يقول ويليام شكسبير: «القوة الحقيقية هي أن تعالج ألمك بنفسك»!
هذا ما فعلته تلك المرأة البطلة، التي انتصرت على ضعفها وأوجاعها، فصنعت لها شخصية قوية معطاءة إلى أبعد الحدود، وبالإصرار على الانتصار والتفاؤل استطاعت ان تحقق ما كان يبدو لها مستحيلا في مرحلة ما من مشوارها، وذلك برغم الانكسارات التي مرت بها، واستطاعت تحويلها إلى انتصارات لتثبت من خلالها تمتعها بقوة خارقة في الصمود، وبإرادة لا تقهر للوقوف بعد أي سقوط.
فيّ فاضل العصفور، أول بحرينية تؤسس فريقا رياضيا من الجنسين للجري والدراجة الهوائية والسباحة والتقوية ومدربة منتخب البحرين للبوتشيا لذوي الاحتياجات الخاصة في اللجنة البارالمبية، عضو لجنة العدائين في البحرين، احترفت العمل الرياضي التطوعي حتى ضاع حلمها بأن تصبح بطلة في الترايثلون، وقد علمتها الحياة أن القوة الحقيقية هي عندما يتوقع منك الجميع أن تنهار وبأنه ليس بإمكانك القيام مرة أخرى، ولكنك تفعلها وتنهض من جديد ولا تستسلم لأى تحديات، وبأن الانسان يدرك قوته الحقيقية والكامنة حين يواجه نقاط ضعفه ويعمل على علاجها.
حول هذه القصة الملهمة المليئة بالانكسارات والنجاحات كان الحوار التالي:
حدثينا عن طفولتك؟
لقد كنت طفلة تتسم بضعف الشخصية، وعدم القدرة على المواجهة أو الدفاع عن حقوقها، ومع ذلك كنت اجتماعية، أحب الناس، إلى أن حدثت نقلة مهمة قلبت حياتي رأسا على عقب وتبدلت معها شخصيتي تماما.
وما هي تلك النقلة؟
عند عمر 32 عاما أصبت بالسمنة المفرطة، وكان وزني حوالي 100 كيلوجرام، وبسبب معاناتي من ذلك قررت اتباع حمية غذائية وممارسة الرياضة، وخلال عام ونصف انخفض وزني حوالي 32 كيلوجراما، الأمر الذي منحني الكثير من الثقة في النفس وقوة الشخصية والمظهر الجميل، وفي يوم ما في شهر رمضان الكريم كنا نمشي مع مجموعة من المعارف، ورأيت بعض كبار السن يسيرون في الشارع، فتولدت لدي فكرة تشكيل فريق رياضي لممارسة المشي والجري بشكل تطوعي وأطلقت حسابا خاصا على الانستجرام بعنوان «محفزة رياضية» لكبار السن ولذوي الإعاقة، وكان الأول من نوعه.
وكيف كان رد الفعل؟
رد الفعل كان إيجابيا للغاية، ففي البداية كان الفريق يضم عشرة أشخاص، ثم وصل العدد إلى 25 شخصا خلال شهر واحد، وسميت الفريق «رن فور أول»، ومع الوقت انضم إلينا عدد من ذوي الإعاقة، وتم الاتصال بي من قبل مركز الحراك الدولي للقيام بمهمة مدربة رياضية لذوي الهمم وتم مشاركتهم في سباقات محلية وخليجية متعددة.
أول فوز لك؟
أول فوز حققته كان في سباق خيري لذوي الهمم، وحصلت على المركز الثاني كامرأة، وفزت في سباق الترايثلون وحصلت على المركز الثالث في البحرين، وفي نفس السباق في السعودية حصلت على المركز الثاني، وكذلك حصلت على المركز الثاني في سباق نظمته وزارة الداخلية للدراجات الهوائي، ثم قمت بتشكيل مجموعة جديدة للمشي بعد أن كانت جهودنا كلها في مجال الجري، وأصبح زوجي مسؤولا عنها، وشاركني هذا العمل التطوعي بكل حماس.
ماذا عن مجموعة السايكل؟
لقد جاء تشكيل مجموعة الدراجة الهوائية (السايكل) بعد تعرضي لصدمة شديدة من قبل أحد المقربين لي من داخل الفريق، حيث تخلى عن مشاركته المسؤولية معي، وانسحب وشكل فريقا خاصا به غير تطوعي، وفي البداية شعرت بالخذلان، وكان لذلك أثر كبير في تولد الرغبة في المواصلة بكل قوة وعدم الاستسلام، وبالفعل كونت مجموعة السايكل إلى جانب المشي والجري، وضمت أول طالعة حوالي خمسين شخصا من الجنسين.
من أي عمر؟
أكثرهم من كبار السن من 60 عاما فما فوق، واكتشفت أنهم يتحلون بروح جميلة وشبابية ومرحة، واليوم أملك ثلاثة فرق تضم حوالي 80 شخصا، وكل فريق يرأسه شخص، ونقدم خدماتنا لهم بالمجان، اللهم إلا دفع دينار واحد عن كل شخص شهريا لتغطية تكاليف الرحلات والأنشطة الرياضية والترفيهية التي نقدمها لهم.
ماذا عن عضويتك باللجنة البارالمبية؟
لقد عملت باللجنة البارالمبية كمتطوعة، ثم تم توظيفي بها منذ عدة شهور، وقد سافرت إلى أمريكا ومكثت بها حوالي شهر، وشاركت في دورة بعنوان السائح الرياضي، وهناك لامست الفرق بيننا وبينهم وتعلمت الكثير من ثقافتهم الرياضية وقمت بزيارة أربع ولايات.
هل تعرضت لأي انتقادات؟
نعم، تعرضت لمضايقات وانتقادات عديدة عبر مشواري، ولعل أقساها عبارة «امرأة تجري وسط الرجال»، ولكني واجهت ذلك بالتجاهل، والرغبة في عدم التوقف عند أي آراء محبطة لأنني مؤمنة بما أعمل وفخورة بدوري الاجتماعي، لذلك لا أسمح لأي شيء مهما كان أن يوقفني عن أداء رسالتي.
أشد محنة؟
كان حادث وفاة أحد هواة ركوب الدراجة الهوائية وهو في الأربعينيات صدمة شديدة بالنسبة لي، وخاصة أنه كان شخصا قويا وطموحا وخلوقا ومبهجا إلى أقصى درجة، والعجيب أنني كان من المفترض أن أكون معه وقت تعرضه للحادث في شارع الزلاق، إلا أنني اعتذرت يومها ثم فوجئت بخبر وفاته في حادث سير، وكانت مفاجأة حزينة للغاية بالنسبة ولأعضاء الفريق جميعا، لأن يجمعنا فيما بيننا نوع من الترابط والألفة والاحترام والمحبة، حتي أنني أشعر بالمسؤولية تجاههم جميعا، وأحرص دوما على أن أتمتع بالقوة أمامهم لأنني على قناعة بأنه بقدر ما يصيبك من محن وإحباطات امنح السعادة لغيرك.
ما أهم القيم التي حرصت على غرسها في بناتك؟
لعل أهم القيم التي حرصت دوما على غرسها في نفوس بناتي هي العطاء بدون مقابل، والتطوع لعمل الخير ومساعدة الآخرين، وبالفعل شرعت ابنتي الصغيرة في دخول حقل العمل التطوعي عند عمر تسع سنوات، كما ان الابنتين الأخريين اشتركا في لجنة العدائين عند عمر 16 عاما.
ماذا يحتاج ذوو الإعاقة؟
يحتاج ذوو الهمم الحب والحنان وليس التدليل أو الشفقة، وهذا ما اكتشفته خلال تعاملي معهم، فهم أشخاص أقوياء بل يتفوقون علينا في ذلك، وهم قادرون على العطاء والإنجاز إذا أتيحت لهم الفرصة، ففي أمريكا على سبيل المثال حصدنا عدة جوائز في مسابقات لذوي الإعاقة، وحصلنا على ميداليات متعددة، وكل ما أتمناه هو توفير الإمكانيات والخدمات الخاصة بهذه الفئة والبيئة المحفزة لهم، وهو ما وجدته هناك، حيث توجد العديد من المراكز والنوادي المخصصة لهم والتي تساعدهم على تفريغ الطاقات الهائلة بداخلهم، وهذا هو الفرق بين مجتمع مثل أمريكا ومجتمعنا فيما يتعلق بهؤلاء.
حلم ضائع؟
لا شك أنه وسط زحمة الحياة ومشاغلها ومشاكلها توجد أحلام ضائعة لي أهمها حلمي أن أصبح بطلة رياضية في الترايثلون، وهو المجال الذي وجدت فيه شغفي، ونظرا إلى ضيق الوقت وتشعب المسؤوليات في أكثر من مجال لم أتمكن من تحقيق ذلك، بل فضلت أن يذهب وقتي وجهدي إلى غيري لتحقيق السعادة لهم ولتدريبهم على أن يصبحوا أشخاصا منجزين، وكم أنا سعيدة وفخورة برؤية تلاميذي وقد تفوقوا على أستاذتهم وشعوري بأن تعبي لم يضيع هدرا.
طموحك القادم؟
أتمنى أن يأتي اليوم الذي أمتلك فيه مركزا رياضيا شاملا للألعاب يضم كل الأدوات والمستلزمات والأجهزة سواء للأسوياء أو لذوي الهمم، علما بأنني افتتحت مؤخرا فرعا لفريقي في السعودية تحت إدارتي، ويضم حاليا عشرة رجال ونساء، وكلي أمل في التوسع من خلاله مستقبلا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك