العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

الأحكام الشرعية في موقف الإسلام من معاملة الأسرى

الجمعة ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬ضوء‭ ‬نجاح‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬في‭ ‬اسر‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬والمستوطنين‭ ‬بلغ‭ ‬نحو‭ ‬250‭ ‬اسيرا‭ ‬إسرائيليا،‭ ‬حسبما‭ ‬أعلنت‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬حاولت‭ ‬الدعاية‭ ‬الصهيونية‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬حسن‭ ‬معاملة‭ ‬الاسرى‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬المقاومة،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتناقض‭ ‬تماما‭ ‬مع‭ ‬نهج‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬معاملة‭ ‬الاسرى،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تؤكده‭ ‬دائما‭ ‬عناصر‭ ‬وقيادات‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬التي‭ ‬تتبنى‭ ‬العمل‭ ‬بأحكام‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬ممارساتها،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الحرب‭.‬

هنا‭ ‬نعرض‭ ‬لآراء‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬العلماء‭ ‬بشأن‭ ‬نهج‭ ‬الإسلام‭ ‬في‭ ‬معاملة‭ ‬الاسرى‭. ‬

جاء‭ ‬الإسلام‭ ‬ليقر‭ ‬مبدأ‭ ‬السلام‭ ‬بين‭ ‬الشعوب‭ ‬والأمم،‭ ‬معتبراً‭ ‬السلام‭ ‬هو‭ ‬الأصل‭ ‬والحرب‭ ‬هي‭ ‬الاستثناء،‭ ‬وفي‭ ‬سبيل‭ ‬ذلك‭ ‬دعا‭ ‬إلى‭ ‬تجنب‭ ‬ويلات‭ ‬الحروب‭ ‬والنزاعات،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يتغاض‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬قوانين‭ ‬للحرب‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬وقوعها،‭ ‬وجعل‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬دفاعية‭ ‬وليست‭ ‬هجومية،‭ ‬وفي‭ ‬غمار‭ ‬الحروب‭ ‬يسقط‭ ‬القتلى‭ ‬والجرحى‭ ‬من‭ ‬الأطراف‭ ‬المتنازعة،‭ ‬كما‭ ‬يقع‭ ‬بعض‭ ‬المقاتلين‭ ‬في‭ ‬الأسر،‭ ‬وقد‭ ‬وضع‭ ‬الإسلام‭ ‬عدة‭ ‬أسس‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬الأسير،‭ ‬وكفل‭ ‬له‭ ‬حقوقاً‭ ‬تحفظ‭ ‬سلامته‭ ‬وأمنه‭ ‬وكرامته‭. ‬

يقول‭ ‬الدكتور‭ ‬علي‭ ‬جمعة‭ ‬مفتي‭ ‬مصر‭ ‬الأسبق‭: ‬يحرم‭ ‬الإسلام‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأسير‭ ‬بقسوة‭ ‬أو‭ ‬تعريضه‭ ‬للمهانة‭ ‬والذل،‭ ‬وكان‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬إذا‭ ‬بعث‭ ‬أميراً‭ ‬على‭ ‬جيش‭ ‬أوصاه‭ ‬ومن‭ ‬معه‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬لا‭ ‬تغلوا‭ ‬ولا‭ ‬تقدروا‭ ‬ولا‭ ‬تمثلوا‭ ‬ولا‭ ‬تقتلوا‭ ‬وليداً‭ ‬ولا‭ ‬امرأة‭ ‬ولا‭ ‬شيخاً‮»‬،‭ ‬وقال‭ ‬يوم‭ ‬فتح‭ ‬مكة‭: ‬‮«‬ألا‭ ‬لا‭ ‬يقتل‭ ‬مدبر،‭ ‬ولا‭ ‬يجهز‭ ‬على‭ ‬جريح،‭ ‬ومن‭ ‬أغلق‭ ‬بابه‭ ‬فهو‭ ‬آمن‮»‬‭.‬

ولذلك‭ ‬كان‭ ‬المسلمون‭ ‬في‭ ‬قتالهم‭ ‬لا‭ ‬يتبعون‭ ‬أحداً‭ ‬هارباً‭ ‬من‭ ‬المعركة،‭ ‬ولا‭ ‬يقتلون‭ ‬أسيراً،‭ ‬بل‭ ‬لا‭ ‬يقطعون‭ ‬شجراً،‭ ‬ولا‭ ‬يردمون‭ ‬بئرا‭ ‬ولا‭ ‬يهدمون‭ ‬بيتاً‭. ‬ويضيف‭: ‬لقد‭ ‬حث‭ ‬الإسلام‭ ‬على‭ ‬معاملة‭ ‬الأسير‭ ‬معاملة‭ ‬كريمة‭ ‬لا‭ ‬تهان‭ ‬فيها‭ ‬كرامته‭ ‬ولا‭ ‬تنتهك‭ ‬حرمته،‭ ‬دون‭ ‬اعتبار‭ ‬لاختلاف‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬كونه‭ ‬من‭ ‬الأعداء،‭ ‬وعد‭ ‬تلك‭ ‬المعاملة‭ ‬من‭ ‬صفات‭ ‬الأبرار،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭ ‬فيهم‭: ‬‮«‬وَيُطْعِمُونَ‭ ‬الطَّعَامَ‭ ‬عَلَى‭ ‬حُبِّهِ‭ ‬مِسْكِيناً‭ ‬وَيَتِيماً‭ ‬وَأَسِيراً‮»‬،‭ (‬سورة‭ ‬الإنسان‭: ‬الآية‭ ‬8‭).‬

وأوصى‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أصحابه‭ ‬بحسن‭ ‬معاملة‭ ‬الأسرى،‭ ‬فقال‭: ‬‮«‬استوصوا‭ ‬بالأسارى‭ ‬خيراً‮»‬،‭ ‬وبهذا‭ ‬الأمر‭ ‬حول‭ ‬الإسلام‭ ‬غريزة‭ ‬الانتقام‭ ‬من‭ ‬العدو‭ ‬الأسير‭ ‬إلى‭ ‬أداة‭ ‬فضل‭ ‬ورحمة،‭ ‬فلم‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬النهي‭ ‬عن‭ ‬تعذيبه‭ ‬أو‭ ‬تجويعه،‭ ‬بل‭ ‬امتد‭ ‬إلى‭ ‬الحث‭ ‬على‭ ‬الإحسان‭ ‬إليه‭ ‬وإكرامه‭ ‬ومساواته‭ ‬بالمسكين‭ ‬واليتيم،‭ ‬وبهذا‭ ‬تتحول‭ ‬إحدى‭ ‬تبعات‭ ‬الحروب،‭ ‬رغم‭ ‬ضراوتها‭ ‬وقسوتها،‭ ‬إلى‭ ‬عبادة‭ ‬يرجو‭ ‬صاحبها‭ ‬رضا‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬ويصبح‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬الأبرار‭.‬

وقال‭: ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬الدول‭ ‬والممالك‭ ‬من‭ ‬حول‭ ‬دولة‭ ‬الإسلام‭ ‬تقتل‭ ‬الأسير‭ ‬أو‭ ‬تستعبده‭ ‬أو‭ ‬تهينه،‭ ‬وضع‭ ‬الإسلام‭ ‬القواعد‭ ‬والأسس‭ ‬التي‭ ‬يحمي‭ ‬بها‭ ‬الأسير‭ ‬ويصون‭ ‬كرامته‭ ‬وإنسانيته‭ ‬ويرفع‭ ‬الظلم‭ ‬عن‭ ‬المظلومين‭ ‬وينشر‭ ‬العدل‭ ‬والرحمة‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬وينقل‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬المعاملة‭ ‬المهينة‭ ‬التي‭ ‬سادت‭ ‬في‭ ‬عصور‭ ‬الجهل‭ ‬ويرقى‭ ‬به‭ ‬إلى‭ ‬السلوك‭ ‬الإنساني‭ ‬القويم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬فضل‭ ‬فيه‭ ‬لعربي‭ ‬على‭ ‬أعجمي‭ ‬إلا‭ ‬بالتقوى‭.‬

‭ ‬كما‭ ‬حث‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬الصحابة‭ ‬على‭ ‬إكرام‭ ‬الأسرى‭ ‬فقبل‭ ‬الفداء‭ ‬من‭ ‬البعض،‭ ‬ومن‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬دفع‭ ‬الفدية،‭ ‬قبل‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يعلم‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬المسلمين‭ ‬الكتابة،‭ ‬وعفا‭ ‬عن‭ ‬بعضهم،‭ ‬ومن‭ ‬تطبيقات‭ ‬ذلك‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬النبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أعطى‭ ‬أسيراً‭ ‬لأبي‭ ‬الهيثم‭ ‬بن‭ ‬التيهان‭ ‬وأوصاه‭ ‬به‭ ‬خيراً‭ ‬فقال‭ ‬له‭: ‬إن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬أوصاني‭ ‬بك‭ ‬خيراً،‭ ‬فأنت‭ ‬حر‭ ‬لوجه‭ ‬الله‭.‬

وأكدت‭ ‬الدكتورة‭ ‬آمنة‭ ‬نصير‭ ‬الأستاذ‭ ‬بجامعة‭ ‬الأزهر‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬بنصوصه‭ ‬القطعية‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬والسنة،‭ ‬وبتطبيقاته‭ ‬الفعلية‭ ‬والتقريرية‭ ‬من‭ ‬الرسول‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬تعطي‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭ ‬دروساً‭ ‬حضارية‭ ‬في‭ ‬معاملة‭ ‬الأسرى،‭ ‬سبقت‭ ‬بها‭ ‬المعاهدات‭ ‬الدولية‭ ‬المنوطة‭ ‬بحماية‭ ‬حقوق‭ ‬الأسرى‭ ‬بأربعة‭ ‬عشر‭ ‬قرنا،‭ ‬مؤكدة‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬جاء‭ ‬رحمة‭ ‬للعالمين‭ ‬ولنشر‭ ‬قيم‭ ‬التسامح‭ ‬إلى‭ ‬يوم‭ ‬الدين‭. ‬والإسلام‭ ‬ينهى‭ ‬عن‭ ‬تعذيب‭ ‬الأسرى‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نعذبهم‭ ‬لأنهم‭ ‬قاتلونا،‭ ‬والنبي‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬لم‭ ‬يقتل‭ ‬من‭ ‬الأسرى‭ ‬خلال‭ ‬غزواته‭ ‬الطويلة‭ ‬إلا‭ ‬عدداً‭ ‬قليلاً‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬أكابر‭ ‬عتاة‭ ‬المشركين‭ ‬وقادة‭ ‬الحرب‭ ‬الضروس‭ ‬ضد‭ ‬الإسلام‭ ‬وأهله،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬عليهم،‭ ‬بحسب‭ ‬التعبير‭ ‬المعروف‭ ‬اليوم‭ ‬‮«‬مجرمي‭ ‬حرب‮»‬‭. ‬

ويقول‭ ‬الدكتور‭ ‬أحمد‭ ‬كريمة‭ ‬الأستاذ‭ ‬بجامعة‭ ‬الأزهر،‭ ‬الإسلام‭ ‬كفل‭ ‬للأسير‭ ‬عدة‭ ‬حقوق‭ ‬تحفظ‭ ‬سلامته‭ ‬وأمنه،‭ ‬ومن‭ ‬حقوقه‭ ‬ما‭ ‬يكفيه‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬والشراب،‭ ‬وقد‭ ‬جعل‭ ‬الإسلام‭ ‬إطعام‭ ‬الأسير‭ ‬قربة‭ ‬يتقرب‭ ‬بها‭ ‬المؤمن‭ ‬إلى‭ ‬ربه‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬‮«‬إنما‭ ‬نطعمكم‭ ‬لوجه‭ ‬الله‮»‬،‭ ‬وفيها‭ ‬أن‭ ‬المؤمن‭ ‬يؤثر‭ ‬الأسير‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬نفسه،‭ ‬ومعنى‭ ‬هذا‭ ‬انه‭ ‬لم‭ ‬يطعمه‭ ‬مما‭ ‬فضل‭ ‬من‭ ‬قوته،‭ ‬وإنما‭ ‬من‭ ‬طيب‭ ‬طعامه‭ ‬مع‭ ‬حاجته‭ ‬إليه‭ ‬ومحبته‭ ‬له،‭ ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬قرن‭ ‬حق‭ ‬الأسير‭ ‬بالمسكين‭ ‬واليتيم‭ ‬‮«‬ويطعمون‭ ‬الطعام‭ ‬على‭ ‬حبه‭ ‬مسكينا‭ ‬ويتيما‭ ‬وأسيراً‮»‬‭ ‬حثا‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬على‭ ‬إطعامه‭ ‬والإحسان‭ ‬إليه،‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬سبباً‭ ‬في‭ ‬هدايته،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬شأن‭ ‬ثمامة‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا