أول بحرينية عالمة بحار تعمل في الميدان.. مؤسسة لأول موسوعة بيئية بالمملكة ولشبكة الشباب العربي من أجل المناخ.. حاصلة على جائزة أفضل بحث علمي في مجال الإيكولوجية، وجائزة المرأة المحفزة المتمكنة الملهمة من جامعة أسكس البريطانية.. منسقة مشروع أول قائمة حمراء لأنواع الحيوانات المهددة بالانقراض... ريم خليفة المعلا لـ«أخبار الخليج»:
يقول جلال الدين الرومي «أن تطلب اللؤلؤ.. عليك بالغوص في عمق البحر.. فما على الشاطئ غير الزبد»!
لقد تعدى طموح هذه المرأة مجرد طلب اللؤلؤ بكثير، لذلك احترفت ما يسمى الغوص العلمي، وهو ليس كالغوص الترفيهي المعروف، لأنه يهدف إلى استكشاف البحار والكائنات البحرية في الأعماق المختلفة، ومراقبتها في بيئتها المحلية، أو أخذ عينات لدراستها معمليا، من خلال استخدام تقنيات مختلفة تحت الماء سعيا للحصول على المعرفة العلمية، لذلك يصبح من يحترف هذا النوع من الغوص مؤهلا لممارسته أولا، وثانيا قادرا على الوصول إلى موقع عمله الميداني بكل مهارة.
ريم خليفة المعلا، أول عالمة بحار بحرينية تعمل في الميدان، احترفت الغوص العلمي، وتركت بصمة خاصة في هذا العالم الساحر، أسست أول موسوعة بيئية بحرينية، حاصلة على رسالة الماجستير في مجال الايكولوجية والتطور والحفاظ على البيئة من جامعة امبيريل كولج لندن، وعلى الدكتوراه في علوم البحار والمياه العذبة من جامعة اسكس البريطانية، التي منحتها جائزة أبيل إمبري أفضل بحث علمي، وجائزة المرأة المحفزة المتمكنة الملهمة.
هي ترى البحر مصدر إلهام، وطريقا للوصول إلى الجمال، لذلك تعمقت في عالمه، ونفذت العديد من الأبحاث البيئية في البحرين وإندونيسيا ومدغشقر وجنوب إفريقيا والسيشلز، فهو بالنسبة إليها وطن وصديق وملاذ للتأمل ومعلم ومدرسة، حتى إنها تشبهه بالحياة بكل ما فيها من تقلبات، ومع ذلك تعتبره أجمل مقتنيات الطبيعة، وأكثرها إثارة للفضول، وقد استلهمت من عالمه الكثير من العبر والدروس.
«أخبار الخليج» غاصت في عمق هذه التجربة الملهمة وذلك في السطور الآتية:
{ متى بدأ تعلقك بالبحر؟
من المفارقات العجيبة والجميلة في ذات الوقت التي حدثت في مسيرتي أنني منذ طفولتي كنت أحلم بأن أصبح رائدة فضاء، لذلك التحقت بمركز العلوم للأطفال منذ الصغر، وقد حدث أن شاهدت فيلما بالمركز البريطاني الذي كنت أتعلم من خلاله اللغة الإنجليزية بعنوان «الحوت القاتل» وتأثرت به كثيرا، وكانت بطلته عالمة بحار، وهنا رسخ في ذهني هذا اللقب، بل تحول إلى شغف، وشاء لي القدر أن أغوص في أعماق البحر بدلا من التحليق في أعالي السماء، وكان ذلك أجمل ما حدث لي في حياتي لأنه منحني الفرصة للتعرف على هذا العالم الساحر والغامض والجميل والبحث والتعمق في مجاله.
{ وكيف حققت شغفك؟
أكثر ما شدني إلى هذا المجال أنه كان حكرا على الرجال، لذلك كان دخوله تحديا كبيرا بالنسبة إلي، ولحسن الحظ كان هناك منهج دراسي بالمرحلة الثانوية بعنوان «علوم البحار» سعدت جدا به، وسعيت لمواصلة دراستي في هذا المجال خلال مرحلة الجامعة، وبالفعل وجدت هذا التخصص العلمي متاحا في بريطانيا بجامعة اسيكس، وقضيت هناك خمس سنوات بين الدراسة والتدريب العملي في دول عديدة منها مدغشقر وإندونيسيا وجنوب إفريقيا وغيرها.
{ ماذا بعد العودة؟
بعد العودة إلى البحرين اعتقدت أنني سأواجه صعوبة في الحصول على فرصة عمل في مجالي، وأذكر أن البعض كان يمزح معي قائلا إن عملي بهذه الشهادة سيكون في سوق السمك، نظرا إلى أنه تخصص غير معروف أو مطلوب، ولكني التحقت للعمل بأول شركة استشارية بيئية بالبحرين، وكنت العربية الوحيدة بها، ثم عملت لدى المجلس الأعلى للبيئة وشاركت في مشروع طريق اللؤلؤ، وشغلت منصب مستشار به، كما أسهمت في تحديث الاستراتيجية الوطنية وخطة العمل للتنوع الحيوي بالبحرين وفي دراسة تتعلق بالهيرات الشمالية، وشرفت بإعداد أول قائمة حمراء في البحرين لأنواع الحيوانات المهددة بالانقراض، كما عملت لدى المركز الإقليمي للتراث العربي حوالي سبع سنوات، ثم انتقلت إلى العمل مع معهد البحرين للأحجار الكريمة واللؤلؤ.
{ كيف جاءت خطوة دراسة رسالتي الماجستير والدكتوراه؟
بعد العمل في كثير من المشاريع الرائدة بالبحرين قررت السفر إلى بريطانيا للحصول على أول رسالة ماجستير من نوعها في مجال الايكولوجية والتطور والحفاظ على البيئة من جامعة امبيريل كولج لندن، وعلى رسالة الدكتوراه في علوم البحار والمياه العذبة من جامعة اسكس البريطانية، وكان ذلك على نفقتي الخاصة رغبة مني في التعمق أكثر في مجال عالم البحار وتطوير خبراتي ومهاراتي به.
{ أهم ما تعلمته من عالم البحار؟
أنا أعتبر البحر هو معلمي الأول بل مدرستي في الحياة، وقد تعلمت منه الصبر والقوة والثبات، فمن الملاحظ أنه مهما علت الأمواج على السطح فهو يحتفظ بالهدوء في القاع، وهذا هو الدرس الأهم الذي يستقيه المرء منه، والذي يؤكد أن مواجهة التحديات لا تبرر أبدا اليأس من الحياة أو الاستسلام أو التوقف طويلا عند العثرات، فكل مُر سيمر، وهذا ما شعرت به فعليا حين واجهت أصعب تحد، الذي تمثل في إثبات ذاتي ووجودي كامرأة في هذا المجال، الأمر الذي تطلب مني بذل جهود مضاعفة من أجل تحقيق أكبر قدر من الإنجازات والتميز في ذلك.
{ أصعب محنة؟
لا شك أن أي إنسان يمر بمواقف صعبة عبر مشواره، المهم هو ألا توقفه عن المسيرة أو تسبب له أي إحباطات أو شعور باليأس، وبالنسبة إلي يمكن القول إن أصعب محنة مررت بها على الصعيد الإنساني كانت أثناء مرض والدتي الذي حدث في نفس الوقت الذي كان من المفترض أن أجري فيه بحثا عمليا في جزر السيشيلز، من خلال تنفيذ مسح ميداني على أحد الشعب المرجانية هناك بالتعاون مع منظمة ارث واج والهيئة الوطنية للمحميات التابعة للحكومة، وذلك كجزء من رسالة الدكتوراه، ولله الحمد توجهت إلى البحرين للاطمئنان عليها حين سمعت عن حالتها، وكان لي نصيب ان اراها قبل رحيلها رحمها الله.
{ إنجازات تفخرين بها؟
هناك العديد من المحطات والإنجازات المهمة التي أفخر بها كثيرا عبر مسيرتي، منها اعتزازي كثيرا بكوني أحد المؤسسين لشبكة الشباب العربي من أجل المناخ في المنطقة العربية، التي من خلالها يتم المشاركة في تحديد ومعالجة المشاكل البيئية العالمية على طاولة المفاوضات التابعة للأمم المتحدة من خلال عملي التطوعي في مختلف الهيئات والمنظمات مثل اتفاقية الأمم المتحدة بشان التنوع البيولوجي (سي بي دي) واتفاقية الأمم المتحدة الاطارية بشأن تغير المناخ (يو إن إف سي سي سي)، وكل ذلك يصب في اطار حماية البيئة وجعلها في قائمة أولويات العالم، وتطوير دور الشباب والمرأة في هذا الحقل.
{ مشروعك الحالي؟
من المشاريع المهمة التي أعكف عليها بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم وجامعة البحرين هو العمل من أجل استحداث شهادة جامعية في مجال عالم البحار، وذلك لأنه لا يوجد هذا التخصص في مملكة البحرين حيث تعتبر الدولة الوحيدة في الخليج التي تفتقد إليه، وخاصة أننا جزيرة، الأمر الذي يمثل مفارقة عجيبة، وقد جاءت فكرة هذا المشروع انطلاقا من تجربتي الشخصية، ومدى حاجتي إلى الدراسة في هذا المجال في وقت من الأوقات، فضلا عن تحقيق هدف آخر سوف أواصل فيه.
{ ما هو هذا الهدف؟
أسعى حاليا للمساهمة بشكل كبير وفعال في رفع مستوى الوعي بهذا المجال، وذلك من خلال مشروعي الذي يمثل أول موسوعة بيئية في البحرين تمثل قاعدة معلومات شاملة عن كل ما يتعلق بالبيئة والقوانين التي تحكمها، وهي موجهة لمختلف الفئات، وتعتمد على مصادر موثوق بها للمعلومات، حتى إنها تعتبر دليلا ارشاديا ومعلوماتيا للجهات الحكومية، التي يمكنها أن تستفيد من هذه الخدمة غير الربحية ويقوم عليها مجموعة من الشباب، علما أن شريكي الرئيسي في هذه المنصة هو الأستاذ علي تلاهي.
{ حلمك القادم؟
أحلم الآن بتخريج نخبة من الغواصين البحرينيين المحترفين للغوص العلمي، وهذا ما أسعى أيضا لتحقيقه من خلال إعداد وتنظيم دورات صيفية في هذا المجال، وجار البحث والتباحث حول تحقيق ذلك على أرض الواقع وخاصة مع الاقبال الملحوظ عليه في الفترة الأخيرة، كما أتمنى أن تشهد مملكة البحرين تقدما في هذا الصدد سواء على الصعيد العلمي أو العملي، فهو عالم ساحر وجميل ويستحق أن نهتم به وخاصة أننا جزيرة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك