يقول الفيلسوف والباحث الألماني فريدريك نيتشه «ما لا يقتلنا يجعلنا أقوى»!
نعم، لطالما ركزت فلسفته على ضرورة أن يكون المرء شجاعا، يخوض المخاطر، ويواجه المواقف الصعبة، حتى يتمكن من جني ثمار الحياة، فالنجاح لا يتحقق بدون المرور بدرب الألم والتضحية.
وهذا بالفعل ما ينطبق على تجربة هذه المرأة المتعففة التي تحولت إلى سيدة أعمال منتجة، بعد أن عصرتها الظروف ألما وتألما، فقد عانت الكثير، وواجهت الفقر والعوز المادي بكل قوة، وصمدت وانتصرت في معركة الحياة وكان الصبر سلاحها، والرضا غنيمتها، والفقر فخرها.
نعيمة محمد السياس سيدة أعمال عصامية مكافحة، متعهدة سفريات، رئيسة الأسر المنتجة لجمعية بصمة خير، وباحثة وناشطة اجتماعية، أثبتت تجربتها أنه لا توجد شجرة لم يهزها ريح، وليس هناك إنسان لا يتألم ولكن يكون البقاء للأشخاص الأقوياء، وأن أكثر الناس نجاحا وقوة هم الذين تجرعوا آلاما مريرة، وأثخنوا بالمواجع، لكنهم لم يستسلموا، بل آمنوا بقدراتهم على الإنجاز والعطاء، وحولوا من الألم طاقة كامنة تسير بهم نحو التغيير إلى الأفضل، وجعلوا منه وسيلة للنظر إلى المستقبل بكل أمل وتفاؤل.
حول هذه التجربة العصامية الملهمة كان الحوار التالي:
حدثينا عن طفولتك؟
لقد نشأت في ظروف صعبة للغاية، وعانيت كثيرا من العوز المادي، حتى إنني حرمت من إكمال مشواري التعليمي، وقد تزوجت عند عمر 23 عاما، وأنجبت خمسة أطفال، ومررت مع زوجي بأزمات مادية شديدة بعد مرضه وتوقفه عن العمل، وبعد 27 عام زواج، توفي زوجي، ولم يكن لديّ أي مصدر للدخل سوى تلقي مساعدات الشؤون الاجتماعية، ولكني صمدت في مواجهة تلك الظروف الصعبة، وقررت عدم الاستسلام، والعمل من أجل تربية أبنائي وتعليمهم حتى إنهاء المرحلة الجامعية.
أول محطة عملية؟
لقد عملت في البداية في مجال تجارة الثياب، والتحقت بجمعية بصمة خير كناشطة اجتماعية، وعرفني الناس جيدا وحققت سمعة طيبة لديهم حتى إنهم وقفوا إلى جانبي، ومع الوقت أصبحت رئيسة الأسر المنتجة بالجمعية، وتحولت من مجرد امرأة متعففة إلى سيدة أعمال، وكنت أول امرأة من الاسر المنتجة تعرض منتجاتها في معرض هلال فبراير 2017 و2017 في دولة الكويت، وحرصت على اصطحاب غيري من المنتجين المبدعين في هذا المجال لعرض أعمالهم هناك وتمثيل البحرين وتراثها الأصيل.
وماذا عن نشاطك في عالم السياحة؟
لقد قمت بتنظيم أول معرض من نوعه بعنوان: «عام الذهب»، كذلك كنت أول بحرينية تنظم رحلات داخلية للتعرف على معالم البحرين المختلفة سواء للأجانب أو البحرينيين، وقد احترفت هذا المجال وأصبحت متعهدة للسفريات وكنت أنظم الكثير من البرامج الترفيهية للسياح، وكان تحديا كبيرا أن أنفذ كل ذلك بمفردي وبجهودي الذاتية، وواصلت طريقي كناشطة وباحثة اجتماعية حيث كنت أذهب إلى المحتاجين في أماكنهم لبحث ودراسة حالاتهم وتحديد مدى استحقاقهم للمساعدات، وهذا بناء على طلب من الجمعيات الخيرية وخاصة بعد إصابتي في ركبتي حيث كنت أقوم بهذه المهمة وانا أتكئ على عكاز إلى جانب تنظيم المعارض للأسر المنتجة داخل وخارج البحرين.
أهم انجازاتك؟
أهم انجازاتي كان في مجال السفريات حيث أعمل كمتعهد للسفريات وأنظم رحلات داخلية وخارجية وإقامة بعض البرامج الترفيهية للسياح وتعريفهم بمعالم البحرين، وكان تحديا كبيرا ان أقوم بهذه المهمة بنفسي ووجدت اقبالا كبيرا من الجمعيات إلى جانب نشاطي كباحثة اجتماعية حيث أذهب إلى المحتاجين في أماكنهم لبحث ودراسة حالاتهم وتحديد مدى استحقاقهم للمساعدات، وهذا بناء على طلب من الجمعيات الخيرية وخاصة بعد إصابتي في ركبتي، وكنت أذهب على عكاز إلى المحتاجين في أماكنهم، ولله الحمد فخورة بما حققته على صعيد العمل والاسرة، هذا إلى جانب ممارسة العمل التجاري في مجالات أخرى تميزت وتفردت بها.
مثل ماذا؟
لقد امتهنت صناعة العطور والثياب بمساعدة أبنائي، وكنت أول من ابتكر كتابة اسم مستخدم العطر على الزجاجة، وكذلك على الثياب، وكانت فكرة جذابة حققت لي شهرة واسعة ولاقت قبولا كبيرا لدى الكثيرين، وكان أول عطر أنتجته تحت اسم (الغلا)، وقمت ببيعه في سوق المباركية في مهرجان هلا فبراير، كما شاركت بمنتجاتي في مجمع الواحة بالرفاع وفي عذاري، هذا فضلا عن حرصي على عرض منتجاتنا التراثية كثوب النشل والجلابيات البحرينية في دولة الكويت، والموروث الشعبي على المجسمات المصنوعة من الجبس والتي تحكي قصص البحرين التراثية الأصيلة، وهي فكرة جديدة تم ابتكارها بالتعاون مع فنانين تشكيليين.
وماذا كان رد الفعل تجاه ذلك؟
لقد وجدت استحسانا كبيرا للفكرة حتى إن معهد تنمية المرأة للسلام في الكويت وجه لي دعوة ولدار المنار لعرض العرضة البحرينية والموروث الشعبي البحريني في أول تعاون من نوعه، وحصلنا على عدد من الدروع وشهادات التقدير من المعهد.
إنجازات أخرى تعتزين بها؟
لقد تم التعاون مع النائب خالد البوعنق، ونظمنا مسابقات ذات جوائز قيمة من وحي شهر رمضان الكريم، وسوالف أمي العودة وذلك على انستجرام جمعية بصمة خير، كذلك أعددنا فيديوهات تحكي عن هذا الشهر والاستعدادات له، ونظمنا كذلك زيارة لجمعيات بر الوالدين ومسابقة أسبوعية للأطفال عبر منصة الابداع لسفرائنا الصغار من الوطن العربي لتعريفهم بهذه المناسبة الطيبة وبعاداتنا وتقاليدنا المتعلقة بها، وهي أنشطة اجتماعية أسعد كثيرا بالقيام بها.
ما هو مصدر قوتك ونجاحك؟
أنا -ولله الحمد- استمد قوتي من نفسي بعد الخالق سبحانه وتعالى، وقد علمتني تجارب الحياة الصعبة أنه لا يوجد شيء مستحيل طالما توافرت القوة والصبر والإرادة، وهذا هو سر نجاحي.
رسالتك من وراء العمل التطوعي؟
العمل التطوعي بالنسبة لي وسيلة لنشر الخير، وهو نشاط إنساني يعود بالنفع على المجتمع، ويحمل الكثير من قيم التراحم والمحبة والتكافل، ومن ثم تعزيز الروح الجماعية بين الأفراد، وخاصة تحت الضغوط التي يعانيها الكثيرون سواء النفسية أو الاقتصادية، وهو مجال مفتوح أمام جميع الطاقات والقدرات، فما أحوجنا اليوم إلى هذا النوع من الممارسات لمنح البعض مشاعر الامل والأمان والاستقرار، ولكن ذلك يندرج في إطار ما يسمي المسؤولية الاجتماعية التي يجب أن يتحملها الجميع، وهذا ما اخترته لنفسي ولأبنائي منذ زمن بعيد، في سبيل تحقيق الصالح العام عملا بالمقولة التي تؤكد ضرورة أن يعطي المرء من وقته تطوعا بما يخدم مجتمعه، وأنا أرى أن ثقافة التطوع هي الثقافة السائدة في المجتمعات المتحضرة، وكم أنا فخورة وسعيدة أن تكون البحرين نموذجا يقتدى به في هذا الشأن.
ما هي المهارات التي تستمد من العمل التطوعي؟
العمل التطوعي يمنح الفرصة لأي إنسان لممارسة المهارات المفيدة في مكان العمل، مثل العمل الجماعي والتواصل وحل المشكلات وتطوير الحياة المهنية وغيرها من الأمور التي تعود بالفائدة على المجتمع ككل.
في رأيك ماذا يحتاج المنتمون إلى الأسر المنتجة؟
لا شك أن أكثر ما يحتاج إليه العاملون في هذا المجال هو توفير أماكن ومساحات لهم للعرض بالمجان، وذلك على غرار ما يحدث في دولة الكويت على سبيل المثال، وهو نوع من الدعم نحن في أشد الحاجة إليه، وخاصة في ظل المبالغة في أسعار الإيجارات بالنسبة للأماكن المتاحة لعرض منتجاتنا والتي تمثل لنا تحديا كبيرا بالنسبة للمنتمين إلى هذا القطاع.
حلمك القادم؟
الحلم الأكبر لي أن نصل بأسرنا المنتجة إلى الدول الأخرى، وخاصة الخليجية، كما أتمنى أن أمتلك مستقبلا مكتبا خاصا للسفريات أمارس من خلاله نشاطي السياحي الحالي، يتوج اجتهادي الكبير في هذا المجال الذي حققت فيه سمعة طيبة ولله الحمد، من خلال برامجي التي تروج لمعالم وطني السياحية التي لا يعلم عنها الكثيرون، هذا فضلا عن تحقيق طموحي في أن أستطيع إكمال مشواري التعليمي الجامعي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك