يقول الفيلسوف أفلاطون: لم يحدث أبدا أي شيء يستحق التقدير عن طريق الصدفة.. بل جاء عن طريق العمل الجاد!
نعم، فما وصلت إليه هذه المرأة اليوم هو نتاج مشوار طويل مليء بالعمل والتعلم والاجتهاد، وهذا هو سر نجاحها، حيث صنعت من كل تحد فرصة لاستئناف المشوار من جديد برؤية أعمق، وبخبرة أوفر، وبذكاء أكبر، حتي تركت لها بصمة خاصة في عالم النساء البحرينيات المتميزات.
دينا أحمد الفايز، أول بحرينية تتقلد منصب المنسق العام لشؤون مجلسي الشورى والنواب، امرأة من طراز خاص، كانت من أوائل الحاصلين على وسام جلالة الملك المعظم للعمل الوطني من الدرجة الأولى، صاحبة تجربة إنسانية وعملية يُقتدى بها أثبتت من خلالها أن الميزة الوحيدة التي تجمع بين الناجحين في العالم تكمن في قدرتهم علي تحمل المسؤولية، وهو ما أكده سيدنا عمر بن الخطاب حين قال: «لا أسأل الله خفة الحمل.. بل قوة الظهر» فهكذا كان مبدأها في الحياة عبر مسيرتها الحافلة بالعطاءات والإنجازات!
لقد كانت مسؤولياتها المتشعبة مصدرا غنيا تستمد منه القوة والطاقة، وذلك منذ أن تسلمت دفة القيادة، بل كان العمل بالنسبة إليها هو الضمان لعيش حياة صحيحة وصحية، لذلك تصدَّر دائما قائمة أولوياتها، حتى أصبح منبع السعادة والاستقرار ليس بالنسبة لها فقط بل ولأسرتها، لذلك جاء تقلدها لمنصبها الجديد ليتوج رحلة طويلة وشاقة من الجهد والاجتهاد والمثابرة.
فما محطات المشوار؟ وكيف كانت رحلة الوصول والصعود؟
وماذا عن أهم التحديات والإنجازات؟
وأسئلة كثيرة حاولنا الإجابة عنها خلال الحوار التالي:
حدثينا عن نشأتك؟
- يمكن القول إنني تربيت تربية عسكرية تعلمت منها معنى الانضباط والالتزام منذ نعومة أظافري في كل شيء، كما إنني نشأت في بيئة محبة للعلم والتعلم، وعايشت البعض من رعيل الجيل الأول من رائدات التعليم في البحرين، فإحدى عماتي كانت مديرة مدرسة، ولي عمة أخرى أسست أول روضة في محافظة المحرق آنذاك، التي التحقت بها في طفولتي، ومن ثم فقد تأثرت كثيرا بهذا المناخ، هذا إلي جانب فضل والدتي وهي مصرية الجنسية في غرس حب العلم بداخلي والتي كانت دائما تعرب لي عن أمنيتها في أن أصبح معلمة في المستقبل، ورغم ميولي لدراسة القانون إلا أنني التحقت بجامعة البحرين وحصلت علي بكالوريوس في التربية لتحقيق حلمها، خاصة وأنه لم يكن هناك كلية للحقوق في ذلك الوقت، وقد كانت امرأة قوية ومثالا يحتذى به في الكفاح والصبر.
حدثينا عن قصة كفاح والدتك؟
- لقد كانت امرأة قوية ومثابرة وصبورة إلي أبعد الحدود، وتعلمت منها معنى الكفاح وكيفية مواجهة أي تحديات يمكن أن تواجهني وعدم الاستسلام لها ، فهي من قام بإدارة أعمال والدي بعد أن تعرض لظروف صحية قاسية أوصلته إلي فقدان بصره وبتر ساقه، فتحملت مسؤولية رعايته إلي جانب أبنائها الستة، وأصرت علي إكمال تعليمنا وتسليحنا بسلاح العلم، الأمر الذي أشعرني بالإصرار علي مواصلة دراستي الجامعية رغم زواجي أثناء تلك المرحلة، وأذكر أن والدي اشترط ذلك مقابل موافقته على زواجي المبكر، وبعد التخرج عملت معلمة في مدرسة عقبة بن نافع مدة عشر سنوات تقريبا، وأزعم أنني طبقت عمليا ما تربيت عليه من قيم ومبادئ مع تلامذتي ، وحرصت علي القيام بدوري التربوي إلي جانب التعليمي.
بداياتك مع العمل البرلماني؟
- في عام 2005 حصلت علي فرصة عمل في وزارة شؤون مجلسي الشوري والنواب، فضحيت بعملي في مجال التربية والتعليم رغبة في إشباع شغفي بالقانون والذى ظل يلازمني طوال تلك السنوات التي قضيتها في مهنة التدريس، وبالفعل بدأت كباحث ثم إخصائي ثم رئيس قسم ثم مدير فوكيل مساعد، حيث عاصرت الفصول التشريعية الست، إلى أن تقلدت منصبي الحالي عقب 18 عاما من العمل الجاد والاجتهاد، ولا شك أن نيلي هذه الثقة الملكية مثل بالنسبة إلي تحديا كبيرا أتمنى أن أكون بقدره، وأن أثبت جدارتي للقيام بمهامي على أكمل وجه.
ما أهم التحديات التي واجهتك؟
- لا شك أن طبيعة العمل بوزارة شؤون مجلسي الشوري والنواب كان يتماشى مع ميولي القانونية ويشبعها، ومن ثم لم أشعر بأي صعوبة اللهم في البداية لافتقادي الخبرة في هذا المجال، ومع الوقت أصبحت أتعامل مع القوانين وكأنها أبنائي، فأي قانون ما هو إلا فكرة تولد وتكبر وتصبح مشروع أراه على أرض الواقع لاحقا، ولأنني كنت في غاية الحماس لعودة الحياة النيابية إلي مملكتنا فقد سعدت كثيرا حين سنحت لي الفرصة أن أصبح لبنة من لبنات المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المعظم ، وحرصت دائما علي تطوير مهاراتي وخبراتي للتأهل للقيام بدوري بالشكل المطلوب كحلقة وصل بين السطلتين التنفيذية والتشريعية ضمن فريق عمل أثبت نجاحه في مهمته يوما بعد يوم وبشهادة وإشادة الجميع.
أصعب مرحلة؟
- أصعب مرحلة مرت بي كانت خلال فترة تقلدي منصب مدير شؤون مجلسي الشورى والنواب ، فبعد ست سنوات من العمل قررت العودة إلى الدراسة والحصول علي البكالوريوس من كلية الحقوق رغم عدم الحاجة إلى ذلك، وبالطبع تضاعفت مسؤولياتي وكان لزاما علي إحداث الموازنة بين كوني زوجة وأما وموظفة وطالبة في نفس الوقت ، فضلا عن أنه في عام التخرج كنت قد التحقت ببرنامج التمكين السياسي بالمجلس الأعلى للمرأة، وبالتالي يمكن القول إن ذلك العام تحديدا كان من أقسى السنوات التي مرت علي، حيث كان يومي يبدأ في الصباح وينتهي في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل.
وكيف تمكنتِ من إحداث التوازن بين مسؤولياتك؟
- لقد حاولت واجتهدت لإحداث نوع من التوازن بين مسؤولياتي المتشعبة بقدر الإمكان، ومن المؤكد أنه في بعض الأحيان يأتي شيء على حساب شيء آخر بقدر ما، ولكني كنت شديدة الحرص على التواجد الإيجابي مع أبنائي، وبفضل تعاون ودعم زوجي المستمرين لي، وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم، ولا يفوتني هنا تأكيد أمر مهم وهو أنني نشأت أبنائي على أنهم مسؤولون عن نجاحي حتى أصبحوا شركاء لي فيه، ولن أنسى لهم تقبلهم لأن يكون عملي في قمة أولوياتي، الأمر الذي مكنني من تحقيق طموحي العلمي والعملي ولله الحمد.
ما هو التعامل الأمثل مع الجيل الحالي؟
- كثيرون من أبناء هذا الجيل لا يطبقون مبدأ الشورى في حياتهم، بل ينفردون بقراراتهم في أغلب الأحوال، وقد كان ابني أحد هؤلاء إلى أن تعرض لحادث في البر عند عمر 16 عاما، هنا حدث تحول كبير في شخصيته وأصبح يستشير ممن حوله من أصحاب الخبرة ويأخذ بآرائهم، وعموما أنا أؤمن بأن هذا الجيل بحاجة إلى حزم مقرون بحب وحنان، أي لا بد من الموازنة بين العقل والعاطفة عند التعامل معهم، ومن الطبيعي أن نشعر بالخوف والقلق عليهم، ولكن بعيدا عن اتباع أسلوب السيطرة والتحكم، وهذا ما طبقته عمليا عند تربية أبنائي.
متي تفشل المرأة؟
- المرأة بشكل عام هي المسؤول الأول عن نجاحها أو فشلها، فاستسلامها لأي عقبات وتوقفها عن المسيرة يكون غالبا بقرار منها، ودون شك تبقى أي امرأة بحاجة إلى دعم أهلها وأسرتها لبلوغ أهدافها، وهذا ما ينطبق على تجربتي الشخصية، فضلا عن وجود أشخاص قريبين مني كنت دائما أحرص على استشاراتهم في كثير من الأمور المهمة انطلاقا من إيماني بمبدأ الشورى، وذلك للاستلهام من خبراتهم الطويلة في الحياة.
كيف أثر عملك السياسي علي أسلوب حياتك؟
- لا شك أن عملي السياسي أثر بعض الشيء على كثير من أمور حياتي وعلى أسلوب تعاملي مع الآخرين، ومن بينهم أبنائي، ويمكن القول بأنني أرى نفسي وجهين لعملة واحدة، وهما السياسة والقانون، وقد تعلمت منهما كيفية توصيل الرسالة المطلوبة مني بأسلوب سهل وصحيح ومباشر.
مبدأ تسيرين عليه؟
- لقد قرأت في المرحلة الثانوية العديد من المؤلفات في مختلف أنواع المعرفة منها حكم لقمان الحكيم، ومقدمة ابن خلدون وغيرها، واستخلصت منها أهمية الحرص على اتباع أسلوب التفكير المنطقي في أي شيء، كما علمتني تجارب الحياة مبدأ التمسك بالأمل حتى عند الألم، وعدم اليأس أو الاستسلام، وهو ما جسده والدي عمليا خلال أزمته الصحية الشديدة، فبرغم ما مر به كانت ابتسامته لا تفارقه، وكان يذهب بنفسه إلى المملكة العربية السعودية لتلقي العلاج بعد فقدان بصره وبتر ساقه ولم يشعرنا قط بأي مشاعر سلبية رغم معاناته.
طموحك القادم؟
- أنا أجد سعادتي ومتعتي وراحتي في العمل، وفخورة بكل ما حققته من طموحات على هذا الصعيد، أما على المستوي العلمي فأستعد حاليا لمواصلة مشواري والحصول على رسالة الماجستير في المجال القانوني، الأمر الذي يشعرني بالوقوف على أرضية صلبة، وإنسانيا أتمنى أن أرى أحفادي في المستقبل القريب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك