العودة؟
-بعد العودة إلى وطني عملت في الخدمات الطبية الملكية - مستشفى الملك حمد الجامعي كأول طبيبة بحرينية تعمل في قسم الطوارئ، وكان تحديا كبيرا لإثبات جدارة المرأة الطبيبة وأنها لا تقل عن الرجل في هذه المهنة، خاصة وأن العمل بهذا التخصص صعب للغاية حيث يتطلب الخضوع لنظام المناوبات، والتعامل مع حالات حرجة، ومعايشة لحظات الموت والحياة في آن واحد، ولكني نجحت في هذا الاختبار بصورة لافتة.
أصعب حالات مرت عليك؟
- من أصعب الحالات التي مرت علي في قسم الطوارئ كانت حالة حفرت في ذاكرتي حتي اليوم ولن تغيب عن بالي وكانت لطفل تعرض لحادث دهس أثناء خروجه من المدرسة، ووصل إلى المستشفى شبه متوفى، فإذا كانت حوادث الموت مؤلمة فما بالنا لو أنها تتعلق بطفل، وهنا تختلط علينا المشاعر وتأتي صعوبة عملنا الذي يتطلب الفصل بين العقل والعاطفة، وفي المقابل هناك حوادث أخرى ترسخ في الذاكرة لارتباطها بإنقاذ أصحابها وعودتهم إلى الحياة، ومنها حالة طفلة عمرها بضعة أشهر تعرضت لحادث سقوط من السرير على رأسها ودخلت في شبه غيبوبة، وأصيبت بنزيف دموي في الدماغ، ولله الحمد تم إنقاذها وخرجت من المستشفى معافاة، وهكذا تتفاوت مشاعرنا بحسب الحالات التي تمر علينا.
ما أهم التحديات أمام المرأة الطبيبة؟
-المرأة الطبيبة قادرة على مواجهة كل المواقف، سواء ما يتعلق بالموت أو الحياة، وهي قادرة على أن تفصل بين مشاعرها وعقلها بحسب الحالة، وعموما يمكن القول إن أطباء الطوارئ هم الأكثر عرضة إلى الاحتراق الوظيفي، لوجودهم في الخط الأول، ومؤخرا أصبح هناك وعي بهذا الأمر، وتم توفير نوع من الدعم النفسي لهؤلاء سواء من المؤسسة أو القسم أو الزملاء بشكل عام ، بعد أن كانت معاناتهم صامتة ، ولقد نجحت في إثبات قدرة المرأة على الوجود في أي موقع عملي مثلها مثل الرجل ، وكم أنا فخورة بأنني غيرت نظرة البعض لها ولله الحمد وذلك من خلال تجربتي الشخصية.
أهم نقلة في مشوارك؟
- أهم نقلة في مشواري كانت حصولي على شهادة الاختصاص السعودية في طب الطوارئ، والتي استغرقت قضاء حوالي أربع سنوات هناك، تدربت خلالها على أيدي أمهر الأطباء، كما قدمت الكثير من الأبحاث أثناء ذلك أهمها بحث عن زيارات الطوارئ المتكررة للشخص الواحد، وعرضته في واشنطن بمؤتمر عالمي لأطباء الطوارئ، وتوصلت فيه إلى أن الزيارات المتكررة يقف وراءها عوامل تتعلق بالمريض نفسه وأيضا بالطبيب، وكلها تندرج تحت إطار مدى الوعي بهذا الأمر، ثم حصلت على شهادة المجلس العربي لطب الطوارئ، وبعد العودة إلى البحرين واجهت فترة صعبة للغاية.
أي فترة؟
- فترة جائحة كورونا، والتي مثلت تحديا كبيرا لأطباء الخط الأول، حيث تعرضنا جميعا لضغوطات نفسية وعائلية واجتماعية شديدة، وفي مقدمتها افتقاد المريض للتواصل مع أهله وحرمانه من دعمهم لوجوده بالحجر الصحي، وقد مرت علينا تجارب مؤلمة لمرضى أصبحوا ضحايا لهذا الفيروس، وبالطبع كل ذلك جعلنا نمارس مهمتنا تحت هذه الظروف الصعبة مع مراعاة محاولة تحقيق معادلة الفصل بين العقل والعاطفة.
وبعد كورونا؟
- بعد عبور جائحة كورونا بسلام، حصلت على دعم كبير من إدارة مستشفى الملك حمد الجامعي وتم ابتعاثي كأول طبيبة إلى كندا للدراسة في جامعة تورنتو لدراسة تخصص الحوادث والإصابات الحرجة، ومكثت هناك عاما ونصف العام، وكانت تجربة عملية مميزة لاختلاف نوع الإصابات بيننا وبينهم، فبينما نتفوق نحن في حوادث السيارات، نجدهم يسجلون النسبة الأعلى في الإصابات الناجمة عن العنف، وقد حصلت على شهادة الزمالة من جامعة تورنتو تخصص الحوادث والإصابات الحرجة، وعلى الرخصة الكندية للأشعة فوق الصوتية للطوارئ، وبعدها تم تعييني عضو هيئة تدريس في جامعة الخليج العربي، إلى جانب منصبي الحالي كنائب رئيس لجنة الحوادث والكوارث في مستشفى الملك حمد الجامعي.
أهم قرار عبر مسيرتك؟
- أهم قرار عبر مسيرتي هو العودة لخدمة وطني بعد سنوات طويلة من الغربة والدراسة والعمل والتدريب في الخارج ما بين دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية وكندا، ولا شك أن الغربة جعلتني أخسر جزءا كبيرا من دوري الاجتماعي، ولكن كان لزاما علي التضحية من أجل التأهيل للقيام برسالتي الإنسانية، ولن أنسى بالطبع دعم الوالدين وملازمتهما لي في كل خطوة أثناء الغربة، وتشجيعهما لي بشكل كبير الأمر الذي أعانني على المواصلة والنجاح.
لماذا عقدة الخواجة لدى بعض المرضى؟
- يمكن القول إن عقدة الخواجة كانت موجودة بشدة في فترة من الفترات ولكنها اليوم أصبحت موجودة بنسبة أقل، وذلك بعد أن أثبت الطبيب البحريني كفاءته وأنه بقدر المسؤولية، أما فيما يتعلق بالخدمات الطبية الحكومية فهي متوفرة هنا على أعلى مستوى علما بأن الشكوى من الانتظار هي شكوى عالمية، ففي كندا على سبيل المثال يصل الانتظار إلى عشر ساعات الأمر الذي دفع ببعض أقسام الطوارئ إلى الإغلاق بسبب الضغط الكبير الواقع عليها.
مبدأ تسيرين عليه؟
- أهم مبدأ أسير عليه هو إتقان العمل، عملا بمقولة الرسول عليه الصلاة والسلام «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، انطلاقا من اليقين بأن الخالق يرانا ويرقبنا في كل لحظة، كذلك هنا مقولة شهيرة للعلامة علي الطنطاوي أضعها دائما نصب عيني وهي «في لحظة لا تتوقعها ستجد نفسك وسط حلمك الذي طالما أردته وتمنيته فلا تفقد الأمل أبدا وثق بالله».
حلمك القادم؟
-أنا أجد نفسي ما زلت في مرحلة تحقيق الأحلام في أي وقت، وكذلك التعلم، ولعل حلمي الكبير هو أن نصل بالبحرين إلى مستوى عالمي في الرعاية الطبية في مجال الحوادث، وأن أسهم بقدر ما في التوعية بذلك انتقالا إلى تطوير الخدمات الإسعافية، ووصولا إلى الطوارئ ومرحلة العلاج بالمستشفى، وانتهاء بمرحلة التأهيل ما بعد الإصابات، وهذا ما نحتاج التركيز عليه اليوم في مجتمعنا، كي يعود المريض إلى ممارسة حياته السابقة بشكل طبيعي، كما أتمنى المشاركة في حملات طبية تطوعية وإغاثية داخل البحرين وخارجها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك