يقول الأديب البريطاني وليام شكسبير: «المرأة هي أقوى مخلوق على وجه الأرض.. فهي التي تتحمل الألم.. وتربي الأطفال.. وتبني الحضارات»!
نعم، بل هي القوة الخفية التي تحرك العالم، لكونها تملك طاقة خارقة عند مواجهة ضغوطات الحياة بكل صمود لتصنع السعادة لنفسها ولمن حولها، فكما يقولون هي من تحطمت البتلة الخاصة بها لتصبح أجمل من الزهور الأخرى كافة.
حصة محمد السطيحي أم بطلة، صاحبة قصة إنسانية ملهمة، مليئة بالكفاح والنجاح والألم والأمل، تخلى عنها والدها في الصغر، فعاشت طفولة يخيم عليها البؤس والحرمان، كما مرت بتجربة الانفصال عن شريك حياتها وذاقت مرارتها، اضطرتها ظروف الحياة للعمل سنوات طوال كعاملة نظافة في إحدى المدارس حتى حققت حلم ابنها بدراسة مجال الطيران، ورغم كل ذلك هي تبتسم في الصباح وكأنها لم تكن تبكي في الليلة السابقة.
كانت أول من تطوع أثناء جائحة كورونا، فأطلقوا عليها سفيرة العمل الخيري، ومازال يتواصل مشوار العطاء.
حول هذه القصة الملهمة كان الحوار التالي:
*حدثينا عن طفولتك؟
- حين أسترجع ذكريات الطفولة يصيبني نوع من الحزن، وذلك لما عانيته من بؤس وحرمان، فقد افتقدت خلالها حنان وعطف الأب، وعانيت من الفقر حتى أن أقصى طموحي في هذه السن الصغيرة أن أملك لعبة ألهو بها كباقي الأطفال، ولكن الله سبحانه وتعالى رزقني بأم مثلت بالنسبة إلينا ينبوعا من الحب كنت أستقي منه ما حرمت منه قدر الإمكان، هذا فضلا عن احتضان العمة ومساندة الأخ الذي دعمني كثيرا، وقد التحقت بالمدرسة بالبحرين حتى المرحلة الإعدادية، وبعدها حصلت على شهادة الثانوية العامة من دولة الكويت التي انتقلت إليها أختي ووالدتي، وهناك حصلت على وظيفة في وزارة الإعلام بقسم ميكروفيلم الأخبار، ثم عدت مرة أخرى إلى وطني الحبيب.
وبعد العودة؟
بعد عودتي إلى البحرين تزوجت وأنجبت ابني الوحيد، وعزمت على ألا يعيش ابني ما عشته في طفولتي من حرمان معنوي ومادي بسبب الظروف القاسية التي عشتها وفُرضت على فرضا، فحين انفصلت عن زوجي الذي كان يعيش في نفس البناية التي نسكنها لم أشعره بذلك على الإطلاق مدة ست سنوات، إلا أنه حين كبر وبلغ عمره 14 بدأ يلاحظ ويتفهم الوضع فيما بيني وبين والده، وسألني عن ذلك فاضطررت أن أخبره بالحقيقة، وكم كنت سعيدة وأشعر براحة كبيرة تجاه حرصي على أن يعيش طفولة طبيعية مثله مثل باقي الأطفال، وقررت أن يواصل مشواره التعليمي وتوفير نفقات ذلك وأحقق حلمه الذي كان يتمثل في دراسة مجال الطيران رغم ما واجهني من تحديات.
*وكيف واجهتِ تلك التحديات؟
- لقد كافحت حتى أوفر له فرصة التعليم في مدرسة خاصة، وبالفعل التحق بالمدرسة الباكستانية، ونشأ بها، حيث عملت بوظيفة عاملة نظافة في إحدى المدارس الثانوية، وحاولت جاهدة أن أوفر له النفقات اللازمة، ولله الحمد وفقت في أن أكون له أما صالحة وبطلة، فما أكثر الصعوبات التي واجهتها وسعيت لتذليلها ولن أنسى مساعدات أهل الخير لي عبر مشواري ووقوفهم إلى جانبي، واليوم فخورة بأنني حققت له طموحه في دراسة مجال الطيران في لندن، ثم في إسبانيا فالولايات المتحدة الأمريكية، حتى حصل على الرخصة، وعاد إلى البحرين .
*بعد العودة ؟
- للأسف الشديد تزامنت عودته إلى البحرين مع اندلاع جائحة كورونا، الأمر الذي اضطره إلى البحث عن عمل مدة أربع سنوات دون جدوى، وبالطبع انتهت الرخصة التي حصل عليها، وهنا قرر السفر إلى كندا والاستقرار بها، وهناك تمكن من الحصول على فرصة عمل في مجال الطيران الذي يعشقه وذلك منذ عامين تقريبا، ومن المؤكد أنني أعاني كثيرا من ألم فراقه ولكن هذه سنة الحياة ولا حول لنا ولا قوة إلا بالله العظيم.
*ما فاتورة تأدية رسالتك كأم؟
- من المؤكد أن ثمن القيام برسالة الأم تجاه أبنائها لا يقدر، وحقيقة لا أدري حتى الآن كيف أديت دوري تجاه ابني وخاصة من الجانب المادي، وأذكر أنني كنت أناجي ربي في الليل وأتوسل إليه أن ييسر ويدبر لي أموري، ولله الحمد لم أقصر مع ابني الوحيد في أي شيء وأصبحت علاقتنا قوية إلى أقصى درجة وأتوجه بالشكر هنا إلى كل من ساندني ودعمني، كما أنني قررت بعد تقاعدي مواصلة عملي التطوعي كناشطة اجتماعية، وكنت أول امرأة تطوعت خلال أزمة كورونا، حيث خرجت إلى الأماكن العامة والحدائق لأقوم بدوري كمواطنة عاشقة لوطنها وللعمل الإنساني.
*ما أهم مساهماتك أثناء جائحة كورونا؟
- كنت أتجول في مملكتنا الحبيبة وأذهب إلى الشواطئ وأقوم بتعقيم وتنظيف المقاعد أو الطاولات وكذلك داخل المجمعات وكان ذلك على نفقتي وبقرار شخصي مني، هذا فضلا عن مساهماتي في الاحتفال بالمناسبات الوطنية في بلدي وكذلك بدول الخليج المختلفة في جميع دول الخليج ومن مالي الخاص ونظرا إلى هذه الجهود تم تعييني رئيسة الفعاليات في المختبر الإبداعي، كما دعمت الأطفال من ذوي الهمم وكنت أشتري لهم الهدايا وأغلفها لأحقق لهم ولو قدرا ضئيلا من السعادة.
*ما هو حصاد تلك الجهود؟
- أجمل الحصاد هو إشعار الآخرين بالبهجة والسعادة مهما كلفني ذلك من جهد أو عمل، ويكفيني ذلك، صحيح أنني تمنيت أن يتم تكريمي لكفاحي وتأدية رسالتي كأم وكناشطة اجتماعية، ولكني عوضت ذلك بتكريمي لنفسي في أي مناسبة وخاصة في عيد الأم، ولشخصيات مميزة لعبوا دورا مميزا في الحياة منهم مديرة المدرسة التي كنت أعمل بها على مدى عشرين عاما، وكذلك بابا ياسين والمخرج أحمد المقلة وغيرهم، ولله الحمد أشعر بأنني امرأة بمائة رجل كما يراني البعض، وأتمنى أن أواصل مشواري وعطائي كسفيرة للمواطن البحريني، وأن أؤدي دوري تجاه وطني على أكمل وجه.
*شيء أشعرك بالندم تجاهه؟
- الشيء الذي شعرت بالندم عليه هو الاختيار غير الصحيح لشريك الحياة، ومع ذلك مازلت أكن له كل التقدير والاحترام ففي النهاية هو والد ابني، وحتى اليوم لم ولن أنسى له الكثير من المواقف الإيجابية في حياتي، وأود الإشارة هنا إلى أنني رغم ما عانيته منه ومن والدي، إلا أن ذلك لم يؤثر في انطباعي عن الرجال بشكل عام وتربطني ببعضهم علاقات جيدة ومميزة، وعموما أنا أرى أن الآباء السابقين كانوا يتسمون بالقسوة والشدة إلى حد ما، أما اليوم فهم مختلفون ويتحلون بالصبر واللين.
*نصيحتك إلى أي فتاة؟
- من خلال خبرتي في الحياة وتجاربي الطويلة أنصح أي فتاة بأن تحرص على البر بوالديها لأنهما يمثلان الخير والبركة لها، وأن تبني نفسها وتؤمن مستقبلها وتتسلح بالعلم قبل أن تقدم على خطوة الزواج، والأهم أن تحسن الاختيار لشريك حياتها، والملاحظ اليوم أن الزواج المبكر هو سبب وراء كثير من حالات الطلاق بين الشباب، لذلك يجب التأني وعدم العجلة والانتظار لبلوغ السن الذي تشعر فيه بالنضج، فالزواج من القرارات المصيرية التي يقوم عليها مستقبلها.
*حلم ضائع وسط زحمة الحياة؟
- كم تمنيت أن ألتحق بالعمل في وزارة الداخلية، نظرا إلى تمسكي بالالتزام والانضباط إلى أقصى حد، فهذا ما تعلمته من ابني، الذي فتح عيني على أمور كثيرة في الحياة، ولعل أجمل ما يميز علاقتنا هو أننا دائما نتعلم من بعضنا البعض، وأتذكر طول الوقت وصيته لي بألا ألجأ إلى الكذب وأن أتحلى بالصدق والمصداقية، ولله الحمد كنت له بمثابة الأب الشديد، والأم الحنون في نفس الوقت، وما يؤلمني اليوم حقا هو فراقه، حيث لم تسمح لي الظروف وخاصة المادية أن أراه منذ عامين تقريبا، لذلك لجأت إلى تغيير سكني الذي يذكرني به في كل ركن من أركانه وذلك لمحاولة التخفيف من هذا الشعور القاسي.
*أمنية؟
- أتمنى أن يرى حلمي بالعمل لدى وزارة الداخلية النور رغم تأخر الوقت وأن أمتلك مشروع عربة للطعام، وفيما عدا ذلك فأنا أشعر بالحمد والشكر لله على ما حققته لابني ولنفسي من حب الناس.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك