أول بحرينية تحصل على شهادة استشاري في الإدارة الصحية من هيئة التخصصات الطبية السعودية، وتتقلد منصب مدير إداري لمستشفى الطب النفسي، وتعين مدير إدارة المستشفيات الحكومية وتدير أول قسم لعلاج الأورام والسرطان في مجمع السلمانية الطبي البروفسور.. النائب البرلماني السابق دكتورة جميلة منصور السماك لـ«أخبار الخليج»:
هناك مقولة جميلة عن مهنة الطب لعبدالله محمد الداوود مفادها: «الطبيب هو رجل يحارب مصدر رزقه»!
نعم، وكما يقال حيث لا تذهب الشمس يذهب الطبيب، فمهنة الطب من أرقى المهن الإنسانية، من خلالها يشاهد الطبيب كل الضعف البشري، ويكتشف منبع الألم، وأمتع لحظات حياته حين ينجح في تخفيفه، وعلاج من يعاني منه، بعيدا عن تحقيق أي منفعة شخصية.
هي عشقت هذه المهنة منذ طفولتها، وحاربت، بل صارعت كثيرا كي تحقق حلمها، رغم ما اعترض طريقها من عثرات، فقد آمنت بقيمة ما يمكن أن تقدمه من خلال هذا العمل الإنساني، وبالفعل بلغت هدفها، وكانت أول بحرينية تحصل على شهادة استشاري في الإدارة الصحية من هيئة التخصصات الطبية السعودية، وتعين مدير إداري لمستشفى الطب النفسي، وتتقلد منصب مدير إدارة المستشفيات الحكومية.د . جميلة منصور السماك، امرأة من الزمن الجميل، عاصرت عهد الأسرة الممتدة، ونشأت وترعرعت في البيت العود، وحافظت على عادات وتقاليد مجتمعها الأصيلة عبر مشوارها الطويل، اسم سطع في سماء تاريخ المرأة البحرينية الحافل بالإنجاز والإبداع، اتخذت لنفسها رسالة مهنية سامية في الحياة، وعزمت على أدائها بكل قوة وإرادة، ومع ذلك وضعت أبناءها في أول سلم الأولويات، ولم تسمح مطلقا أن تحقق طموحها أو نجاحها على حساب رعايتها لهم.
التفوق كان حليفها، والتميز كان هدفها، لذلك جاءت رحلتها حافلة بالمحطات والإنجازات المهمة والتي توقفنا عندها في الحوار التالي:
حدثينا عن نشأتك؟
- لا شك أنني عشت طفولة سعيدة وسوية، حيث نشأت في المنامة، وترعرعت في البيت العود، بمعنى أنني عاصرت الزمن الجميل، ومنذ المرحلة الابتدائية قررت أن أصبح طبيبة في المستقبل، وكنت نهمة بشدة للقراءة، حتى أنني كنت أستنفد كل نقودي في شراء الكتب، في مختلف أنواع المعارف، حيث كنت أقضي كل وقت فراغي في الاطلاع والتثقيف، من خلال مكتبتي الضخمة التي تضم كل أنواع الكتب، ولكن شاء القدر لي ألا أتمكن من تحقيق حلم الطب في الموعد الطبيعي.
وكيف تحقق حلم الطب؟
- حين عرضت على والدي رغبتي في دراسة الطب رفض للأسف الشديد، لأنه يراه تخصصا صعبا يحتاج إلى دراسة طويلة وجهد كبير، وقد قبل بأن أدرس التمريض بديلا عن الطب حين تدخلت زوجة عمي لإقناعه على اعتبار أنها من أوائل البحرينيات في هذا القطاع، وبالفعل أقنعته ووافق على دراستي للتمريض، لأنه في رأيه أسهل ويتطلب سنوات أقل للتخرج، والتحقت بكلية العلوم الصحية، وحصلت على بكالوريوس تمريض بدرجة امتياز، وتم تكريمي من لدن الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة رحمه الله في حفل عيد العلم.
وبعد التخرج؟
- بعد التخرج وحصولي على البكالوريوس في التمريض عملت لدى مستشفى السلمانية الطبي في ذلك الوقت، وتم تعييني مدير قسم علاج الأورام والسرطان وهو أول قسم من نوعه حينئذ، وتم اختياري لهذا المنصب نظرا إلى تميزي بالمعاملة الإنسانية للمرضى، وهو ما يتطلبه مرضى السرطان بصورة أساسية، كما سافرت إلى الكويت وحصلت على دورة في العلاج الكيميائي، وكنت أول امرأة تحتل هذا المنصب بعد حصولي على الماجستير في تخصص معالجة السرطان من أيرلندا، وأصبحت مدير لقسم علاج أمراض الدم والأورام الذي أسسته من الصفر، عقب ذلك قررت السفر للحصول على رسالة الدكتوراه على نفقتي الخاصة من بريطانيا في إدارة الرعاية الصحية.
ماذا بعد الحصول على رسالة الدكتوراه؟
- بعد حصولي على رسالة الدكتوراه وعودتي إلى البحرين، تم تعييني مدير إدارة مستشفى الطب النفسي، ثم تقلدت منصب مدير إدارة المستشفيات الحكومية، بعدها انتقلت إلى المملكة العربية السعودية للمشاركة في تأسيس كلية تمريض وعلوم صحية، وعملت هناك سنوات، وتوليت منصب نائب العميد بالكلية، وحصلت على درجة بروفسور في الإدارة الصحية، وعلى شهادة استشاري في الإدارة الصحية من هيئة التخصصات الطبية في السعودية كأول بحرينية تحقق هذا الإنجاز.
حدثينا عن تجربتك البرلمانية السابقة؟
- يمكن القول إن تجربتي البرلمانية كانت من أجمل وأمتع التجارب التي مررت بها عبر مشواري، وقد تفرغت أربع سنوات لها، وقدمت خلالها 22 اقتراحا بقانون، ولعل أهم قانون عملت عليه كان قانون التأمين ضد التعطل، وقد سعيت إلى رفع حجم المكافأة لخريجي الثانوية والجامعة، وتم تعييني عضوا مفوضا في المؤسسة الوطنية البحرينية لحقوق الإنسان، وعضوا استشاريا في الهيئة الاستشارية لدول مجلس التعاون.
أصعب تحدٍ؟
- أهم تحد بالنسبة إلي هو كيفية إحداث التوازن بين العمل والدراسة والأسرة، خاصة أنني صاحبة تجربة زواج مبكر، ولعل أجمل ما في هذه التجربة هو الصداقة التي نشأت بيني وبين أبنائي بسبب التقارب العمري بيننا إلى حد ما، ويمكن القول إن أصعب فترة مررت بها كانت حين عملت في مجال الأمراض السرطانية، وقد كنت من مؤسسي جمعية مكافحة السرطان بالشراكة مع د. عبد الرحمن فخرو، وهو من التخصصات المهمة جدا مع انتشار هذا المرض بصورة لافتة اليوم، وذلك بسبب شدة الضغوط النفسية، وعدم القدرة على التأقلم عليها في هذا العصر.
كيف تمكنتِ من تحقيق التوازن بين مسؤولياتك؟
- تحقيق التوازن بين مهام ومسؤوليات المرأة المتشعبة أمر مهم بالنسبة إليها، وقد اعتدت دائما أن أضع أبنائي في قمة أولوياتي، لأنني أعتبرهم سبب طموحي سواء العملي أو العلمي، وأحرص على أن أكون نموذجا وقدوة لهم، لأنني لا أجد أي فائدة تحققها المرأة من وراء نجاحها مهنيا إذا كانت مقصرة في حق أسرتها، وهذه هي رسالتي إلى أي سيدة عاملة، أن تضع أسرتها رقم واحد في حياتها، مهما وصلت إلى أي مرحلة علمية أو وظيفية مرموقة، فالأسرة السعيدة هي التي تعطي وتنتج للمجتمع، لذلك يبقى إحداث التوازن بين الأسرة والعمل هو التحدي الأكبر والأهم بالنسبة إلى النساء جميعا.
أكبر قيمة حرصتِ على غرسها في أبنائك؟
- أهم قيمة حاولت تنشئة أبنائي الستة عليها هي توطيد العلاقة مع الله سبحانه وتعالى، ثم العلم والتعلم قبل أي شيء آخر، وكم أنا فخورة بشدة بأبنائي، وما حققوه من إنجازات عبر مشوارهم، وخاصة أن ثلاثة منهم أطباء مثلي، وهناك أحاول دائما مشاركتهم همومهم والعكس صحيح، وهذا نابع من علاقة الصداقة بيننا.
كيف ترين الجيل الجديد؟
- بشكل عام يمكن القول إن الجيل الجديد مكافح ومحارب ومسؤول، ويتمتع بكثير من الاستقلالية، وهو يقع تحت مخاطر التكنولوجيا الحديثة بشكل كبير، ولكن يمكن التغلب على ذلك ومواجهته إذا تمت تنشئته بالطريقة الصحيحة، فطالما كانت التربية سليمة لا توجد هنا دواعي للقلق على الأبناء، فهذا يكفي لحمايتهم وممارستهم للحرية التي تمنح لهم من قبل الأهالي بأمان، علما بأننا نعيش في زمن لم تعد فيه مسؤولية التربية للأب وللأم فقط، بل هناك عوامل أخرى عديدة تتدخل اليوم في ذلك.
ما هو مفهومك للفشل؟
- أنا شخصيا لا أعترف بمصطلح الفشل، لأنني أجد معناه الحقيقي هو كلمة تحد، ولا شك أننا جميعا نمر بتحديات عديدة عبر مشوارنا، ويمكن القول إنه من أهم التحديات التي واجهتني كان عدم نجاحي في انتخابات عام 2006 حين ترشحت بها، إلا أنني قررت إعادة التجربة مرة أخري في عام 2014، وهنا تحول الفشل إذا جاز التعبير إلى إنجاز وعطاء، وذلك بفضل الثقة في النفس والإرادة والمثابرة.
هل فكرتِ في إعادة التجربة بعد النجاح؟
- بعد نجاحي في التجربة البرلمانية وفي أدائي بشكل عام، لم أفكر في العودة مرة أخرى، رغم أنها كانت من أجمل وأمتع تجاربي على الإطلاق، وأتمنى أن تبذل جهود أكبر على كل المستويات من أجل نشر الوعي بالعملية الانتخابية، وتثقيف المجتمع بها سواء بالنسبة إلى المرشحين أو الناخبين، كي تتحقق الأهداف المرجوة منها، وهو ما يصب في نهاية الأمر في خانة النهوض بالمجتمع.
حلمك الحالي؟
- أتمنى امتلاك وإدارة مركز صحي شامل ومتكامل أعمل من خلاله مع أبنائي الأطباء الثلاثة لخدمة الوطن.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك