العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

استدامة التراث الطبيعي تعزز عوائد السياحة البيئية

بقلم: د. فاطمة ناصر {

الجمعة ٢٣ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

شكلت‭ ‬اتفاقية‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‭ ‬التي‭ ‬أقرها‭ ‬المؤتمر‭ ‬العام‭ ‬لمنظمة‭ ‬اليونسكو‭ ‬عام‭ ‬1972م،‭ ‬فكرة‭ ‬نابضة‭ ‬ومستدامة‭ ‬للمحافظة‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‭ ‬وفق‭ ‬لوائح‭ ‬دولية‭ ‬وقانونية‭.‬

وقد‭ ‬عرفت‭ ‬تراث‭ ‬الإنسانية‭ ‬بشكل‭ ‬محافظ‭ ‬جدًا‭ ‬ومحدود‭ ‬تحت‭ ‬عنوانين‭: ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬والتراث‭ ‬الطبيعي،‭ ‬وهدفت‭ ‬الاتفاقيـة‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬وحفظ‭ ‬ووقاية‭ ‬ونقل‭ ‬التراث‭ ‬الثقافي‭ ‬والطبيعي‭ ‬ذي‭ ‬القيمة‭ ‬العالمية‭ ‬البارزة‭ ‬إلـى‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة،‭ ‬ويمكن‭ ‬لصون‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‭ ‬أن‭ ‬يسهم‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬البيئة،‭ ‬ثقافتها،‭ ‬وتنوعها‭ ‬الطبيعـي‭ ‬والتفاعلات‭ ‬بين‭ ‬الأفراد‭ ‬والبيئة؛‭ ‬لذا‭ ‬برزت‭ ‬صورة‭ ‬متوازنة‭ ‬لتراث‭ ‬الإنسانية‭ ‬وهي‭ ‬التراث‭ ‬المشترك،‭ ‬والذي‭ ‬يشتمل‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬متكاملة‭ ‬من‭ ‬المنظومة‭ ‬البيئية‭ ‬الطبيعية،‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وجميع‭ ‬أساليب‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬معتقدات‭ ‬دينية‭ ‬وثقافية‭ ‬تلامس‭ ‬حياة‭ ‬البشرية‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬فإن‭ ‬الموارد‭ ‬والمواقع‭ ‬الطبيعية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬تعدُ‭ ‬من‭ ‬جملة‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‭ ‬الطبيعي،‭ ‬والتي‭ ‬تنص‭ ‬الاتفاقية‭ ‬على‭ ‬حمايتها‭ ‬وصونها‭ ‬لما‭ ‬تمثله‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬ثقافية‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬التفاعل‭ ‬بين‭ ‬الطبيعة‭ ‬والإنسان،‭ ‬ولعل‭ ‬قضية‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬الإنساني‭ ‬بمفهومه‭ ‬الحالي،‭ ‬يعدُ‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬إيجابيات‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة‭ ‬نحو‭ ‬حماية‭ ‬أكثر‭ ‬للحضارات‭ ‬والثقافات‭ ‬لجميع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬استثناء،‭ ‬وبموجب‭ ‬المرسوم‭ ‬رقم‭ (‬3‭) ‬لسنة‭ ‬1991،‭ ‬انضمت‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬إلى‭ ‬اتفاقية‭ ‬حماية‭ ‬التراث‭ ‬العالمي‭ ‬الثقافي‭ ‬والطبيعي،‭ ‬ووفق‭ ‬انضمام‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬التي‭ ‬أقرها‭ ‬المؤتمر‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬دورته‭ ‬السابعة‭ ‬عشرة‭ ‬بباريس‭ ‬عام‭ ‬1972م،‭ ‬فإنه‭ ‬يعني‭ ‬‮«‬التراث‭ ‬الطبيعي‮ ‬بالمعالم‭ ‬الطبيعية‭ ‬المتألفة‭ ‬من‭ ‬التشكلات‭ ‬الفيزيائية،‭ ‬أو‭ ‬البيولوجية،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬مجموعات‭ ‬هذه‭ ‬التشكلات،‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬قيمة‭ ‬عالمية‭ ‬استثنائية‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬الجمالية،‭ ‬أو‭ ‬العلمية،‭ ‬والتشكيلات‭ ‬الجيولوجية،‭ ‬والمناطق‭ ‬المحددة‭ ‬بدقة‭ ‬مؤلفة‭ ‬موطن‭ ‬الأجناس‭ ‬الحيوانية‭ ‬أو‭ ‬النباتية‭ ‬المهددة،‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬قيمة‭ ‬عالمية‭ ‬استثنائية‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬العلم،‭ ‬أو‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الثروات،‮ ‬والمواقع‭ ‬الطبيعية‭ ‬أو‭ ‬المناطق‭ ‬الطبيعية‭ ‬المحددة‭ ‬بدقة،‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬قيمة‭ ‬عالمية‭ ‬استثنائية‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬العلم،‭ ‬أو‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الثروات‭ ‬أو‭ ‬الجمال‭ ‬الطبيعي‮»‬‭.‬

تتمتع‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬بمنظومة‭ ‬زاخرة‭ ‬من‭ ‬موائل‭ ‬البيئة‭ ‬البرية‭ ‬والبحرية،‭ ‬والتي‭ ‬تشكل‭ ‬مجموعة‭ ‬متنوعة‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬وموارد‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬الطبيعي،‭ ‬ونظرًا‭ ‬إلى‭ ‬حرص‭ ‬المملكة‭ ‬بالمحافظة‭ ‬على‭ ‬تراثها‭ ‬الطبيعي،‭ ‬فقد‭ ‬شرعت‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للبيئة‭ ‬الذي‭ ‬يعنى‭ ‬بالتراث‭ ‬الطبيعي‭ ‬وحمايته‭ ‬من‭ ‬التهديد‭ ‬بالانقراض‭ ‬والنادرة،‭ ‬ويتمثل‭ ‬التراث‭ ‬الطبيعي‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬من‭ ‬السواحل‭ ‬البحرية‭ ‬والجزر‭ ‬والمحميات‭ ‬الطبيعية‭ ‬النباتية‭ ‬أو‭ ‬الحيوانية‭ ‬ذات‭ ‬التنوع‭ ‬الإحيائي‭ ‬المنفرد،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬مكونات‭ ‬التراث‭ ‬الطبيعي‭ ‬البحريني‭ ‬هي‭ ‬ركائز‭ ‬وأرصدة‭ ‬تنموية‭ ‬واعدة،‭ ‬وخاصة‭ ‬للقطاع‭ ‬السياحي‭ ‬التي‭ ‬تعدُ‭ ‬مقومات‭ ‬جذب‭ ‬تشجع‭ ‬السّياح‭ ‬على‭ ‬زيارة‭ ‬المواقع‭ ‬التي‭ ‬تحوي‭ ‬هذه‭ ‬الكنوز‭ ‬الطبيعية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإنها‭ ‬تسهم‭ ‬بقيام‭ ‬أنماط‭ ‬سيًاحية‭ ‬بيئية‭ ‬متعددة‭ ‬مثل‭ ‬سّياحة‭ ‬المواقع‭ ‬الصحراوية‭ ‬والتعرف‭ ‬على‭ ‬بيئاتها‭ ‬وحيواناتها،‭ ‬وكذلك‭ ‬سّياحة‭ ‬التأمل‭ ‬في‭ ‬الطبيعة‭ ‬ومراقبة‭ ‬الحيوانات‭ ‬والنباتات،‭ ‬وكذلك‭ ‬سياحة‭ ‬مراقبة‭ ‬الطيور‭ ‬وتربيتها،‭ ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬تشتهر‭ ‬بأنواع‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬الطيور،‭ ‬والتي‭ ‬يقدر‭ ‬مجموع‭ ‬عددها‭ ‬المرصود‭ ‬حوالي‭ (‬232‭) ‬نوعًا‭ ‬بعضها‭ ‬طيور‭ ‬مقيمة‭ ‬وبعضها‭ ‬طيور‭ ‬عابرة‭ ‬مهاجرة؛‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬التنوع‭ ‬في‭ ‬الطيور‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬يمكن‭ ‬استثماره‭ ‬وتحويله‭ ‬إلى‭ ‬رصيد‭ ‬سياحي‭ ‬مستدام،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬هواية‭ ‬تربية‭ ‬الطيور‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬والعناية‭ ‬بها،‭ ‬تمارسها‭ ‬فئة‭ ‬لديها‭ ‬معرفة‭ ‬ومهارات‭ ‬كبيرة‭ ‬حول‭ ‬الطيور‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬أنواعها،‭ ‬وعليه‭ ‬فقد‭ ‬أولت‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬اهتمامًا‭ ‬خاصًا‭ ‬بالموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬بالبيئة‭ ‬بعناصرها‭ ‬كافة‭ ‬لما‭ ‬تمثله‭ ‬من‭ ‬ثروة‭ ‬وطنية‭ ‬مستدامة‭.‬

وأيضا‭ ‬فإن‭ ‬المحميات‭ ‬الطبيعية‭ ‬ذات‭ ‬التنوع‭ ‬الحيوي‭ ‬الفريد‭ ‬في‭ ‬أنظمتها‭ ‬البيئية‭ ‬تعد‭ ‬أهم‭ ‬الثروات‭ ‬الطبيعية،‭ ‬التي‭ ‬تمتلكها‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬والتي‭ ‬تمثل‭ ‬أهم‭ ‬المواطن‭ ‬الطبيعية‭ ‬النباتات‭ ‬والكائنات‭ ‬الحية‭ ‬بالمملكة،‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬المملكة‭ ‬بإنشاء‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المحميات‭ ‬الطبيعية‭ ‬إيمانًا‭ ‬منها‭ ‬بأهمية‭ ‬صون‭ ‬التنوع‭ ‬الحيوي‭ ‬وحمايته‭ ‬من‭ ‬التدهور‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬الاستخدامات‭ ‬البشرية،‭ ‬فكانت‭ ‬محمية‭ ‬العرين‭ ‬أول‭ ‬محمية‭ ‬طبيعية،‭ ‬تلتها‭ ‬محمية‭ ‬رأس‭ ‬سند،‭ ‬بخليج‭ ‬توبلي،‭ ‬ومحمية‭ ‬جزر‭ ‬حوار‭ ‬والمياه‭ ‬المجاورة‭ ‬لها،‭ ‬ومحمية‭ ‬مشتان‭ ‬والمياه‭ ‬المجاورة‭ ‬لها،‭ ‬ومحمية‭ ‬دوحة‭ ‬عراد،‭ ‬وأخيرًا‭ ‬محمية‭ ‬الهيرات‭ ‬الشمالية‭ ‬وهير‭ ‬بو‭ ‬نجوى‭ (‬مراقد‭ ‬اللؤلؤ‭)‬،‭ ‬إن‭ ‬المحميات‭ ‬الطبيعية‭ ‬بأنواعها‭ ‬المختلفة‭ ‬ضرورة‭ ‬من‭ ‬ضرورات‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض،‭ ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬أهميتها‭ ‬في‭ ‬صون‭ ‬الطبيعة‭ ‬والحياة‭ ‬الفطرية‭ ‬ومعالم‭ ‬وآثار‭ ‬الحضارات‭ ‬القديمة‭ ‬التي‭ ‬تتميز‭ ‬بها‭ ‬مواقع‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬الذى‭ ‬نعيش‭ ‬فيه،‭ ‬وعلى‭ ‬ضوء‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬أولت‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬الذي‭ ‬اهتمت‭ ‬بهذا‭ ‬الإرث‭ ‬الثقافي‭ ‬الطبيعي‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬حضارة‭ ‬المملكة،‭ ‬وخاصة‭ ‬فإن‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬التنوع‭ ‬الحيوي‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬حفظ‭ ‬للثقافة‭ ‬والحضارة‭ ‬وتحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬المُستدامة،‭ ‬وجعلها‭ ‬موردًا‭ ‬مستدامًا‭ ‬للدخل‭ ‬الوطني؛‭ ‬حيثُ‭ ‬إن‭ ‬الغرض‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬المحميات‭ ‬الطبيعية‭ ‬هو‭ ‬جني‭ ‬فوائدها‭ ‬المتعددة‭ ‬بكونها‭ ‬حافظة‭ ‬البيئة‭ ‬ودعامة‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬ورفاهيته‭.‬

وكذلك‭ ‬تعد‭ ‬الأنظمة‭ ‬الزراعية‭ ‬أهم‭ ‬الكنوز‭ ‬البيئية،‭ ‬والتي‭ ‬تعد‭ ‬مطلبًا‭ ‬أساسيًا‭ ‬لضمان‭ ‬استدامة‭ ‬التراث‭ ‬الطبيعي‭ ‬لمحيطنا‭ ‬الحيوي،‭ ‬والحفاظ‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬التدهور‭ ‬الذي‭ ‬سيتبعه‭ ‬تدهور‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬الأساسية‭ ‬للمجتمع‭ ‬جراء‭ ‬انحسار‭ ‬تلك‭ ‬الثروة‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬إحدى‭ ‬أهم‭ ‬دعائم‭ ‬الثروة‭ ‬الطبيعية‭ ‬والتراثية‭ ‬للمملكة؛‭ ‬لذا‭ ‬فإنه‭ ‬يجب‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬برامج‭ ‬تطويرية‭ ‬للمساهمة‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬طرق‭ ‬الإنتاج‭ ‬الزراعي،‭ ‬وتحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬بتكاثف‭ ‬مؤسسي‭ ‬ومجتمعي‭ ‬لتذليل‭ ‬المعوقات‭ ‬التي‭ ‬تواجه‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬المهم،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬المساحات‭ ‬الزراعية‭ ‬المتبقية‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان،‭ ‬وخاصة‭ ‬ثروة‭ ‬النخيل‭ ‬التي‭ ‬اشتهرت‭ ‬بها‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬‮«‬بلد‭ ‬المليون‭ ‬نخلة‮»‬،‭ ‬وتشير‭ ‬التقديرات‭ ‬إلى‭ ‬وجود‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ (‬100‭) ‬صنف‭ ‬من‭ ‬نخيل‭ ‬الرطب‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬تختلف‭ ‬في‭ ‬حجمها‭ ‬ولونها‭ ‬وجودتها‭ ‬وانتشارها‭ ‬وموعد‭ ‬نضجها،‭ ‬وقد‭ ‬شكلت‭ ‬أهمية‭ ‬تاريخية‭ ‬وثقافية‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الشعب‭ ‬البحريني،‭ ‬والتي‭ ‬سيكون‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬تنشيط‭ ‬السّياحة‭ ‬البيئية‭ ‬وأنماطها،‭ ‬وخاصة‭ ‬السّياحة‭ ‬الخضراء‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬المساحات‭ ‬الخضراء،‭ ‬والشائعة‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬المروجة‭ ‬للسّياحة‭ ‬البيئية‭. ‬كذلك‭ ‬فإن‭ ‬المملكة‭ ‬تشتهر‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬الجزر‭ ‬الطبيعية،‭ ‬والشعاب‭ ‬المرجانية‭ ‬الطافية‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الماء‭ ‬تسمى‭ ‬محليًا‭ ‬بـ«الفشوت‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تمتاز‭ ‬بثروات‭ ‬طبيعية‭ ‬وبيئية‭ ‬حساسة‭ ‬ونادرة‭ ‬ومميزات‭ ‬سياحية‭ ‬جاذبة؛‭ ‬لذا‭ ‬فإنه‭ ‬يمكن‭ ‬تنميتها‭ ‬وتوظيفها‭ ‬في‭ ‬السّياحة‭ ‬المستدامة‭ ‬النظيفة‭ ‬غير‭ ‬المدمرة‭ ‬والإبقاء‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬نملكه‭ ‬من‭ ‬ثروات‭ ‬طبيعية‭ ‬للأجيال‭ ‬المستقبلية‭.‬

يشكل‭ ‬التراث‭ ‬الطبيعي‭ ‬والثقافي‭ ‬مرتكزًا‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬وخاصة‭ ‬التنمية‭ ‬السياحية،‭ ‬وقد‭ ‬أقرت‭ ‬منظمة‭ ‬السياحة‭ ‬العالمية‭ (‬OMT‭)‬،‭ ‬بأن‭ ‬التراث‭ ‬والثقافة‭ ‬أصبحا‭ ‬يكونان‭ (‬40‭) ‬في‭ ‬المئة‭ ‬تقريبًا‭ ‬من‭ ‬أهداف‭ ‬كل‭ ‬الرحلات‭ ‬التي‭ ‬تعبر‭ ‬الحدود‭ ‬بين‭ ‬الدول؛‭ ‬لذا‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬استثمار‭ ‬مواردها‭ ‬الطبيعية‭ ‬والتراثية‭ ‬أصبحت‭ ‬وجهات‭ ‬سياحية‭ ‬مميزة،‭ ‬ونؤكد‭ ‬أن‭ ‬تثمين‭ ‬واستثمار‭ ‬موارد‭ ‬التراث‭ ‬الطبيعي‭ ‬والثقافي‭ ‬التي‭ ‬تزخر‭ ‬بهما‭ ‬المملكة،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬محدودًا‭ ‬مقارنة‭ ‬بحجم‭ ‬ما‭ ‬نملك‭ ‬من‭ ‬مقومات‭ ‬ومرتكزات‭ ‬طبيعية،‭ ‬مثل‭ ‬الجزر‭ ‬الطبيعية‭ ‬وما‭ ‬تزخر‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬محميات‭ ‬نباتية‭ ‬وحيوانية‭ ‬ذات‭ ‬نوعية‭ ‬فريدة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭. ‬ما‭ ‬يستدعي‭ ‬بذل‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الجهود‭ ‬المؤسسية‭ ‬والمجتمعية،‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬جعل‭ ‬التراث‭ ‬الطبيعي‭ ‬والثقافي‭ ‬محركًا‭ ‬للتنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والسياحية‭ ‬للمملكة؛‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬تنمية‭ ‬المواقع‭ ‬الطبيعية‭ ‬وتطويرها‭ ‬سياحيا،‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تعديل‭ ‬السلوك‭ ‬البشري‭ ‬بما‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬الاعتبارات‭ ‬البيئية‭ ‬وأحداث‭ ‬التنمية‭ ‬والتوعية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تثقيف‭ ‬الأفراد‭ ‬تجاه‭ ‬البيئة‭ ‬والسّياحة‭ ‬معًا؛‭ ‬وتنمية‭ ‬الوعي‭ ‬البيئي‭ ‬والسياحي‭ ‬لجميع‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع،‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬إلقاء‭ ‬المحاضرات‭ ‬والندوات‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬الحس‭ ‬الوطني‭ ‬تجاه‭ ‬البيئة‭ ‬ومقدراتها،‭ ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬المبادرات‭ ‬البحرينية‭ ‬الواعدة‭ ‬والمهتمة‭ ‬بالتنوع‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المجالات‭ ‬الأساسية‭ ‬لبناء‭ ‬المجتمع‭ ‬‮«‬مبادرة‭ ‬وهج‮»‬‭ ‬وبالتعاون‭ ‬مع‭ ‬هيئة‭ ‬البحرين‭ ‬للثقافة‭ ‬والآثار،‭ ‬والتي‭ ‬تناولت‭ ‬الأوضاع‭ ‬البيئية‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬عبر‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفعاليات‭ ‬والمحاضرات،‭ ‬أولها‭ ‬الجلسة‭ ‬الحوارية‭ ‬التي‭ ‬أقيمت‭ ‬مؤخرًا‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬كوكبنا‭ ‬وتحولاته‭ ‬البيئية‮»‬‭ ‬و‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المحاضرات‭ ‬القادمة‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬تعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬حول‭ ‬التصحر‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‮»‬‭ ‬و‮«‬الثقافة‭ ‬البحرية‭ ‬بين‭ ‬الماضي‭ ‬والحاضر‮»‬‭ ‬ومنا‭ ‬هنا‭ ‬تبدأ‭ ‬الدعوة‭ ‬الفاعلة‭ ‬إلى‭ ‬تأسيس‭ ‬طاقة‭ ‬مجتمعية‭ ‬مشاركة‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬وتنفيذ‭ ‬مراحل‭ ‬عمليات‭ ‬التخطيط‭ ‬للمحافظة‭ ‬على‭ ‬المواقع‭ ‬الطبيعية‭ ‬المشتركة،‭ ‬ودعم‭ ‬الوعي‭ ‬البيئي‭ ‬والتعليم‭ ‬للناشئة‭ ‬والمجتمع،‭ ‬وتفعيل‭ ‬دور‭ ‬المشاركة‭ ‬المجتمعية‭ ‬الإيجابية‭.‬

إن‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬عوامل‭ ‬النجاح‭ ‬لمشاريع‭ ‬الحفاظ‭ ‬والتنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬لأي‭ ‬موقع‭ ‬تراثي‭ ‬طبيعي‭ ‬هو‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬الأبعاد‭ ‬الأساسية‭ ‬للتنمية‭ ‬المستدامة،‭ ‬ومن‭ ‬الأبعاد‭ ‬التي‭ ‬تعطي‭ ‬المشاريع‭ ‬استدامة‭ ‬هي‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الثقافة‭ ‬المحلية‭ ‬التقليدية‭ ‬والقيم‭ ‬بأنواعها‭ ‬وتفعيل‭ ‬بارز‭ ‬لدور‭ ‬الشراكة‭ ‬المجتمعية،‭ ‬ومملكة‭ ‬البحرين‭ ‬إحدى‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬الأبعاد‭ ‬والأسس‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والبيئية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حماية‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬إنتاجيتها‭ ‬ونشر‭ ‬الثقافة‭ ‬البيئية‭ ‬بشكل‭ ‬مُستدام‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المحمية؛‭ ‬ما‭ ‬يسهم‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬زيادة‭ ‬الاستنزاف‭ ‬وهدر‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬بشكل‭ ‬مفرط،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬مصدر‭ ‬مهم‭ ‬للدخل‭ ‬الوطني‭ ‬ودعمه،‭ ‬وإيجاد‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬لفئات‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬التراثية‭ ‬الطبيعية‭ ‬منها‭ ‬والثقافية‭ ‬وخصائصهما‭ ‬للأجيال‭ ‬المستقبلية‭.‬

وأخيرًا،‭ ‬فإن‭ ‬التراث‭ ‬الطبيعي‭ ‬هو‭ ‬ثروة‭ ‬وطنية‭ ‬ذات‭ ‬بعد‭ ‬ثقافي‭ ‬وحضاري‭ ‬بمختلف‭ ‬عناصره‭ ‬ومكوناته‭ ‬الطبيعية‭ ‬والثقافية،‭ ‬ورأسمال‭ ‬تنموي‭ ‬يمكننا‭ ‬استثماره‭ ‬وتوظيفه‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬والقطاعات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬السياحي‭ ‬الذي‭ ‬يعدُ‭ ‬المستهلك‭ ‬الأول‭ ‬للتراث‭ ‬بجميع‭ ‬أشكاله‭ ‬الطبيعية‭ ‬والثقافية،‭ ‬وإن‭ ‬الإسهام‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬جمال‭ ‬الموقع‭ ‬الطبيعي‭ ‬يكسبه‭ ‬صفة‭ ‬تنموية‭ ‬مُستدامة،‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تم‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية‭ ‬فيه‭ ‬والإبقاء‭ ‬على‭ ‬صلاحية‭ ‬إنتاجيتها‭ ‬الطبيعية؛‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬المحميات‭ ‬تعدُ‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الوسائل‭ ‬الوقائية‭ ‬لحماية‭ ‬الوسط‭ ‬الطبيعي‭ ‬لمملكة‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬التلوث‭ ‬بأنواعه،‭ ‬والتدهور‭ ‬البيئي‭ ‬والنمو‭ ‬السكاني‭ ‬المتزايد‭ ‬الذي‭ ‬يسبب‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الموارد‭ ‬الطبيعية،‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬فقدان‭ ‬التراث‭ ‬الطبيعي‭ ‬والثروة‭ ‬المحلية‭ ‬للمجتمع،‭ ‬وتمثل‭ ‬المحميات‭ ‬الطبيعية‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬مواقع‭ ‬مهمة‭ ‬ذات‭ ‬قاعدة‭ ‬مستقبلية‭ ‬لجذب‭ ‬السّياحة‭ ‬البيئية‭ ‬المحلية‭ ‬والدولية،‭ ‬نظرًا‭ ‬إلى‭ ‬حمايتها‭ ‬للبيئة‭ ‬الطبيعية‭ ‬الفطرية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المواقع‭ ‬التي‭ ‬يقصدها‭ ‬السّياح،‭ ‬ولاسيما‭ ‬المواقع‭ ‬الطبيعية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتغير‭ ‬ملامحها‭ ‬جراء‭ ‬أنشطة‭ ‬الإنسان‭ ‬التي‭ ‬طالت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬الطبيعية،‭ ‬وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تميز‭ ‬محميات‭ ‬المملكة‭ ‬بأنماط‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬الأنظمة‭ ‬البيئية‭ ‬تجعل‭ ‬منها‭ ‬مواقع‭ ‬جاذبة‭ ‬للسّياحة،‭ ‬حيثُ‭ ‬إنه‭ ‬يمكن‭ ‬استثمارها‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬المقومات‭ ‬الطبيعية،‭ ‬وتوظيف‭ ‬الاستغلال‭ ‬الأمثل‭ ‬للمقومات‭ ‬الطبيعية‭ ‬التي‭ ‬تمتاز‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬المحميات،‭ ‬كذلك‭ ‬فإنها‭ ‬تشكل‭ ‬وسيلة‭ ‬وقائية‭ ‬من‭ ‬التغيرات‭ ‬الحضارية‭ ‬التي‭ ‬يدخلها‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬التي‭ ‬يعيش‭ ‬فيها،‭ ‬لذلك‭ ‬فهي‭ ‬تمثل‭ ‬شواهد‭ ‬حية‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬الطبيعي‭ ‬والثقافي‭ ‬الذي‭ ‬يتوجب‭ ‬علينا‭ ‬حمايته‭ ‬والحفاظ‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬التدهور‭ ‬وتوريثه‭ ‬للأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬بصورة‭ ‬سليمة

{ مختصة‭ ‬في‭ ‬فلسفة‭ ‬الدراسات

‭ ‬البيئية‭ ‬وآليات‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا