العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لماذا المزاج الدموي؟

من‭ ‬آية‭ ‬مواكبتي‭ ‬للعصر‭ ‬وما‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬أنني‭ ‬صرت‭ ‬زبونا‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬يوتيوب‭ ‬استقي‭ ‬منه‭ ‬الأخبار،‭ ‬وأشاهد‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬اشتهي‭ ‬من‭ ‬مواد‭ ‬ثقافية‭ ‬وترفيهية،‭ ‬وشاهدت‭ ‬مؤخرا‭ ‬أفلاما‭ ‬وثائقية‭ ‬عن‭ ‬أحداث‭ ‬جسام‭ ‬وقعت‭ ‬قبل‭ ‬سنوات،‭ ‬جعلتني‭ ‬أتساءل‭: ‬لماذا‭ ‬وكيف‭ ‬نفكر‭ ‬ونعمل‭ ‬بطريقة‭ ‬القبائل‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬البعثة‭ ‬المحمدية،‭ ‬فقد‭ ‬عثرت‭ ‬في‭ ‬يوتيوب‭ ‬عنوانا‭ ‬لشريط‭ ‬فيديو‭ ‬أغراني‭ ‬بمشاهدته،‭ ‬وجلست‭ ‬مشدوهاً‭ ‬أمام‭ ‬الشاشة‭ ‬وأنا‭ ‬أتابع‭ ‬تفاصيل‭ ‬‮«‬الكارثة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬لو‭ ‬قام‭ ‬نفر‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬البريطانيين‭ ‬بتفجير‭ ‬عشر‭ ‬طائرات‭ ‬ركاب،‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬تحمل‭ ‬نحو‭ ‬ثلاثمائة‭ ‬شخص‭.‬

وكان‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬ان‭ ‬محتوى‭ ‬الشريط‭ ‬مفبرك،‭ ‬واكتشفت‭ ‬أنه‭ ‬سيناريو‭ ‬احتمالات‭ ‬أعدته‭ ‬وأنتجته‭ ‬المخابرات‭ ‬البريطانية،‭ ‬في‭ ‬ذكرى‭ ‬أحداث‭ ‬11‭ ‬سبتمبر‭ ‬2001،‭ ‬عندما‭ ‬قام‭ ‬تنظيم‭ ‬القاعدة‭ ‬بتدمير‭ ‬برجي‭ ‬مركز‭ ‬التجارة‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬نيويورك،‭ ‬ليبقى‭ ‬الحادث‭ ‬حيا‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬ظهور‭ ‬داعش‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬منظمة‭ ‬القاعدة‭ ‬تبدو‭ ‬وكأنها‭ ‬بقيادة‭ ‬المهاتما‭ ‬غاندي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ينبذ‭ ‬العنف‭ ‬حتى‭ ‬ضد‭ ‬المستعمر‭ ‬البريطاني‭ ‬في‭ ‬وطنه‭ ‬الهند‭. ‬والمخابرات‭ ‬الغربية‭ ‬قد‭ ‬تضحك‭ ‬علينا‭ ‬نحن‭ ‬أهل‭ ‬العالم‭ ‬السفلي‭ ‬المسمى‭ ‬تأدباً‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬الثالث‮»‬،‭ ‬ولكنها‭ ‬لا‭ ‬تضحك‭ ‬على‭ ‬أهلها‭ ‬في‭ ‬بلدانها‭ ‬لأنها‭ ‬تتعرض‭ ‬للمحاسبة‭ ‬والشرشحة‭ ‬والمساءلة،‭ ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬فبركت‭ ‬حكايات‭ ‬ومؤامرات‭ ‬ولكن‭ ‬ياما‭ ‬طارت‭ ‬رؤوس‭ ‬بعد‭ ‬انكشاف‭ ‬الحقيقة‭!‬

واليوم‭ ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬22‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬تدمير‭ ‬البرجين‭ ‬في‭ ‬نيويورك‭ ‬تعالوا‭ ‬نتساءل‭: ‬ماذا‭ ‬كان‭ ‬المكسب‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬3000‭ ‬شخص‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬ألوان‭ ‬بشرتهم‭ ‬ومعتقداتهم؟‭ ‬لنجيب‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬دعونا‭ ‬نستعرض‭ ‬بعض‭ ‬وقائع‭ ‬التاريخ‭ ‬المعاصر‭: ‬اغتيل‭ ‬الرئيس‭ ‬المصري‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬لأنه‭ ‬وقع‭ ‬اتفاقية‭ ‬سلام‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬وقام‭ ‬بتطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬معها،‭ ‬ولكن‭ ‬هل‭ ‬أدى‭ ‬موته‭ ‬إلى‭ ‬إلغاء‭ ‬اتفاقية‭ ‬السلام‭ ‬تلك‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬قطيعة‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وإسرائيل؟‭ ‬ولسنوات‭ ‬ظل‭ ‬ملايين‭ ‬العرب‭ ‬يتمنون‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬فدائياً‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬اغتيال‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الأسبق‭ ‬أرئيل‭ ‬شارون،‭ ‬ولو‭ ‬مات‭ ‬شارون‭ ‬مقتولاً‭ ‬لهللت‭ ‬الملايين‭. ‬طيب‭ ‬ظل‭ ‬شارون‭ ‬ميتا‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الطبية‭ ‬لسنوات‭ ‬ثم‭ ‬مات‭ ‬نهائيا،‭ ‬وفقد‭ ‬منصبه‭ ‬وخلفه‭ ‬رجال‭ ‬من‭ ‬طينته‭ ‬آخرهم‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬فماذا‭ ‬ربحنا‭ ‬من‭ ‬رحيل‭ ‬شارون‭ ‬من‭ ‬السلطة؟‭ ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬لنفترض‭ ‬أنه‭ ‬مات‭ ‬مقتولاً،‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬سيغير‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬المسألة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬شيئاً؟

الاغتيال‭ ‬والقتل‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬أخذ‭ ‬الثأر‭ ‬عادة‭ ‬جاهلية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬يصفق‭ ‬ويهلل‭ ‬لها،‭ ‬والحمقى‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬يحسبون‭ ‬أن‭ ‬الاغتيال‭ ‬السياسي‭ ‬يحقق‭ ‬لهم‭ ‬الغايات‭ ‬المنشودة‭. ‬في‭ ‬عام‭ ‬2006‭ ‬شنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬حربا‭ ‬ظالمة‭ ‬على‭ ‬لبنان‭ ‬قتل‭ ‬فيها‭ ‬نحو‭ ‬1300‭ ‬لبناني،‭ ‬بينما‭ ‬وخلال‭ ‬نفس‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬استغرقتها‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬قتل‭ ‬نحو‭ ‬3000‭ ‬عراقي،‭ ‬وبأيد‭ ‬عراقية،‭ ‬وبعض‭ ‬تلك‭ ‬الأيدي‭ - ‬أو‭ ‬معظمها‭ - ‬كانت‭ ‬مكسوة‭ ‬بشارات‭ ‬عسكرية‭ ‬رسمية،‭ ‬ولكننا‭ ‬ظللنا‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬الموت‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بمنطق‭ ‬‮«‬معليش‮»‬،‭ ‬نكاية‭ ‬بالأمريكان‭ ‬ليدركوا‭ ‬أن‭ ‬غزوهم‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬لم‭ ‬يجلب‭ ‬للبلاد‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار،‭ ‬وخلال‭ ‬وجود‭ ‬العراق‭ ‬تحت‭ ‬الوصاية‭ ‬الأمريكية،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬مقابل‭ ‬كل‭ ‬مائة‭ ‬وخمسين‭ ‬قتيلاً‭ ‬عراقياً‭ ‬قتيل‭ ‬أمريكي‭ ‬واحد،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬معليش‮»‬‭.. ‬وكأنما‭ ‬ما‭ ‬يهم‭ ‬فقط‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬الموت‭ ‬وليس‭ ‬المهم‭ ‬‮«‬من‭ ‬يموت‮»‬‭.‬

في‭ ‬السودان‭ ‬بدأت‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬السودان‭ ‬عام‭ ‬1955‭ ‬وتعاقبت‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬حكومات‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬لون‭ ‬وكانت‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬تتعهد‭ ‬باستئصال‭ ‬‮«‬التمرد‭ ‬والخيانة‭ ‬والعمالة‮»‬‭. ‬وخلال‭ ‬نحو‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬متصلة‭ ‬قتل‭ ‬نحو‭ ‬مليونين‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬جنوب‭ ‬السودان،‭ ‬وكانوا‭ ‬‮«‬مواطنين‭ ‬سودانيين‮»‬‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬واجب‭ ‬الحكومة‭ ‬أن‭ ‬توفر‭ ‬لهم‭ ‬الأمن‭ ‬والزاد‭. ‬وبعد‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الاحتراب‭ ‬ومصرع‭ ‬نحو‭ ‬سبعة‭ ‬ملايين‭ ‬مدني‭ ‬وعسكري‭ ‬أدركت‭ ‬الحكومة‭ ‬السابقة‭ ‬أن‭ ‬السودان‭ ‬قد‭ ‬يصبح‭ ‬في‭ ‬خبر‭ ‬كان،‭ ‬وعانق‭ ‬مسؤولو‭ ‬الحكومة‭ ‬الكبار‭ ‬نفس‭ ‬المتمردين‭ ‬الخونة‭ ‬العملاء‭ ‬وأسندوا‭ ‬إليهم‭ ‬مناصب‭ ‬قيادية،‭ ‬ثم‭ ‬سمحوا‭ ‬لهم‭ ‬بتكوين‭ ‬دولة‭ ‬خاصة‭ ‬بهم،‭ ‬وكونوا‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬وانقلبوا‭ ‬على‭ ‬بعضهم‭ ‬البعض‭ ‬ذبحا‭ ‬بالجملة،‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬القتل‭ ‬بالجملة‭ ‬أو‭ ‬المفرق‭/‬القطاعي‭ ‬يحل‭ ‬مشكلة‭ ‬لكان‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬طليعة‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬النواحي‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والأمنية‭. ‬ولكن‭ ‬تكريس‭ ‬أسلوب‭ ‬التصفية‭ ‬الجسدية‭ ‬جعل‭ ‬‮«‬التمرد‮»‬‭ ‬هواية‭ ‬وطنية‭ ‬فصار‭ ‬أبناء‭ ‬كل‭ ‬اقليم‭ ‬يحملون‭ ‬السلاح‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬اليوم‭ ‬مصطلح‭ ‬السودنة‭ ‬بديلا‭ ‬لمصطلح‭ ‬الصوملة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا