يقول العالم والفيلسوف الألماني الشهير جورج كانتور: «يحدث الابتكار العظيم فقط عندما لا يخشى الناس فعل الأشياء بشكل مختلف»!
إنها مهارة الصنع التي تتحقق عندما تجتمع الموهبة مع التقنية، وهذا ما حدث بالفعل مع هذه الفنانة الموهوبة بالفطرة والتي استطاعت أن تسطر قصةَ نجاح ذهبية أوصلتها إلى العالمية، لتترك بصمة خاصة بها في عالم ساحر وهو ما يطلق عليه اليوم الفن الرقمي، والذي يعد أحد الفنون التي أنتجتها تقنية العصر الحديثة.
لينا سعيد الأيوبي، فنانة تشكيلية، خبيرة في تقنية «إن إف تي»، وهي تكنولوجيا حديثة تمثل محور اهتمام العالم اليوم، فكانت أول بحرينية تقيم معرضا خاصا بها في الشرق الأوسط بالمملكة بالشراكة مع الشيخ راشد آل خليفة وتشارك في معرض «إف إن تي» في نيويورك بعملين يعكسان التراث البحريني في العصر الدلموني، وهي تدير اليوم أكبر مشروع لهذه التقنية في الوطن العربي التابع لشركة أم بي سي.
لم يأت نيلها لجائزة معرض أثر الرقمي من فراغ، بل هو حصاد لمشوار سنوات طويلة من التميز والتألق استطاعت خلاله صناعة هذا المجد، والذي نتوقف عند أهم محطاته في الحوار التالي:
بدايتك الفنية؟
{ علاقتي بالفن بدأت مبكرة للغاية، منذ أن كنت طفلة صغيرة في مرحلة الروضة، حتى إنني كنت أرسم على جدران البيت وأخفي ذلك عن والدتي، وفي المرحلة الثانوية التحقت بالقسم التجاري ودرست تخصص محاسبة وإدارة أعمال في الجامعة، وعملت 12 عاما في مجال الاستشارات المالية، وخلال عملي بدأت أستعد للمشاركة في أول معرض فني لوزارة الثقافة في سوق المنامة بلوحة عن التراث البحريني، وكنت من قبلها قد غرمت باللوحات المستوحاة من الفن الياباني، والذي تعلقت به من خلال مشاهدة أفلام الكارتون في التليفزيون، وللأسف تم إلغاء المعرض بعد أن جهزت أعمالي لهذا الحدث المهم، ولكنها كانت فرصة لي لإبراز موهبتي، وبالفعل تم بيع ست لوحات لي كنت قد رسمتها لهذا المعرض تنوعت ما بين الفن الياباني والفلكلور الخليجي، ومن هنا جاءت انطلاقتي الفنية بشكل عام، وتوالت محطات التألق بعد ذلك.
أهم تلك المحطات؟
{ لعل أهم تلك المحطات كانت حين أقمت معرضا شخصيا لي في دبي خلال أسبوع دبي الفني، وقدمت فيه مجموعة لوحات عن المرأة في عصر اللؤلؤ، وحققت خلاله شهرة واسعة إعلاميا، وقيل إن ما يميزني هو عدم انتمائي إلى مدرسة فنية معينة، فأنا أعشق المزج بين الثقافات المختلفة والنهل منها جميعا، وأجد أن الرسم بالطريقة اليابانية معبرا أكثر، وخاصة العين التي يمكن عبرها رصد وترجمة المشاعر بشكل بارع، وهو ما يرتكز عليه الفن الياباني بشكل عام إلى جانب الشعر، واليوم فخورة بعرض أعمالي في جاليري خاص بمجمع العالي، وفي مطار البحرين.
هل لك أن تعطينا خلفية عن تكنولوجيا «إن إف تي»؟
{ «إن إف تي» هي أصول رقمية غير قابلة للاستبدال، وبمعنى أبسط هي بمثابة عقود تستخدم تكنولوجيا جديدة تجعلها غير معرضة للتزوير، وقد أدخلت تكنولوجيا «إن إف تي» للتوثيق الرقمي تغييرات عميقة في سوق الفنون والثقافة، وهي ترمز إلى عدم القدرة على استبدال أي قطعة بأخرى موازية لها، على سبيل المثال استبدال ورقة نقدية قيمتها خمسة دولارات بأخرى من الفئة نفسها، وهي مقتنيات رقمية يمكن تعقب مصدرها وبصورة ملموسة، حيث تحدد بنود العقد عبر شفرة معلوماتية لسلعة افتراضية أو حقيقية، على غرار العملات المشفرة مثل بيتكوين، وكم أنا سعيدة وفخورة لتنظيمي لأول معرض «إن إف تي» في الشرق الأوسط وكان في وطني الغالي البحرين إلى جانب إنجازات أخرى مهمة قمت بها.
أهم تلك الإنجازات؟
{ من أهم إنجازاتي الأخرى التي أعتز بها كثيرا مشاركتي في معرض أثر الفني الرقمي وكان ذلك من خلال أربعة أعمال فنية مختلفة، منهم عمل من تقنية «إن إف تي» إلى جانب لوحتين مصورتين، والرابع هو العمل الفائز وكان عبارة عن لوحة رقمية تمثل النصب التذكاري، وكانت مزيجا بين الفن الرقمي والتقليدي باستخدام الذكاء الاصطناعي واحتوت على شغل يدوي، كما أنني أعمل حاليا مع شركة إم بي سي من خلال مشروع «إن إف تي» الذي يعد الأكبر من نوعه في الوطن العربي، حيث أقوم بإدارته وأعتبر نفسي سفيرة له.
وماذا أيضا؟
{ من أهم الإنجازات أيضا عملي مع شركة ستاربكس الشهيرة، وتصميم كوب لها يعكس الثقافة البحرينية الأصيلة، هذا فضلا عن اختياري كأول فنانة بحرينية ضمن مجموعة من قبل أكبر شركة صانعة لمحركات الطائرات لطبع رسوماتي على رزنامة خاصة بها، كذلك عملت مع شركة «مون بلون» العالمية من خلال رسم حي على بضاعة جديدة لها بالسوق في إطار أحد الأساليب التسويقية الجذابة وقد لاقى إعجابا شديدا.
أصعب مرحلة مرت بك؟
{ لعل أصعب فترة مررت بها كانت خلال الأزمة المالية العالمية 2008، حيث شعرت خلالها بأنني كسيدة أعمال ناجحة على وشك أن أخسر تعب وجهد سنوات طوال ، حيث تعرضت لضغوطات شديدة أثناء تلك المرحلة، الأمر الذي جعلني أقرر إطلاق مشروع الجاليري الفني الخاص بي، والذي استثمرت فيه خبرتي الطويلة في الاستشارات المالية وكذلك الفنية، بعد القيام بدراسة جدوى شاملة، ولله الحمد يعد من المشاريع المميزة والمهمة على الساحة حتي أنه الأول من نوعه بالبحرين ويضم حوالي 700 منتج فني، كما أنه يحتضن أعمال خمسة من الفنانين إلى جانب أعمالي المتنوعة، وهو مدعاة للفخر والسعادة بالنسبة لي وقد جاء تتويجا لمشواري.
من وراء نجاحك؟
{ أنا ممتنة بشدة لزوجي ولدوره الكبير فيما حققته حتي اليوم فقد كان دائما أكبر داعم لي في كل خطواتي وقراراتي، خاصة فيما يتعلق بمشاركتي مسؤولية تربية أطفالي الثلاثة والعناية بهم، في الفترات العملية الصعبة.
أهم قيمة غرستيها في أبنائك؟
{ لقد حاولت جاهدة غرس قيمة الجمال وتقديره واكتشافه فيما حولنا في نفوس أبنائي، خاصة وسط حالة الفوضى التي نعيشها اليوم في عالم السوشيال ميديا، ولله الحمد نجحت في ذلك إلى حد كبير، فما أحوج هذا الجيل إلى تذوق اللمسات الجميلة وسط الزيف الذي يحاط به من كل صوب.
ماذا عن المنافسة؟
{ المنافسة موجودة ولا مفر منها، وهي أحيانا تسعدني لأنها إن دلت على شيء فإنها تدل على مدى الإعجاب بأعمالي حتي أنه يتم تقليدها، وفي أوقات أخرى قد تزعجني خاصة إذا حدث ذلك من قبل شركات كبيرة ومعروفة وبشكل صارخ وفج، فعلى سبيل المثال حدث ذات مرة أن شركة عالمية شهيرة قامت بوضع لوحة مطبوعة لي على شنط تروج لبيعها على موقعها الإلكتروني، وقمت بالتواصل معهم وبعد احتجاجي على ذلك أقدمت على رفع المنتج من على حسابها .
حكمة تسيرين عليها؟
{ من المبادئ المهمة التي أضعها أمام عيني دائما هو عدم الالتفات إلى أى آراء محبطة، فأنا ملتزمة بالعادات والتقاليد العربية الأصيلة في أعمالي، مع الحرص على إضفاء لمسة مبتكرة وعصرية تواكب المستجدات من حولنا، ولا أتوقف عند أي انتقادات سلبية مغرضة، وهذا ما تعرضت له في البداية من قبل البعض، وكان هذا هو الطريق الأمثل الذي حقق لي شهرة واسعة والوصول إلى العالمية، وهذا هو النهج الذي حاولت السير عليه حتي استطعت بالفعل تحقيق الكثير من أهدافي وطموحاتي.
حلمك القادم؟
{ أنا أرى نفسي دائما إنسانة إيجابية ومحظوظة إلى أبعد الحدود، ولقد تمكنت من تحقيق حلم طفولتي بأن أصبح فنانة في المستقبل، وسعيت بكل جهد إلى تحقيقه ووصلت إلى العالمية، وكنت أول بحرينية تشارك في معرض «إف إن تي» في نيويورك بعملين يعكسان التراث البحريني في العصر الدلموني، وأتمنى من خلال عملي مع مشروع قناة إم بي سي أن نشجع الفنانين الشباب على الدخول في هذا العالم وتطوير مهاراتهم، وأن أصبح شريكة في صناعة جيل بارع في ذلك المجال وأترك بصمة خاصة في هذا الصدد وهو طموح ليس ببعيد المنال.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك