العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٩ - الاثنين ١٦ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٦ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الإعلان الإلهي لحقوق الإنسان!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ١٨ يونيو ٢٠٢٣ - 02:00

تمثل‭ ‬الكليات‭ ‬الخمس‭ ‬التي‭ ‬حرص‭ ‬الإسلام‭ ‬ومنذ‭ ‬أول‭ ‬لحظة‭ ‬بزغ‭ ‬فيها‭ ‬نوره‭ ‬على‭ ‬حفظها،‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها‭ ‬ليشيع‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وعمل‭ ‬الإسلام‭ ‬على‭ ‬صيانتها‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يعتدي‭ ‬عليها‭ ‬المعتدون،‭ ‬ويعبث‭ ‬بها‭ ‬العابثون،‭ ‬وأول‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق،‭ ‬أو‭ ‬الكليات‭ ‬الخمس‭ ‬هي‭ ‬حرية‭ ‬الاعتقاد،‭ ‬أي‭ ‬إن‭ ‬للإنسان‭ ‬الحرية‭ ‬الكاملة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يعتقد‭ ‬ما‭ ‬يشاء،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬لا‭ ‬إكراه‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬قد‭ ‬تبين‭ ‬الرشد‭ ‬من‭ ‬الغي‭) ‬البقرة‭ / ‬256‭.‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬المبدأ‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬مبادئ‭ ‬الإسلام،‭ ‬والذى‭ ‬حمى‭ ‬فيه‭ ‬الإسلام‭ ‬حرية‭ ‬العقيدة،‭ ‬يقول‭ ‬سبحانه‭: (‬وقل‭ ‬الحق‭ ‬من‭ ‬ربكم‭ ‬فمن‭ ‬شاء‭ ‬فليؤمن‭ ‬ومن‭ ‬شاء‭ ‬فليكفر‭) ‬الكهف‭ / ‬29‭.‬

والكليات‭ ‬الخمس‭ ‬ذكرها‭ ‬الًعلماء،‭ ‬وهي‭: ‬حفظ‭ ‬الدين،‭ ‬والنفس،‭ ‬والعقل،‭ ‬والمال،‭ ‬والنسب،‭ ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬استخراج‭ ‬تفريعات،‭ ‬أو‭ ‬تشريعات‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الكليات‭ ‬الخمس‭ ‬بحيث‭ ‬يتكون‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬أصولها،‭ ‬وفروعها‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭(‬الدستور‭ ‬الإسلامي‭) ‬أو‭ ‬الإعلان‭ ‬الإلهي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وهذا‭ ‬الإعلان‭ ‬يستمد‭ ‬قوته‭ ‬وبقاءه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬والسنة‭ ‬المطهرة،‭ ‬ولقد‭ ‬ذكرت‭ ‬آنفًا‭ ‬الدليل‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬على‭ ‬حرية‭ ‬الاعتقاد‭ ‬أما‭ ‬حفظ‭ ‬النفس،‭ ‬فقد‭ ‬جاءت‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬كتبنا‭ ‬على‭ ‬بني‭ ‬إسرائيل‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬نفسًا‭ ‬بغير‭ ‬نفس‭ ‬أو‭ ‬فساد‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬فكأنما‭ ‬قتل‭ ‬الناس‭ ‬جميعًا‭ ‬ومن‭ ‬أحياها‭ ‬فكأنما‭ ‬أحيا‭ ‬الناس‭ ‬جميعًا‭ ‬ولقد‭ ‬جاءتهم‭ ‬رسلنا‭ ‬بالبينات‭ ‬ثم‭ ‬إن‭ ‬كثيرًا‭ ‬منهم‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬لمسرفون‭) ‬المائدة‭ / ‬32‭.‬

وقوله‭ ‬سبحانه‭: (‬ومن‭ ‬يقتل‭ ‬مؤمنًا‭ ‬متعمدًا‭ ‬فجزاؤه‭ ‬جهنم‭ ‬خالدًا‭ ‬فيها‭ ‬وغضب‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬ولعنه‭ ‬وأعد‭ ‬له‭ ‬عذابًا‭ ‬عظيما‭) ‬النساء‭ / ‬93‭.‬

وأما‭ ‬الكلية‭ ‬الثالثة،‭ ‬وهي‭ ‬حماية‭ ‬العقل‭ ‬فقد‭ ‬تضمنتها‭ ‬الآيات‭ ‬التي‭ ‬تحرم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يذهبه،‭ ‬ويؤثر‭ ‬في‭ ‬موازينه‭ ‬العقلية‭ ‬الراشدة،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬يا‭ ‬أيها‭ ‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬إنما‭ ‬الخمر‭ ‬والميسر‭ ‬والأنصاب‭ ‬والأزلام‭ ‬رجس‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬الشيطان‭ ‬فاجتنبوه‭ ‬لعلكم‭ ‬تفلحون‭) ‬المائدة‭ / ‬90‭. ‬وأما‭ ‬اتباع‭ ‬الهوى،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬عليه‭ ‬الآباء‭ ‬والأجداد،‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬التحذير‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬أفرأيت‭ ‬من‭ ‬اتخذ‭ ‬إلهه‭ ‬هواه‭ ‬وأضله‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬علم‭ ‬وختم‭ ‬على‭ ‬سمعه‭ ‬وقلبه‭ ‬وجعل‭ ‬على‭ ‬بصره‭ ‬غشاوة‭ ‬فمن‭ ‬يهديه‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬الله‭ ‬أفلا‭ ‬تذكرون‭) ‬الجاثية‭ / ‬23‭.‬

وحفظ‭ ‬المال‭ ‬هو‭ ‬الكلية‭ ‬الرابعة‭ ‬من‭ ‬كليات‭ ‬الإسلام‭ ‬الخمس،‭ ‬والتي‭ ‬حرص‭ ‬الإسلام‭ ‬على‭ ‬حمايتها،‭ ‬والدفاع‭ ‬عنها،‭ ‬وسد‭ ‬باب‭ ‬الذرائع‭ ‬إليها،‭ ‬وجعل‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬حفظها‭ ‬أن‭ ‬حَرَّم‭ ‬السبل‭ ‬إليها،‭ ‬فحرم‭ ‬السرقة،‭ ‬والرشوة،‭ ‬والربا،‭ ‬وأكل‭ ‬أموال‭. ‬الناس‭ ‬بالباطل‭ -‬أي‭ ‬باطل‭- ‬وكما‭ ‬حرم‭ ‬الإسلام‭ ‬كسب‭ ‬المال‭ ‬من‭ ‬الأوجه‭ ‬غير‭ ‬مشروعة‭ ‬كذلك‭ ‬حَرَّم‭ ‬إنفاقه‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬الأوجه‭ ‬غير‭ ‬المشروعة‭ ‬لأن‭ ‬الله‭ ‬طيب‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬إلا‭ ‬طيبا‭.‬

ونختم‭ ‬بالكلية‭ ‬الخامسة،‭ ‬وهي‭ ‬حفظ‭ ‬النسب،‭ ‬فحرم‭ ‬الزنا‭ ‬الذي‭ ‬يفضي‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬إلى‭ ‬اختلاط‭ ‬الأنساب،‭ ‬وتمزيق‭ ‬أواصر‭ ‬الأسر،‭ ‬يقول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: (‬ولا‭ ‬تقربوا‭ ‬الزنى‭ ‬إنه‭ ‬كان‭ ‬فاحشة‭ ‬وساء‭ ‬سبيلا‭) ‬الإسراء‭ / ‬32‭. ‬وقال‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: (‬والذين‭ ‬لا‭ ‬يدعون‭ ‬مع‭ ‬الله‭ ‬إلهًا‭ ‬آخر‭ ‬ولا‭ ‬يقتلون‭ ‬النفس‭ ‬التي‭ ‬حرم‭ ‬الله‭ ‬إلا‭ ‬بالحق‭ ‬ولا‭ ‬يزنون‭ ‬ومن‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬يلق‭ ‬أثاما‭ (‬68‭) ‬يضاعف‭ ‬له‭ ‬العذاب‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬ويخلد‭ ‬فيه‭ ‬مهانا‭ (‬69‭) ‬إلا‭ ‬من‭ ‬تاب‭ ‬وآمن‭ ‬وعمل‭ ‬عملًا‭ ‬صالحًا‭ ‬فأولئك‭ ‬يبدل‭ ‬الله‭ ‬سيئاتهم‭ ‬حسنات‭ ‬وكان‭ ‬الله‭ ‬غفورًا‭ ‬رحيما‭) (‬70‭) ‬الفرقان‭.‬

انظروا‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المنزلة‭ ‬العظيمة،‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يغفر‭ ‬السيئات‭ ‬بمحوها‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬يبدل‭ ‬السيئات‭ ‬حسنات،‭ ‬فيمحو‭ ‬رصيد‭ ‬العبد‭ ‬من‭ ‬السيئات،‭ ‬ويزيد‭ ‬رصيد‭ ‬الحسنات‭ ‬بإعادة‭ ‬تدوير‭ ‬الحسنات‭ ‬بعوائدها‭ ‬مرات‭.. ‬ومرات‭ ‬إذا‭ ‬اجتنب‭ ‬الكبائر،‭ ‬ولَم‭ ‬يصر‭ ‬على‭ ‬الصغائر‭ ‬ولقي‭ ‬ربه‭ ‬سبحانه‭ ‬على‭ ‬ذلك‭.‬

لقد‭ ‬حرص‭ ‬الإسلام‭ ‬أشد‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تحريم‭ ‬الزنا،‭ ‬وما‭ ‬يفضي‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬علاقات‭ ‬محرمة‭ ‬يستنكرها‭ ‬الإسلام‭ ‬على‭ ‬أتباعه،‭ ‬والسالكين‭ ‬صراطه‭ ‬المستقيم‭.‬

ولندرك‭ ‬خطورة‭ ‬الزنا‭ ‬وما‭ ‬يجره‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬المسلم‭ ‬من‭ ‬مصائب‭ ‬وآفات‭ ‬انظروا‭ ‬إلى‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية،‭ ‬وما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬اختلاط‭ ‬الأنساب‭ ‬في‭ ‬الأسرة‭ ‬الواحدة‭ ‬بسبب‭ ‬الحرية‭ ‬المطلقة‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬النساء‭ ‬بالرجال‭.. ‬صحيح‭ ‬أنه‭ ‬محرم‭ ‬عليهم‭ ‬تعدد‭ ‬الزوجات،‭ ‬لكنهم‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬ذلك‭ ‬يتساهلون‭ ‬في‭ ‬تعدد‭ ‬الخليلات،‭ ‬فتدخل‭ ‬المرأة‭ ‬على‭ ‬زوجها‭ ‬أطفالًا‭ ‬ليسوا‭ ‬من‭ ‬صلبه،‭ ‬وكذلك‭ ‬يفعل‭ ‬الرجال،‭ ‬لكن‭ ‬الإسلام‭ ‬حين‭ ‬أباح‭ ‬تعدد‭ ‬الزوجات‭ ‬في‭ ‬الحلال‭ ‬بشروطه‭ ‬حافظ‭ ‬على‭ ‬نقاء‭ ‬الأنساب،‭ ‬وبراءتها‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تدنس‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬حلًا‭ ‬لمشكلة‭ ‬العنوسة‭ ‬حين‭ ‬يزيد‭ ‬عدد‭ ‬النساء‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬الرجال‭.‬

إذًا،‭ ‬فرعاية‭ ‬الإسلام‭ ‬للكليات‭ ‬الخمس،‭ ‬وهي‭: ‬حفظ‭ ‬الدين،‭ ‬والنفس،‭ ‬والعقل،‭ ‬المال،‭ ‬والنسب،‭ ‬هي‭ ‬دستور‭ ‬الإسلام‭ ‬العظيم،‭ ‬ومن‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يتفرع‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الكليات‭ ‬الخمس‭ ‬تشريعات‭ ‬كثيرة‭ ‬تنظم‭ ‬حياة‭ ‬المسلمين،‭ ‬بل‭ ‬البشرية‭ ‬وتيسر‭ ‬لها‭ ‬التصالح‭ ‬مع‭ ‬الذات‭ ‬قبل‭ ‬التصالح‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬إعلان‭ ‬إلهي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا