العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٦٨ - الأحد ١٥ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٤ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

الاسلامي

الصيام لا يقلل العمل والإنتاج.. وهـو بـريء مـن الـمـتـكـاسـلـيـن

الجمعة ١٤ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

بقلم‭: ‬د‭. ‬أحمد‭ ‬علي‭ ‬سليمان

إن‭ ‬قلة‭ ‬العمل‭ ‬والإنتاج‭ ‬الواضحة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬رمضان،‭ ‬لا‭ ‬ترجع‭ ‬بتاتا‭ ‬إلى‭ ‬الصيام،‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬يسمو‭ ‬بالروح‭ ‬والنفس،‭ ‬ويرتفع‭ ‬بصحة‭ ‬الإنسان؛‭ ‬حيث‭ ‬ينشأ‭ ‬عن‭ ‬الصيام‭ ‬راحة‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬أجهزة‭ ‬الجسم‭ ‬الداخلية‭ ‬فيزيد‭ ‬نشاطها،‭ ‬ويحسن‭ ‬أداؤها‭ ‬بعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬من‭ ‬الصوم،‭ ‬ولعل‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬حدا‭ ‬بعلماء‭ ‬الغرب‭ ‬بعد‭ ‬دراسات‭ ‬علمية‭ ‬أن‭ ‬يطالبوا‭ ‬مواطنيهم‭ ‬بالصيام‭ ‬على‭ ‬الطريقة‭ ‬الإسلامية‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬إلى‭ ‬ستة‭ ‬أسابيع‭ ‬في‭ ‬العام،‭ ‬ذلك‭ ‬لأنه‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬ينقي‭ ‬الجسم‭ ‬من‭ ‬السموم‭ ‬والشوائب‭ ‬والشوارد‭ ‬الحرة،‭ ‬ويجدد‭ ‬خلاياه‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬للإنسان،‭ ‬أما‭ ‬قلة‭ ‬العمل‭ ‬والتكاسل‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬فترجع‭ ‬إلى‭ ‬خضوع‭ ‬الناس‭ ‬لتأثير‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والسهر‭ ‬طوال‭ ‬الليل‭ ‬لمتابعة‭ ‬المسلسلات‭ ‬والأفلام‭ ‬والبرامج‭ ‬وغيرها،‭ ‬والانهماك‭ ‬في‭ ‬ملذات‭ ‬الطعام‭ ‬والشراب،‭ ‬فيصابون‭ ‬بالتخمة‭ ‬والكسل‭ ‬والتراخي‭ ‬وتعب‭ ‬الجسم‭.. ‬على‭ ‬عكس‭ ‬مقاصد‭ ‬الصيام‭!! ‬

إن‭ ‬خدمة‭ ‬الناس‭ ‬وقضاء‭ ‬مصالحهم‭ (‬تطوّعاً‭) ‬متعة‭ ‬وشعور‭ ‬طيب‭ ‬لا‭ ‬يستشعره‭ ‬إلا‭ ‬أصحاب‭ ‬النفوس‭ ‬الطيبة‭ ‬التي‭ ‬تتعب‭ ‬ليستريح‭ ‬الآخرون،‭ ‬وتسهر‭ ‬لينام‭ ‬المتعبون،‭ ‬وتجتهد‭ ‬ليفرح‭ ‬المكروبون،‭ ‬فما‭ ‬بالنا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المصالح‭ ‬والخدمات‭ ‬تقتضيها‭ ‬واجبات‭ ‬الوظيفة‭ ‬أو‭ ‬المهنة‭ ‬التي‭ ‬يأخذ‭ ‬عليها‭ ‬الموظف‭ ‬أجراً؟‭! ‬وماذا‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬الصيام‭ ‬الذي‭ ‬تعظم‭ ‬فيه‭ ‬الأجور‭ ‬وتتضاعف‭ ‬الحسنات؟‭!‬

إن‭ ‬من‭ ‬يعمل‭ ‬بمهنة‭ ‬يأخذ‭ ‬على‭ ‬عمله‭ ‬فيها‭ ‬أجرا،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يلتزم‭ ‬بواجبات‭ ‬هذه‭ ‬المهنة‭ ‬من‭: ‬مراقبة‭ ‬الله،‭ ‬ومراعاة‭ ‬وقت‭ ‬العمل،‭ ‬والإبداع‭ ‬فيه‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬حوائج‭ ‬الناس‭ ‬بكل‭ ‬أريحية‭ ‬وإقبال،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬فمن‭ ‬باب‭ ‬أولى‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬كسل‭ ‬أو‭ ‬تقاعس،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬العبس‭ ‬في‭ ‬وجوه‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬بحجّة‭ ‬أنه‭ ‬صائم‭.. ‬بل‭ ‬الواجب‭ ‬على‭ ‬المسلم‭ -‬إذا‭ ‬كان‭ ‬صائما‭ ‬حقا‭- ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬واسع‭ ‬الصدر،‭ ‬بسام‭ ‬المحيا،‭ ‬بشوش‭ ‬الوجه،‭ ‬إذ‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الجمهور‭ ‬من‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬تشق‭ ‬على‭ ‬ذوي‭ ‬النفوس‭ ‬الضعيفة،‭ ‬لما‭ ‬يقتضيه‭ ‬من‭ ‬صبر‭ ‬وأناة‭ ‬وأمانة‭ ‬ونحو‭ ‬ذلك،‭ ‬لذا‭ ‬فإن‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المهام‭ ‬بالوجه‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ - ‬إذا‭ ‬كان‭ (‬صائما‭) ‬حقا،‭ ‬أن‭ ‬يفرح‭ ‬بما‭ ‬قدّم‭ ‬ويستشعر‭ ‬لذّة‭ ‬الصيام،‭ ‬لأنه‭ ‬يراقب‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬تعامله‭ ‬مع‭ ‬الناس،‭ ‬وأمثال‭ ‬هؤلاء‭ ‬يكافئهم‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة‭. ‬فضلا‭ ‬عما‭ ‬قد‭ ‬تصيبه‭ ‬من‭ ‬كلمة‭ ‬طيبة‭ ‬أو‭ ‬دعوة‭ ‬صادقة‭ ‬ممن‭ ‬يقوم‭ ‬بخدمتهم‭ ‬لقاء‭ ‬تخفيف‭ ‬معاناتهم‭ ‬أو‭ ‬إرشادهم‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬ينفعهم‭. ‬بخلاف‭ ‬من‭ ‬يشق‭ ‬عليهم‭ ‬تكاسلا‭ ‬أو‭ ‬إهمالا‭ ‬أو‭ ‬عبوسا،‭ ‬ويدّعي‭ ‬أنه‭ ‬صائم،‭ ‬والصيام‭ ‬منه‭ ‬ومن‭ ‬تقصيره‭ ‬براء‭. ‬

إن‭ ‬الشرائع‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬الإنساني‭ ‬لم‭ ‬تعرف‭ ‬شعيرة‭ ‬ألصق‭ ‬بالضمير‭ ‬الإنساني‭ ‬من‭ ‬الصيام،‭ ‬لأن‭ ‬المقومات‭ ‬الذاتية‭ ‬لهذه‭ ‬الشعيرة‭ ‬قد‭ ‬جعلتها‭ ‬سرية‭ ‬وإن‭ ‬أدّيت‭ ‬في‭ ‬العلن،‭ ‬فالصوم‭ ‬ليس‭ ‬فعل‭ ‬شيء،‭ ‬بل‭ ‬ترك‭ ‬شيء‭ ‬أو‭ ‬أشياء،‭ ‬وكل‭ ‬إنسان‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يثبت‭ ‬أنك‭ ‬مفطر،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يثبت‭ ‬أنك‭ ‬صائم،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬مغلق‭ ‬ويأكل‭ ‬ملء‭ ‬بطنه‭ ‬ويشرب‭ ‬ملء‭ ‬فيه،‭ ‬ويخرج‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬قائلا‭ ‬ما‭ ‬أشدّ‭ ‬الصيام‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭!!. ‬ولكنها‭ ‬المراقبة‭ ‬لله‭ ‬عزّ‭ ‬وجلّ‭.. ‬وتلك‭ ‬المراقبة‭ ‬أيضا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الدافع‭ ‬لإخلاصه‭ ‬وطاعته‭ ‬لله‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ومراعاة‭ ‬مصالح‭ ‬العباد‭ ‬والبلاد،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬الصيام‭ ‬وحسب‭.. ‬اللهم‭ ‬وفقنا‭ ‬لكل‭ ‬خير‭ ‬ووفق‭ ‬الخير‭ ‬ليكون‭ ‬معنا‭ ‬وفي‭ ‬حياتنا‭ ‬وفي‭ ‬قلوبنا‭ ‬على‭ ‬الدوام‭.‬

عضو‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬للشؤون‭ ‬الإسلامية

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا