العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الكواليس

وفاء جناحي

waffajanahi@gmail.com

ماذا عن عقوق الآباء؟

ماذا‭ ‬عن‭ ‬عقوق‭ ‬الآباء؟‭ ‬سؤال‭ ‬حيرني‭ ‬وجعلني‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬التشتت‭ ‬والهذيان‭ ‬منذ‭ ‬البارحة،‭ ‬بصراحة‭ (‬صادني‭ ‬أم‭ ‬الديفان‭)‬،‭ ‬من‭ ‬المرات‭ ‬القليلة‭ ‬التي‭ ‬ينربط‭ ‬فيها‭ ‬لساني‭ ‬ولا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أرد،‭ ‬بل‭ ‬وأنظر‭ ‬الى‭ ‬صاحبة‭ ‬السؤال‭ ‬كأنني‭ (‬مسبهه‭) ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الضياع‭!‬

ليش؟‭ ‬واشلون؟‭ ‬وكيف‭ ‬تسألينني‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬فلا‭ ‬يوجد‭ ‬أي‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬حب‭ ‬الأم‭ ‬لأبنائها؟‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬رد‭ ‬لصديقتي‭ ‬على‭ ‬سؤالها‭ ‬الانفجاري‭ ‬الصادم،‭ ‬ولكنها‭ ‬قالت‭ ‬بكل‭ ‬هدوء‭: ‬

أمي‭ ‬التي‭ ‬يقول‭ ‬الدين‭ ‬عنها‭ ‬أمك‭ ‬ثم‭ ‬أمك‭ ‬ثم‭ ‬أمك‭ ‬ثم‭ ‬أبوك،‭ ‬تركتني‭ ‬وأختي‭ ‬الأصغر‭ ‬مني‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬السابعة‭ ‬مع‭ ‬والدي‭ ‬لتتزوج‭ ‬من‭ ‬آخر‭ ‬أحبته‭ ‬وهي‭ ‬متزوجة‭ ‬من‭ ‬أبي‭ ‬ولم‭ ‬تخجل‭ ‬أبدا‭ ‬أن‭ ‬تصارح‭ ‬والدي‭ ‬وتطلب‭ ‬منه‭ ‬الطلاق،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬أول‭ (‬طراق‭) ‬حقيقي‭ ‬أو‭ ‬صفعة‭ ‬أخذتها‭ ‬من‭ ‬ست‭ ‬الحبايب،‭ ‬أما‭ ‬ثاني‭ ‬صفعة‭ ‬فكانت‭ ‬حينما‭ ‬تخلت‭ ‬عنا‭ (‬طفلتاها‭ ‬الصغار‭) ‬نهائيا‭ ‬ورفضت‭ ‬أن‭ ‬تستقبلنا‭ ‬في‭ ‬بيتها‭ ‬لأنها‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تتفرغ‭ ‬لزوجها‭ ‬وحياتها‭ ‬الجديدة،‭ ‬وكنا‭ ‬نراها‭ ‬في‭ ‬الأعياد‭ ‬والمناسبات‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬جدي‭ ‬أو‭ ‬خالتي،‭ ‬بنتان‭ ‬صغيرتان‭ ‬مع‭ ‬أب‭ ‬مشغول‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬يتطلب‭ ‬أن‭ ‬يتواجد‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬الصباح‭ ‬حتى‭ ‬المساء،‭ ‬لذلك‭ ‬اضطر‭ ‬أن‭ ‬يضعني‭ ‬مع‭ ‬جدتي‭ ‬ويضع‭ ‬أختي‭ ‬الصغيرة‭ ‬في‭ ‬رعاية‭ ‬خالتي‭ ‬بمعنى‭ ‬أننا‭ ‬تشتتنا‭ ‬قليلا‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬وأمّنا‭ ‬حية‭ ‬تؤسس‭ ‬حياة‭ ‬جديدة‭ ‬لم‭ ‬تفكر‭ ‬ولو‭ ‬للحظة‭ ‬في‭ ‬مصير‭ ‬بناتها‭! ‬

نظرت‭ ‬إليّ‭ ‬ورأتني‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الاستغراب‭ ‬و‭(‬السبهللة‭) ‬فابتسمت‭ ‬بحرقة‭ ‬وقالت‭: ‬لحظة‭ ‬لا‭ ‬تستغربي‭ ‬فمازالت‭ ‬القصة‭ ‬في‭ ‬بدايتها،‭ ‬رب‭ ‬العالمين‭ ‬عوضنا‭ ‬عن‭ ‬قسوة‭ ‬أمنا‭ ‬بوالد‭ ‬فيه‭ ‬كل‭ ‬حنان‭ ‬وطيبة‭ ‬العالم،‭ ‬لكنه‭ ‬مع‭ ‬الأسف‭ ‬الشديد‭ ‬مشغول‭ ‬في‭ ‬عمله،‭ ‬حاول‭ ‬أن‭ ‬يعوضنا‭ ‬بكل‭ ‬استطاعته‭ ‬بتوفير‭ ‬كافة‭ ‬طلباتنا،‭ ‬لكننا‭ ‬لم‭ ‬نعرف‭ ‬أبدا‭ ‬أنا‭ ‬واختي‭ ‬معنى‭ ‬العائلة‭ ‬أو‭ ‬حب‭ ‬الأم‭ ‬التي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أسست‭ ‬عائلة‭ ‬ثانية‭ ‬وبعد‭ ‬وفاة‭ ‬زوجها‭ ‬تفرغت‭ ‬لأولادها‭ ‬واعتبرتنا‭ ‬بنات‭ ‬الجيران‭ ‬اللاتي‭ ‬تخلت‭ ‬عن‭ ‬مسؤوليتهما‭ ‬وهم‭ ‬صغار‭ ‬وكأنها‭ ‬قطعت‭ ‬صلة‭ ‬الأمومة‭ ‬بيننا‭ ‬وأصبحنا‭ ‬نزورها‭ ‬كواحدة‭ ‬من‭ ‬الخالات،‭ ‬لم‭ ‬تطلب‭ ‬منا‭ ‬أبدا‭ ‬أن‭ ‬نعيش‭ ‬معها‭ ‬ولو‭ ‬حتى‭ ‬بالمجاملة‭!! ‬

وقالت‭ ‬صديقتي‭ ‬الجميلة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التفاصيل‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أسردها‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬وواحد‭ ‬ولكنني‭ ‬سأختصر‭ ‬لأبين‭ ‬كم‭ ‬هي‭ ‬قاسية‭ ‬عقوق‭ ‬الآباء‭.‬

تعرضت‭ ‬حياتي‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬المشاكل‭ ‬ولكنني‭ ‬أصبحت‭ ‬امرأة‭ ‬قوية‭ ‬وناجحة‭ ‬وعرفت‭ ‬كيف‭ ‬أحافظ‭ ‬على‭ ‬نفسي‭ ‬وعلى‭ ‬أختي‭ ‬الصغيرة،‭ ‬ولكن‭ ‬أصعب‭ ‬موقف‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬ويجعلني‭ ‬أنام‭ ‬كل‭ ‬ليلة‭ ‬وأسأل‭ ‬نفس‭ ‬السؤال‭ ‬يا‭ ‬رب‭ ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬عقول‭ ‬الأم؟‭ ‬وكيف‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أسامحها؟

تعرضت‭ ‬لأزمة‭ ‬صحية‭ ‬شديدة‭ ‬جدا‭ ‬وكدت‭ ‬أن‭ ‬أفقد‭ ‬فيها‭ ‬حياتي‭ ‬فهل‭ ‬حنّ‭ ‬قلب‭ ‬أمي‭ ‬التي‭ ‬يقول‭ ‬الدين‭ ‬إن‭ ‬تحت‭ ‬قدميها‭ ‬الجنة؟‭ (‬لم‭ ‬أستطع‭ ‬أن‭ ‬أوقف‭ ‬دمعتي‭ ‬من‭ ‬النزول‭)‬،‭ ‬لأنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أتصور‭ ‬أن‭ ‬تسمع‭ ‬أي‭ ‬أم‭ ‬عن‭ ‬مرض‭ ‬ابنتها‭ ‬حشاشة‭ ‬يوفها‭ ‬ولا‭ ‬تنهار،‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬الأم‭ ‬لم‭ ‬تحن‭ ‬ولم‭ ‬تقف‭ ‬مع‭ ‬ابنتها‭ ‬ولم‭ ‬تشعر‭ ‬بمعاناتها‭ ‬بل‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تزورها‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬ولا‭ ‬عندما‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬خالتها‭ ‬إلا‭ ‬كالأغراب‭ ‬بل‭ ‬اهتمامها‭ ‬كان‭ ‬اقل‭ ‬من‭ ‬الأغراب،‭ ‬ولولا‭ ‬حنان‭ ‬والدها‭ ‬الطيب‭ ‬وخالتها‭ ‬وصديقاتها‭ ‬لانهارت‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬والألم‭!‬

فهل‭ ‬تستحق‭ ‬هذه‭ ‬الأم‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬العطف‭ ‬أو‭ ‬السماح؟

تقول‭ ‬صديقتي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أمي‭ ‬التي‭ ‬ربت‭ ‬إخواني‭ ‬أن‭ ‬يصبحوا‭ ‬قساة‭ ‬مثلها،‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أبرها‭ ‬وأتواصل‭ ‬معها‭ ‬ولكن‭ ‬قلبي‭ ‬لم‭ ‬ولن‭ ‬يصفى‭ ‬أبدا‭ ‬لأنني‭ ‬لم‭ ‬ولا‭ ‬أشعر‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬بأي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬والحنان‭ ‬من‭ ‬ناحيتها‭ ‬لي‭.‬

الدين‭ ‬والمجتمع‭ ‬والإنسانية‭ ‬كلها‭ ‬تستنكر‭ ‬عقوق‭ ‬الأبناء‭ ‬لآبائهم،‭ ‬ولكن‭ ‬فعلا‭ ‬ماذا‭ ‬عن‭ ‬عقوق‭ ‬الآباء؟‭ ‬وكيف‭ ‬نطلب‭ ‬من‭ ‬إنسانة‭ ‬فقدت‭ ‬كل‭ ‬الحنان‭ ‬والحب‭ ‬أن‭ ‬تسامح‭ ‬إنسانة‭ ‬قاسية‭ ‬وشريرة‭ ‬لمجرد‭ ‬أنها‭ ‬أمها؟‭ ‬فالأم‭ ‬نبع‭ ‬الحنان‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬أنجبت‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬ربت‭ ‬وعلمت‭ ‬وسهرت‭ ‬الليالي‭!‬

ما‭ ‬رأيكم‭ ‬هل‭ ‬تستحق‭ ‬هذه‭ ‬الأم‭ ‬المسامحة؟‭ ‬

إقرأ أيضا لـ"وفاء جناحي"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا