العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

شخصيات إسلامية:
يوسف بن تاشفين القائد الذي أنقذ الحكم العربي في الأندلس من السقوط

الجمعة ١٥ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

‭ ‬هو‭ ‬القائد‭ ‬أبو‭ ‬يعقوب‭ ‬يوسف‭ ‬بن‭ ‬تاشفين‭ ‬بن‭ ‬ترقنت‭ ‬بن‭ ‬إبراهيم‭ ‬اللمتوني‭ ‬الصنهاجي،‭ ‬أحد‭ ‬الشخصيات‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬حكمت‭ ‬المغرب‭ ‬الأقصى‭ ‬مدة‭ ‬40‭ ‬سنة‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الـ11‭ ‬الميلادي،‭ ‬وعاش‭ ‬نحو‭ ‬قرن‭. ‬ويعد‭ ‬أقوى‭ ‬الأمراء‭ ‬الذين‭ ‬حكموا‭ ‬دولة‭ ‬المرابطين‭. ‬وكان‭ ‬للقائد‭ ‬ابن‭ ‬تاشفين‭ ‬دور‭ ‬تاريخي‭ ‬في‭ ‬إنقاذ‭ ‬الحكم‭ ‬العربي‭ ‬للأندلس‭ ‬الذي‭ ‬أوشك‭ ‬على‭ ‬السقوط‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬العرب‭ ‬يحكمون‭ ‬الاندلس‭ ‬مدة‭ ‬4‭ ‬قرون‭ ‬أخرى‭.‬

ولد‭ ‬يوسف‭ ‬بن‭ ‬تاشفين‭ -‬ثاني‭ ‬ملوك‭ ‬الدولة‭ ‬المرابطية‭ ‬بعد‭ ‬ابن‭ ‬عمه‭ ‬أبو‭ ‬بكر‭ ‬بن‭ ‬عمر‭ ‬اللمتوني‭- ‬حوالي‭ ‬سنة‭ ‬400‭ ‬للهجرة‭ ‬الموافق‭ ‬1009‭ ‬ميلادية‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬لمتونة،‭ ‬وهي‭ ‬إحدى‭ ‬قبائل‭ ‬صنهاجة‭ ‬بموريتانيا‭.‬

نشأ‭ ‬ابن‭ ‬تاشفين‭ ‬على‭ ‬حب‭ ‬الجهاد‭ ‬داخل‭ ‬أسرة‭ ‬ملتزمة‭ ‬بدينها‭ ‬الإسلامي،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬شجاعا‭ ‬وقياديا‭ ‬وهو‭ ‬صغير‭ ‬السن‭. ‬أخذ‭ ‬يوسف‭ ‬ابن‭ ‬تاشفين‭ ‬تعاليم‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الفقيه‭ ‬الشيخ‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬ياسين،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬الفضل‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬الجيل‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬المرابطين،‭ ‬وتعلم‭ ‬منه‭ ‬الفروسية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬التكوين‭ ‬الديني‭.‬

وهكذا‭ ‬تميز‭ ‬تكوين‭ ‬ابن‭ ‬تاشفين‭ ‬بحضور‭ ‬البعد‭ ‬الديني‭ ‬والتربوي‭ ‬والجسدي،‭ ‬مما‭ ‬أهله‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬لقيادة‭ ‬جيش‭ ‬المرابطين،‭ ‬الذي‭ ‬وحّد‭ ‬به‭ ‬بلاد‭ ‬المغرب‭ ‬والأندلس‭. ‬ووصفه‭ ‬ابن‭ ‬الأثير‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬الكامل‭ ‬في‭ ‬التاريخ‮»‬‭ ‬بأنه‭ ‬كان‭ ‬‮«‬حليما‭ ‬كريما‭ ‬ديّنا‭ ‬خيّرا،‭ ‬يحب‭ ‬أهل‭ ‬العلم‭ ‬والدين‭ ‬ويحكّمهم‭ ‬في‭ ‬بلاده،‭ ‬ويبالغ‭ ‬في‭ ‬إكرام‭ ‬العلماء‮»‬‭.. ‬هذه‭ ‬الصفات‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬شخصية‭ ‬يوسف‭ ‬بن‭ ‬تاشفين‭ ‬القيادية‭.‬

في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬ابن‭ ‬تاشفين‭ ‬يواصل‭ ‬فتوحاته‭ ‬ببلاد‭ ‬المغرب،‭ ‬ويعمل‭ ‬على‭ ‬استتباب‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬بالدولة‭ ‬المرابطية،‭ ‬كان‭ ‬المسلمون‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬الأندلس‭ ‬يعيشون‭ ‬الويلات‭ ‬بسبب‭ ‬القمع‭ ‬والاضطهاد‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ملوك‭ ‬الإفرنجة‭ ‬الصليبيين‭. ‬وكان‭ ‬ملوك‭ ‬الطوائف‭ ‬الأندلسية‭ ‬يدفعون‭ ‬الجزية‭ ‬والهدايا‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬إلى‭ ‬ألفونسو‭ ‬السادس‭ ‬ملك‭ ‬قشتالة‭ ‬لنيل‭ ‬رضاه‭.‬

وعندما‭ ‬ضاقوا‭ ‬ذرعا‭ ‬من‭ ‬تصرفات‭ ‬ملك‭ ‬قشتالة،‭ ‬أعلنوا‭ ‬التمرد‭ ‬عليه‭ ‬وامتنعوا‭ ‬عن‭ ‬دفع‭ ‬الجزية،‭ ‬وأقدم‭ ‬أمير‭ ‬إشبيلية‭ ‬المعتمد‭ ‬بن‭ ‬عباد‭ ‬على‭ ‬قتل‭ ‬كل‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬كلفهم‭ ‬ألفونسو‭ ‬السادس‭ ‬بتحصيل‭ ‬الجزية‭ ‬والهدايا‭. ‬تَمَرُد‭ ‬المسلمين‭ ‬جعل‭ ‬ملوك‭ ‬الإفرنجة‭ (‬ملوك‭ ‬إسبانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬والبرتغال‭) ‬يتفقون‭ ‬على‭ ‬طرد‭ ‬كل‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬الأندلس،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬طُليطلة،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬المسلمون‭ ‬في‭ ‬الأندلس‭ ‬يحكمون‭ ‬22‭ ‬دويلة‭ ‬صغيرة،‭ ‬ولكل‭ ‬دويلة‭ ‬ملك،‭ ‬فيما‭ ‬سمي‭ ‬عهد‭ ‬‮«‬ملوك‭ ‬الطوائف‮»‬‭.‬

وبدأ‭ ‬الخناق‭ ‬يشتد‭ ‬على‭ ‬ملوك‭ ‬الطوائف‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬البذخ‭ ‬والترف،‭ ‬فقاموا‭ ‬بالاستنجاد‭ ‬بيوسف‭ ‬بن‭ ‬تاشفين‭ ‬أمير‭ ‬الدولة‭ ‬المرابطية،‭ ‬ليدافع‭ ‬عنهم‭ ‬ويقيهم‭ ‬شر‭ ‬ألفونسو‭ ‬السادس‭ ‬وحلفائه‭. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬مسألة‭ ‬الاستنجاد‭ ‬والاستغاثة‭ ‬بالأمير‭ ‬المرابطي‭ ‬محل‭ ‬إجماع‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ملوك‭ ‬الطوائف،‭ ‬لخشيتهم‭ ‬من‭ ‬تبعات‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة‭ ‬على‭ ‬ملكهم‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬الاستنجاد‭ ‬خلد‭ ‬أمير‭ ‬إشبيلية‭ ‬المعتمد‭ ‬بن‭ ‬عباد‭ ‬كلمته‭ ‬التاريخية‭: ‬‮«‬رعي‭ ‬الجِمال‭ ‬عند‭ ‬ابن‭ ‬تاشفين‭ ‬خير‭ ‬عندي‭ ‬من‭ ‬رعي‭ ‬الخنازير‭ ‬عند‭ ‬ألفونسو‮»‬‭. ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العيش‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬ابن‭ ‬تاشفين‭ ‬خير‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬العيش‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬ملك‭ ‬قشتالة‭ ‬ألفونسو‭ ‬السادس‭.‬

واستجاب‭ ‬ابن‭ ‬تاشفين‭ -‬الذي‭ ‬تجاوز‭ ‬عمره‭ ‬حينها‭ ‬70‭ ‬عاما‭- ‬لنداء‭ ‬الاستغاثة‭ ‬الذي‭ ‬وجهه‭ ‬ملوك‭ ‬الطوائف،‭ ‬وجهز‭ ‬جيشا‭ ‬ضخما‭ ‬دخل‭ ‬به‭ ‬مدينة‭ ‬الجزيرة‭ ‬الخضراء‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬المعتمد‭ ‬بن‭ ‬عباد،‭ ‬فحصنها‭ ‬وجعلها‭ ‬قاعدة‭ ‬خلفية‭ ‬لقواته‭ ‬العسكرية‭.‬

وبدأ‭ ‬في‭ ‬تبادل‭ ‬الرسائل‭ ‬مع‭ ‬ملك‭ ‬قشتالة،‭ ‬ودعاه‭ ‬إما‭ ‬للإسلام‭ ‬أو‭ ‬الاستسلام‭ ‬ودفع‭ ‬الجزية،‭ ‬لكن‭ ‬ألفونسو‭ ‬رفض‭ ‬ذلك،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬يوسف‭ ‬بن‭ ‬تاشفين‭ ‬إلى‭ ‬عبور‭ ‬البحر‭ ‬بجيوشه‭ ‬ودخول‭ ‬الأندلس‭. ‬وانضمت‭ ‬إليه‭ ‬جيوش‭ ‬بعض‭ ‬ملوك‭ ‬الطوائف‭ ‬استعدادا‭ ‬لمعركة‭ ‬‮«‬الزلاقة‮»‬‭ ‬الفاصلة‭ ‬التي‭ ‬جرت‭ ‬سنة‭ ‬479‭ ‬هـ‭ ‬الموافقة‭ ‬لسنة‭ ‬1086،‭ ‬وغيّرت‭ ‬تاريخ‭ ‬الأندلس‭ ‬ومددت‭ ‬حكم‭ ‬المسلمين‭ ‬هناك‭ ‬4‭ ‬قرون‭.‬

وبعد‭ ‬فتحه‭ ‬بلاد‭ ‬الأندلس‭ ‬وانتصاره‭ ‬على‭ ‬الصليبيين‭ ‬ومبايعة‭ ‬ملوكها‭ ‬وأمرائها‭ ‬له،‭ ‬أصبح‭ ‬الأمير‭ ‬يوسف‭ ‬بن‭ ‬تاشفين‭ ‬مؤسس‭ ‬الدولة‭ ‬المرابطية‭ ‬الكبرى‭ ‬الممتدة‭ ‬من‭ ‬السنغال‭ ‬جنوبا‭ ‬إلى‭ ‬الاندلس‭ ‬شمالا‭ ‬ومن‭ ‬مدينة‭ ‬بجاية‭ ‬الجزائرية‭ ‬شرقا‭ ‬حتى‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭ ‬غربا‭.‬

وتوفي‭ ‬أمير‭ ‬الدولة‭ ‬المرابطية‭ ‬يوسف‭ ‬بن‭ ‬تاشفين‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬محرم‭ ‬عام‭ ‬500‭ ‬هـ‭ ‬الموافق‭ ‬1106م،‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬قارب‭ ‬100‭ ‬عام،‭ ‬بعدما‭ ‬عانى‭ ‬من‭ ‬المرض‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬عمره،‭ ‬ودفن‭ ‬بمدينة‭ ‬مراكش‭ ‬المغربية‭ ‬حيث‭ ‬يوجد‭ ‬قبره‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا