العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

النظام الإيراني في مواجهة فشل سياساته

بقلم: فاروق يوسف {

الجمعة ٢٣ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

باتت‭ ‬مشكلات‭ ‬إيران‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬معروفة‭ ‬وهي‭ ‬مشكلات‭ ‬ليست‭ ‬معقدة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قورنت‭ ‬بمشكلات‭ ‬نظامها‭ ‬مع‭ ‬شعبها‭ ‬الذي‭ ‬يقف‭ ‬على‭ ‬صفيح‭ ‬ساخن‭ ‬كما‭ ‬يُقال،‭ ‬فهو‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬خطأ‭ ‬يرتكبه‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬مناسبة‭ ‬ما‭ ‬لينفجر‭. ‬تلك‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬بها‭ ‬الملالي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صوروا‭ ‬لأنفسهم‭ ‬أن‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬حسم‭ ‬الأمور‭ ‬لصالحهم‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬اشتعل‭ ‬الشارع‭ ‬بتحريض‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬أجنبية‭ ‬كما‭ ‬يزعمون‭.‬

لم‭ ‬يقل‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬أركان‭ ‬النظام‭ ‬السابقين‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬شراء‭ ‬رضا‭ ‬الشعب‭ ‬إن‭ ‬سياسة‭ ‬النظام‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ترفيه‭ ‬الشعب‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الشعب‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬آخر‭. ‬طريقان‭ ‬لا‭ ‬تلتقيان‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬المناسبات‭ ‬الجنائزية‭ ‬فرصة‭ ‬للنظام‭ ‬لكي‭ ‬يفرض‭ ‬أجندته‭ ‬الإعلامية‭ ‬المؤقتة‭ ‬فإن‭ ‬الشعب‭ ‬صار‭ ‬ماهرا‭ ‬في‭ ‬اختراع‭ ‬مناسباته‭ ‬التي‭ ‬يُشعر‭ ‬بها‭ ‬النظام‭ ‬بخطر‭ ‬زواله‭. ‬ومثلما‭ ‬يتميز‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬بالعناد‭ ‬الذي‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬الغباء‭ ‬فإن‭ ‬للإيرانيين‭ ‬عنادهم‭ ‬الذي‭ ‬يصنفهم‭ ‬شعبا‭ ‬صعبا‭.‬

كانت‭ ‬ظروف‭ ‬نجاح‭ ‬الثورة‭ ‬الإيرانية‭ ‬وصعود‭ ‬الخميني‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬عام‭ ‬1979‭ ‬معقدة‭ ‬وهي‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬حقيقة‭ ‬موقف‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬من‭ ‬نفسه‭ ‬ومن‭ ‬إرادته‭ ‬ومن‭ ‬مصيره‭. ‬يومها‭ ‬تداخلت‭ ‬عوامل‭ ‬عالمية‭ ‬وداخلية‭ ‬وصنعت‭ ‬نسيج‭ ‬حكاية‭ ‬أريد‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تلف‭ ‬الشرق‭ ‬العربي‭ ‬بكآبتها‭ ‬وظلامها‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬محل‭ ‬رهان‭ ‬غربي‭ ‬سبق‭ ‬رهانه‭ ‬على‭ ‬‮«‬الربيع‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬بعقود‭. ‬كان‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬يومها‭ ‬أن‭ ‬يحل‭ ‬نظام‭ ‬ليبرالي‭ ‬محل‭ ‬نظام‭ ‬الشاه‭. ‬لقد‭ ‬تم‭ ‬وضع‭ ‬نظام‭ ‬ديني‭ ‬شمولي‭ ‬محل‭ ‬نظام‭ ‬مدني‭ ‬شمولي‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬الغرب‭ ‬ليخسر‭ ‬فرصته‭ ‬ويبدد‭ ‬الاستبداد‭ ‬حين‭ ‬رأى‭ ‬نظام‭ ‬الشاه‭ ‬وهو‭ ‬يتهاوى‭. ‬أما‭ ‬حين‭ ‬قفز‭ ‬الخميني‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬مدعوما‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العالم‭ ‬الخارجي‭ ‬فإن‭ ‬فرصة‭ ‬الشعب‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬دولة‭ ‬ديمقراطية‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬محيت،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬جهود‭ ‬المقاومة‭ ‬التي‭ ‬بذلتها‭ ‬أطراف‭ ‬مدنية،‭ ‬الكثير‭ ‬منها‭ ‬عمل‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬أملا‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الخميني‭ ‬مجرد‭ ‬رمز‭ ‬وألا‭ ‬تُسقط‭ ‬عمامته‭ ‬ظلها‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬إيران‭.‬

وبالرغم‭ ‬من‭ ‬مضي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعين‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬الملالي‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬الحكم‭ ‬المطلق‭ ‬فإن‭ ‬شيئا‭ ‬لم‭ ‬يتغير‭ ‬في‭ ‬النهج‭ ‬الذي‭ ‬يتبعه‭ ‬النظام‭. ‬وهو‭ ‬لن‭ ‬يتغير‭ ‬لأن‭ ‬دولة‭ ‬غطاؤها‭ ‬الدين‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتخلى‭ ‬عن‭ ‬سياسات‭ ‬وتتبنى‭ ‬سياسات‭ ‬جديدة‭ ‬وإلا‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬تخلت‭ ‬عن‭ ‬ثوابتها‭ ‬الدينية‭ ‬كما‭ ‬يظن‭ ‬أتباع‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭.‬

لذلك‭ ‬من‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬بها‭ ‬إيران‭ ‬عبر‭ ‬علاقاتها‭ ‬المضطربة‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬قد‭ ‬دفعت‭ ‬نظامها‭ ‬إلى‭ ‬النظر‭ ‬بطريقة‭ ‬مختلفة‭ ‬إلى‭ ‬الشعب‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬كلمته‭.‬

‭ ‬فكل‭ ‬المحتجين‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المناسبات‭ ‬السابقة‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬النظام‭ ‬أعداء‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الذين‭ ‬ينفذون‭ ‬تعليمات‭ ‬قوى‭ ‬الاستكبار‭ ‬العالمي‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإسرائيل‭. ‬تلك‭ ‬تهمة‭ ‬جاهزة‭ ‬قادت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬شباب‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬حبل‭ ‬المشنقة‭ ‬ولا‭ ‬يختلف‭ ‬الأمر‭ ‬الآن‭ ‬عما‭ ‬فعلته‭ ‬المحاكم‭ ‬التي‭ ‬قادها‭ ‬صادق‭ ‬خلخالي‭ ‬قبل‭ ‬أربعين‭ ‬سنة‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬حكم‭ ‬الخميني‭.‬

قد‭ ‬يغير‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬لغته‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالعلاقات‭ ‬مع‭ ‬الخارج‭ ‬فتنخفض‭ ‬حدة‭ ‬التوتر‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬تخليه‭ ‬عن‭ ‬برنامجه‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬وجوده‭ ‬قوة‭ ‬حرب‭ ‬مدمرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬صواريخ‭ ‬باليستية‭ ‬جديدة‭ ‬وطائرات‭ ‬مسيرة‭ ‬ذات‭ ‬كفاءة‭ ‬عالية‭. ‬هو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬خطر‭ ‬وجوده‭ ‬سيظل‭ ‬ماثلا‭. ‬إنه‭ ‬موجود‭ ‬لكي‭ ‬يحارب‭.‬

لا‭ ‬يملك‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬جعبته‭ ‬خطة‭ ‬للسلام‭ ‬ليطرحها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كيانا‭ ‬إيجابيا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬هناك‭ ‬شعور‭ ‬داخلي‭ ‬بأن‭ ‬مؤامرة‭ ‬إزالته‭ ‬ومحوه‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬قائمة‭ ‬وأن‭ ‬القوى‭ ‬الخارجية‭ ‬تنسق‭ ‬مع‭ ‬أطراف‭ ‬داخلية‭ ‬لإنجاحها‭. ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬وهما،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬فكرة‭ ‬اعتبرها‭ ‬النظام‭ ‬أساسا‭ ‬لحقه‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬وجوده‭ ‬ضد‭ ‬المارقين‭ ‬المتمردين‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬الإمام‭.‬

عقدة‭ ‬خلقها‭ ‬النظام‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تصفية‭ ‬أعدائه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يقوى‭ ‬على‭ ‬الاعتراف‭ ‬بهزيمته‭ ‬الداخلية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬عدم‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬إخضاع‭ ‬الشعب‭ ‬المتمرد‭. ‬كان‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬اعتراف‭ ‬النظام‭ ‬بفشل‭ ‬سياساته‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الداخلي‭ ‬والخارجي‭ ‬أن‭ ‬يمنحه‭ ‬فرصة‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬الخارج‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬مخاتلة‭ ‬ولا‭ ‬مكر،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬سيحسن‭ ‬علاقته‭ ‬بالداخل‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يثق‭ ‬بكل‭ ‬السياسات‭ ‬التي‭ ‬يتبعها‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬شؤونه‭. ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬محاولة‭ ‬النظام‭ ‬تهديد‭ ‬الأمن‭ ‬والسلام‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬فإنه‭ ‬خسر‭ ‬فرصة‭ ‬استمالة‭ ‬الشعب‭ ‬إليه‭. ‬يواجه‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬وحشا‭ ‬صنعه‭ ‬بيديه‭.‬

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا