حاصلة على امتياز الشرف لرائدات الأعمال البحرينيات الشابات من المجلس الأعلى للمرأة.. تنتمي إلى مدرسة التصميم
المفاهيمي والفن التركيبي.. درست ومارست الهندسة المعمارية في اسكتلندا.. أشهر مشاريعها تصميم سوق
المزارعين في هورة عالي.. المهندسة ميسم حسن الناصر لـ«أخبار الخليج»:
يقول المعماري الشهير موشيه سافدي: «يجب أن تكون العمارة متجذرة في الماضي.. ومع ذلك يجب أن تكون جزءا من وقتنا.. ونتطلع إلى المستقبل»!
هذا هو نهجها في عملها الهندسي المعماري، الذي يجمع بين روح الماضي ولمسات العصر، وتتعامل مع ذلك على أنه نوع من أنواع الفنون، الذي يكشف عن موهبة صاحبه، وتفرده عن الآخرين، وهو ما برز على السطح منذ طفولتها، وتمكنت من خلال ذلك من أن تقدم نسخة مميزة من رائدة الأعمال المبدعة.
المهندسة ميسم الناصر ترى أن مجال الهندسة المعمارية بحر عميق يجب أن نتقن علمه قبل أن نمارسه، تحمل فكرا هندسيا استثنائيا اعتمادا على ما يعرف بالهندسة المعمارية المفاهيمية، التي تتميز بتقديم الأفكار أو المفاهيم من خارج العمارة كوسيلة لتوسيع النظام الذي تعتمد عليه.
هي من المهتمين بشدة بالحفاظ على الموروث البحريني المعماري مع إضافة مسحة حديثة بما يضمن الإبقاء على الهوية، بحيث تحقق نوعا من الموازنة بين الماضي والحاضر، وتواكب كل التغيرات والمستجدات العمرانية على الساحة.
وتؤكد أن الطفرة العمرانية التي شهدها عصرنا الحاضر تم خلالها تطبيق تجارب العمارة الحديثة والتصاميم الغربية دون النظر إلى الطابع التراثي البحريني الأصيل، وأن العمارة التي تعطي أهمية للتناسق ما بين هذه المباني لتتناغم مع بعضها بعضا في صورة رائعة ترسخ الهوية المستقلة للعمارة الوطنية.
حول هذه التجربة كان الحوار الآتي:
ما هي مدرستك الهندسية؟
أنا أنتمي إلى مدرسة الهندسة المفاهيمية، وأسعى دوما منذ البداية إلى التميز في أي تصميم أقوم به، ومراعاة التأثير النفسي له على الفرد والمجتمع، انطلاقا من الهوية البحرينية الأصيلة، وبأسلوب حديث في ذات الوقت، وأحرص دائما على أن يحمل أي مبنى نوعا من المسؤولية المجتمعية، وأعكف بصفة مستمرة على البحث والدراسة في فلسفة العمارة اليوم في المنطقة بشكل عام، بهدف مواكبة كافة المستجدات على الساحة.
ما هو المقصود بالهندسة المفاهيمية؟
العمارة كانت دائما في طليعة تطور الحضارة، وبينما يتغير عالمنا بسرعة يفتح التقدم في التكنولوجيا الباب أمام المساعي والمقترحات المعمارية الجديدة، وهذا هو المقصود بالهندسة المفاهيمية التي تعتبر شكلا من أشكال الهندسة التي تتميز بإدخال أفكار أو مفاهيم من خارج العمارة في كثير من الأحيان كوسيلة لتوسع وتطور تخصص الهندسة المعمارية، وينتج عنها نوع مختلف من المباني يختلف جوهريا عن ذلك الذي ينتج عن النموذج المعماري العادي أو التقليدي، باعتباره بانيا رئيسيا، حيث تكون الحرف والبناء هي المبادئ التوجيهية في العمارة المفاهيمية، ويكون المبنى النهائي كمنتج اقل أهمية من الأفكار التي يحملها.
حدثينا عن حصولك على جائزة امتياز الشرف؟
أعتقد أن تقييم المشاريع البحرينية المشاركة تم على أساس تميزها من حيث تأثيرها في المجتمع، ومدى ما تحمله من مسؤولية مجتمعية، إلى جانب دور مشروعي في تقديم خدمة فعالة ومتميزة في مجالها في الوقت نفسه، فضلا عن توافر معايير أسهمت في فوزي بالجائزة وذلك بعد عشر سنوات من العمل الحر. وأود أن أذكر هنا أن هدفي من المشاركة كان اختبارا مني لقدراتي ولأدائي بشكل عام ولله الحمد نجحت فيه بامتياز.
كيف ترين الوضع المعماري اليوم بالبحرين؟
اليوم أجد هناك عزلة بصرية بين المشاريع، بمعنى عدم وجود نسيج عام للعمارة يجمع كافة العاملين في هذا المجال، وقد يكون السبب وراء ذلك الرغبة في التفرد، وبشكل حاد، الامر الذي أثر على الشكل العام لغالبية المشاريع، وأحب أن أوكد هنا أنني مع التميز ولكن ضمن الهوية الأصيلة لمملكتنا، فما شغلني على مدى عشر سنوات منذ إطلاق مشروعي هو كيف ننجز مشاريع حديثة انطلاقا من تراثنا وهويتنا، لأنني على قناعة بأن أي تصميم لا بد أن يحمل نوع من المسؤولية المجتمعية، وأن يكون له تأثير نفسي، ويحقق نوعا من الروابط المكانية في المدينة، ويقلل من البؤر المظلمة، وهذه هي مدرستي في المجمل، وهناك نقطة يجب الالتفات إليها بشدة.
وما هي؟
للأسف لم تعد هناك أي اهتمامات بوجود مساحات وتضاريس في الشوارع تراعي تكوين وتعميق العلاقات الانسانية وتحافظ على ذلك، بحيث تهدف إلى إنعاش الحياة في الشوارع العامة وممارسة الحياة بها كما كان يحدث في السابق، وكلنا نتذكر أننا نستخدم الشارع كبارا وصغارا خلال أوقات طويلة من اليوم، وكان آمنا ومؤهلا لذلك سواء للسير أو التجمع أو للعب بالنسبة إلى الأطفال، بما يتيح لنا فرصة الخروج من المباني، وللأسف خسرنا كل ذلك بنسبة كبيرة، الأمر الذي أثر على علاقات الناس المباشرة بعضها ببعض.
أهم المشاريع التي قمت بتنفيذها؟
من المشاريع المهمة التي اعتز بها واستمتعت كثيرا بتصميمها كان سوق المزارعين في هورة عالي، وقد حرصت من خلاله على إتاحة حرية من المساحة، وفي توظيف المكان، واستخدام الخامات المختلفة، كذلك عملت مع وزارة الثقافة سابقا في أكثر من مشروع، وأيضا مع وزارة العمل، لذلك كنت محظوظة بهذا التنوع في المشاريع باختلاف أحجامها وطبيعتها ومن ثم تصاميمها التي تتم في إطار التصميم المفاهيمي، والحفاظ على الهوية، والاهتمام بالفن التركيبي.
وما سر انجذابك للفن التركيبي؟
أنا من المهتمين بالفن التركيبي، وشاركت في عدة معارض متخصصة في هذا الفن؛ منها على سبيل المثال ما أقيم خلال ربيع الثقافة، وبمعرض الرواق، وبالمرفأ المالي، وغيرها، وانجذبت له بسبب خلفيتي المعمارية، حيث يعتمد على مواد ثلاثية الأبعاد، وهو قريب إلى ميولي ويتواكب معها بدرجة كبيرة، وقد شاركت في مهرجان الموسيقى وغيره لإشباع هذا الشغف الذي بدأ معي منذ الطفولة.
كيف أسهمت طفولتك في صنع مستقبلك؟
لقد عشقت كل أنواع الفنون منذ طفولتي، وكان التحاقي بمركز سلمان الثقافي ذا أثر كبير في ذلك، وذلك لكونه يجمع بين مختلف الفنون تحت سقف واحد، منها الموسيقي والتمثيل والرسم والإلقاء وغيرها، وقد فزت بجوائز عديدة خلال وجودي في هذا المكان الذي أسهم كثيرا في إدراكي أهمية الفنون بشكل عام في حياتنا، وفي مرحلة الجامعة قررت دراسة تخصص الهندسة المعمارية في اسكتلندا.
حدثينا عن تجربتك في اسكتلندا؟
تجربتي في اسكتلندا للدراسة والعمل استمرت حوالي عام، وقد استمتعت بها كثيرا، بل أجد نفسي محظوظة بها، حيث تعلمت هناك أصول المدرسة المفاهيمية، والفنون التركيبية، وقد كانت الجامعة في حد ذاتها معرضا جميلا ومتجددا، ولا شك أن المعمار هناك يركز على أسلوب المدرسة المفاهيمية للتصميم، مع الحفاظ على عنصر البساطة، كما يترك المجال لكل طالب أن يكتشف نفسه، وميوله، ويركز على تحقيق ما يصبو إليه، وهناك شيء مهم لفت نظري بشدة.
وما هو ذلك الشيء المهم؟
ما لفت نظري بشدة هناك وأعجبني كثيرا هو الحرص على الحفاظ على الهوية، حتى عند تجديد القديم أو ترميمه، بعيدا عن أسلوب العنف في التحديث، فدائما هناك مراعاة للتراث والأصل، وهذا ما تأثرت به كثيرا، لذلك أميل من خلال تصاميمي إلى إضافة لمسات حديثة مع إبراز روح المبني الأساسي.
ماذا بعد العودة إلى البحرين؟
بعد التخرج عملت هناك مدة عام تقريبا، واكتسبت خبرة عملية واسعة ومتنوعة، ثم عدت إلى البحرين، وعملت لدى مكتبين دوليين حوالي أربع سنوات، ثم قررت إطلاق مشروعي الخاص لخلق مساحة أمامي للبحث عما أريد وبالفلسفة التي تعلمتها أثناء دراستي، وبالفعل شرعت في خوض تجربة العمل الحر بالاستعانة بفريق عمل متكامل ومتجانس حيث نحمل جميعا نفس الرؤية والروح والهدف والشغف، والأهم الايمان بالتأثير النفسي للمكان على الشخص والمجتمع، ولله الحمد أقمنا علاقات قوية مع العملاء، وخاصة أننا نراعي أسلوب حياتهم واهتماماتهم وهواياتهم عند التصميم لهم.
أصعب تحد؟
أهم تحد واجهته هو كيفية إقناع العميل بمدرستي الهندسية، والحرص على ربط التصميم بطبيعة العميل والمكان، ولله الحمد وفقت في ذلك، وكان أجمل حصاد هو بصمتي الخاصة على كل مشروع، وهو ما حاولت أن أعلمه لأبنائي، وهو أن يتركوا علامة خاصة بهم في أي عمل يقومون به وتكون لهم شخصيتهم المستقلة والمتفردة عند تحقيق شغفهم، وأن يتمسكوا بالحياة الحقيقية بعيدا عن العالم الافتراضي الذي يعيش فيه الكثيرون اليوم.
حلمك الحالي؟
حلمي الدائم هو أن أتمكن من تحقيق التوازن بين العائلة وطموحي العملي، ولا شك أنني محظوظة كثيرا بدعم زوجي الكبير لي، وهو مؤلف موسيقي ويدرك جيدا أهمية الفن في حياتنا، فضلا عن مساندة والدتي لي بشدة وهي أيضا تعمل في مجال الثقافة والفنون، وكل ذلك كان سببا وراء نجاحي وتحقيق ذلك الحلم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك