يقول محمد بن راشد آل مكتوم: «لابد من تحقيق السعادة لموظفيك.. حتى يستطيعوا تحقيق السعادة للمجتمع»!
نعم، الموظف السعيد هو الذي يبدع، يفخر بعمله، يشعر بالانتماء إلى المؤسسة، ولا يمكن أن يتحقق هذا من دون الإيمان بأهمية تطبيق مبدأ رفاهية الموظفين، انطلاقا من قناعة إنسانية ومؤسسية، ذلك المبدأ الغائب حتى وقت قريب في مجتمعاتنا للأسف الشديد، والذى يمثل دافعا للعاملين نحو مزيد من الإنتاجية والإبداع، لشعورهم بأهمية دورهم، وبأنه ليس مجرد نشاط روتيني ممل، بل جزء من رسالة أو مهمة يؤديها فريق العمل.
تلك هي قناعة بشرى حسن الهندي، أول بحرينية وعربية تتخصص في رفاهية الموظفين، التي تقوم في اعتقادها الشخصي على جعل الموظفين سعداء، نشيطين، يتمتعون بصحة جسدية ونفسية، ومن ثم تحقيق رفاهية جميع أطراف العملية الإنتاجية، وبالتالي رفاهية المجتمع.
لذلك أطلقت مشروعها الأول من نوعه وهو عبارة عن منصة إلكترونية لنشر مفهوم وثقافة رفاهية الموظفين في المجتمع، بعد اكتشافها وجود خلل ما في العلاقة بين الموظفين والمسؤولين، الأمر الذي يخلق حالة من الملل والضجر والنفور لدى كثيرين تجاه عملهم، ومن ثم تتراجع إنتاجيتهم.
حول هذه التجربة كان الحوار التالي:
لماذا رفاهية الموظفين؟
- هذا التخصص لا يوجد في دولنا العربية حتي وقت قريب، ولكن يمكن القول بأن الوعي به قد بدأ يوجد في الآونة الأخيرة إلى حد ما، وهو يعد أحد بنود الموارد البشرية، ويركز على خلق بيئة عمل يندمج فيها العامل وظيفيا من ناحية الأداء، كما أنه يعنى بالاهتمام بالجانب الصحي النفسي والاجتماعي والمهني، وكلها أمور أزعم أنني كنت أهتم بها دائما منذ طفولتي، فقد كنت طفلة اجتماعية نشطة تعشق المشاركة في كل البرامج والمجالات المختلفة، ومهتمة بشدة ببناء العلاقات مع الآخرين، وكان لنشأتي في دولة الإمارات العربية أثر كبير في مسألة الانفتاح على الآخر، والتعايش معه مهما اختلف معي، وعلى تكوين صداقات عديدة مع مختلف الثقافات والجنسيات، ومن هنا جاء اهتمامي بتخصص رفاهية الموظفين الذي يهتم بشكل عام بكل تلك الأمور.
لماذا لُقبت بالطالبة النجيبة؟
- منذ الصف الخامس الابتدائي بدأت في ممارسة أنشطة تطوعية داخل المدرسة، وكنت أشارك في كثير من المسابقات في مجالات متعددة منها حفظ القرآن، والأنشطة الرياضية كلعبة الجمباز، وكذلك في فريق الكشافة، والإذاعة الصباحية، وقد حصدت جائزة التميز العلمية على مستوى مدارس البحرين في مادتي الكيمياء والأحياء، وقيل عني بأنني الطالبة النجيبة نظرا إلى كل هذه المشاركات والإنجازات، فضلا عن حصولي على شهادة التوست ماستر من المعهد الأمريكي بالبحرين، وقد نلت المركز الثاني على مستوى البحرين في هذا المجال.
وما هو تخصصك العلمي؟
- بعد تخرجي في كلية العلوم الصحية، توظفت حوالي خمس سنوات في هذا المجال، ولكنني للأسف الشديد لم أجد نفسي فيه، وفي تلك الفترة كنت قد انخرطت في العمل لدى جمعيات نسائية وشبابية متعددة، الأمر الذي صقل شخصيتي وطور من مهاراتي، وحين انتقلت إلى وظيفتي الحالية تحقق شغفي وطموحي، وخاصة أنها ترتبط بشكل أو بآخر بعملية التواصل مع الآخرين، وبالفعل انطلقت في هذا المجال، وأدركت من خلال مسؤوليتي عن مجموعة من الموظفين وجود نوع من الخلل في العلاقة بين الموظفين والمسؤولين بشكل عام، وفي العلاقة بين الموظفين بعضهم ببعض، وأن هذا هو سبب نفور البعض من العمل، وتراجع الإنتاجية لديهم، هنا برزت فكرة رفاهية الموظفين.
كيف انطلق مشروعك الإلكتروني؟
- لقد اكتشفت ما أتمتع به من مهارات في التوست ماستر، وفي تدريب المدربين، وحصلت على شهادات متعددة في مجالات التحفيز وتطوير الأداء، وفكرت في إدارة موظفي بأسلوب علمي، يؤدي إلى الإبداع، والمتعة في العمل، وهذا ما أعيشه فعليا على المستوى الشخصي، وبدأت رسالتي بإطلاق منصتي الإلكترونية لرفاهية الموظفين، بهدف خلق وعي بمفهوم رفاهية الموظفين، وبأهميته، وهو موجود فعليا في مجتمعات كثيرة متقدمة، حيث هناك أقسام متخصصة في هذا المجال، وقد كان وراء إطلاق منصتي موقف بعينه كنت قد تعرضت له في عملي.
وما هو ذلك الموقف؟
- أثناء عملي ومن دون سابق إنذار وجدت نفسي طرفا في مشكلة مع عدة أشخاص أكن لهم كل التقدير والمحبة، حيث تطور الأمر إلى تواصل غير فعال بين كل الأطراف، وبروز أفكار مغلوطة، وسلوكيات عنيفة، وشكاوى، وتظلمات،، وأصبحت في موقف الدفاع عن النفس من دون أي مبرر لذلك، وقد اكتشفت خلال هذه المشكلة أن هناك خللا ما في عملية التواصل بين الموظفين بعضهم ببعض، وبينهم وبين الإدارة، وأن هناك غيابا لمبدأ الشفافية وفراغا كبيرا فيما يتعلق بمعرفة الموظف لحقوقه وواجباته، الأمر الذي يؤثر فيه نفسيا ومهنيا، وهذا ما دفعني إلى إطلاق منصتي لمحاولة علاج كل تلك الثغرات.
وكيف تتحقق سعادة الموظف؟
- سعادة الموظف هي التي تقوده نحو الإنتاجية، والابتكار، وذلك من خلال التطوير لمهاراته، والتحفيز له، وتوفير بيئة عمل مناسبة، وتحقيق تواصل مباشر وفعال معه، وتعزيز القيم المؤسسية، وتوفير الصحة النفسية والجسدية له، مع تأكيد ضرورة أن يدرك حقوقه وواجباته ومهامه ومهاراته، بما يحقق الولاء لجهة عمله، وهذا يتحقق عن طريق طرف محايد يعامل الموظف والمسؤول على حد سواء.
ما أهم مشاكل الموظف اليوم؟
- اليوم هناك مسؤولون أوصياء، أكثر منهم محفزون، يتواصلون مع موظفيهم فقط عبر الإيميل، ولا شك أن التواصل المباشر والإنساني ضروري جدا، وهذا ما يركز عليه مشروعي الأول من نوعه بالبحرين، والذي يهدف إلى تغيير ثقافة المجتمع ويهتم ببناء العلاقة بين الموظف والمسؤول، بما يدعم مشاعر الإنتاج والإبداع، كما أن هناك مشكلة أخرى نعاني منها بنسبة ما وهي النفاق الإداري الذي يجب العمل على محاربته والتصدي له ولنا في صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء قدوة في ذلك.
كيف؟
- ليتنا نقتدي في ذلك بسياسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة في كيفية التعامل مع موظفيه ومسؤوليه، وحرصه على التحدث إليهم ووضعهم دائما في الصورة، أن يكون هذا هو سلوك أعلى سلطة فهذا أمر يشكر عليه ويحسب لصالح سموه، وليكن لنا جميعا قدوة نسير عليها، وذلك بهدف ربط الموظف برؤية البحرين، فلابد لكل مسؤول أن يخاطب موظفيه ويتواصل معهم، حتي مع أصحاب أبسط المهام، لإشعارهم بقيمتهم، وبأهمية دورهم في المجتمع، وهذا ما أحاول لفت الانتباه إليه عند بناء مؤسسات في القطاعين العام والخاص، وكيفية وضع برامج خاصة في رفاهية الموظفين، وتحديد احتياجاتهم، ومتطلباتهم، والمهارات المطلوب تطويرها لديهم وهو ما بدأنا فعليا الوعي به.
أصعب تحد؟
- أكبر تحد واجهته عبر مشواري هو إمكانية تحقيق الموازنة بين وظيفتي وأسرتي ومشروعي الإلكتروني، وأذكر أنني حين أطلقت منصتي تحدثت إلى المقربين لي، وشرحت لهم ظروفي ومسؤولياتي العديدة، ومن ثم عدم قدرتي الإيفاء بالتزاماتي الاجتماعية نحوهم، كما أن ظروف جائحة كورونا قد ساعدتني كثيرا على القيام بمهامي المتعددة إلى حد كبير حيث وفرت لي الوقت لذلك، ودفعتني بقوة نحو تحقيق هدفي نظرا إلى أن الموظف خلال تلك الأزمة يكون في أشد الحاجة إلى الدعم النفسي وتوفير الراحة المحفزة له على الإنتاج والإبداع.
أشد محنة؟
- أصعب محنة مررت بها كانت مرض والدتي، ودخولها في حالة غيبوبة، حيث مثلت لي مرحلة صعبة جدا، نظرا إلى أنني كنت الملازمة لها طوال الوقت خلال هذه الأزمة المرضية، وقد تعلمت أثناء وجودها في العناية القصوى ومشاهدتي ومعايشتي لكثير من الحالات بأنه ليس هناك أهم من التعامل بإنسانية مع الآخرين، وإلغاء أي تمييز أو فوارق فيما بيننا، فقط التزام الرحمة والمودة، خاصة في زمن فقدنا فيه الجزء الحقيقي من الإنسانية بعد أن خلقت وسائل التواصل إنسانية غير واقعية.
متى تفشل المرأة؟
- يفشل المرء بشكل عام سواء كان رجلا أو امرأة حين يفقد الإيمان بنفسه وبقدراته وأنا أنصح أي إنسان بضرورة التعرف على نقاط الضعف والقوة في شخصيته، وبتحديد هدف محدد يسعى دائما إلى تحقيقه، وأن يتحول من شخص جيد إلى عظيم، ولاشك أننا نقصد هنا العظمة الإيجابية، التي تعني الوصول إلى أفضل نموذج أو نسخة من أنفسنا.
حلمك الحالي؟
- كان حلمي دائما ومازال هو امتلاك كافيه يوفر مساحة حرة وممتعة للشباب كمشروع اجتماعي أولا وليس تجاريا بحتا، أي نمائي في المقام الأول، يجمع بين الخدمة والتجارة، هذا إلى جانب استمراري في نشر مفهوم الرفاهية في القطاعات الحكومية والخاصة، حتى يكون هناك إدراك كبير به، لأن العنصر البشري هو الأساس في كل شيء، وأتمنى أن أترك أثرا في هذا المجال، وأن أضفي نظرة إنسانية في التعامل بين الموظف والمسؤول وصاحب العمل، وهذا هو ما يحث عليه ديننا الحنيف.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك